Awail Kharif: Kisah Seorang Wanita Anggun
أوائل الخريف: قصة سيدة راقية
Genre-genre
لاحظت سابين أن العمة كاسي و«رفيقتها »، الآنسة بيفي، في جلوسهما معا على درج السلم، تبدوان وكأنهما أنثى غراب وحمامة نفاخة. لم تكن الآنسة بيفي بدينة وحسب، وإنما في الحقيقة كانت أيضا منتفخة؛ كانت من أولئك السيدات اللاتي يملن بطبيعتهن إلى «السمنة»، اللاتي من شأنهن أن يتصفن بالبدانة ولو اتبعن نظاما غذائيا شحيحا قائما على نشارة الخشب والماء المقطر فحسب؛ وكانت قد ظهرت في حياة الأسرة قبل ثلاثين عاما بوصفها رفيقة، أو بالأحرى أمة، مهمتها تسلية العمة كاسي أثناء فترة اعتلالها الطويلة. وظلت في مكانتها هذه منذ ذلك الحين، لتحل محل زوج غيبه الموت وأطفال لم يولدوا.
كان ثمة شيء طفولي بشأن الآنسة بيفي - يقول البعض إنها ليست ذكية جدا - لكنها كانت تناسب العمة كاسي تماما؛ إذ كانت منقادة كالأطفال ومعتمدة عليها اعتمادا كليا من الناحية المالية. وكانت العمة كاسي تمنحها ما يكفي من المال لتعويض الخسائر التي تكبدتها بسبب الاحتفاظ بمتجر صغير في بوسطن مخصص لبيع الفخاريات «الفنية». كانت الآنسة بيفي سيدة راقية، ورغم كونها معدمة، فقد كانت ذات «علاقات وطيدة» في بوسطن. وفي الستين من عمرها، كانت قد صارت ثقيلة جدا على نحو لا يتناسب مع قدميها الصغيرتين الشبيهتين بسيقان الطيور، ولذا كانت قليلة الحركة جدا. في هذه الليلة كانت ترتدي فستانا أنيقا جدا مغطى بالدانتيلا والترتر والشرائط المزركشة، كان بالأحرى على موضة أيام صباها الخوالي، كما قال لها أحدهم. كان شعرها مشوبا بخصلات رمادية ومقصوصا قصة قصيرة شعثاء غير متساوية؛ ولكن ليس لأن الشعر القصير أنيق؛ وإنما لأنها قصته قبل أن يسمع أحد عن موضة الشعر القصير بعشر سنوات، في بادرة مفاجئة وغير مجدية للتحرر في اللحظة المروعة التي قامت فيها بمحاولتها الوحيدة المتكاسلة للهروب من العمة كاسي وعيش حياتها الخاصة. وعادت في النهاية، بعد أن نفدت مدخراتها الهزيلة وتعرضت للإفلاس، لتستقبلها العمة كاسي بتنهدات وقور وارتجاف وكأنها ابنة ضالة تائبة عائدة إلى أحضانها. وفي غمار هذا الدور، عاشت منذ ذلك الحين في حالة من الخضوع التام. كانت الآن صنيعة العمة كاسي؛ تذهب حيثما تأمرها العمة كاسي، وتفعل ما تؤمر، وتكون أذنا صاغية لها حين لا يوجد أحد أجدر بالتحدث معه.
عندما رأت سابين، بفستانها الأخضر وشعرها الأصهب، تتحرك عبر الردهة الكبيرة أسفلهما، قالت العمة كاسي، وفي عينيها ومضة: «تبدو سابين قلقة على ابنتها. لا يبدو أن المسكينة تحقق نجاحا، ولكن أظن أنه لا عجب في ذلك. فالمسكينة عادية جدا. أظن أنها أخذت البشرة الشاحبة من أبيها. كان نصف يوناني ونصف فرنسي ... لم تكن سابين محبوبة مطلقا في صباها.»
وللمرة المائة، انهمكت في تكهنات مبنية على معرفتها الضئيلة للظروف المحيطة بزواج سابين التعيس وطلاقها، مستجمعة فتات المعلومات من هنا وهناك لتضيف إليها مجموعة متنوعة من التكهنات الأخرى والكثير من عبارات التقوى والورع؛ إذ بدا في معرض حديث العمة كاسي أن الرب ضالع في كل شيء. فللرب طريقة في توزيع المحن والمنح عشوائيا؛ ومن ثم يصير في النهاية مسئولا عن كل شيء.
قطعا، صارت تحقد قليلا على سابين؛ إذ ظلت عالقة في ذهنها ذكرى لقاء بينهما، جرى قبل يوم أو يومين، عندما اضطرت إلى الانسحاب تماما. فنادرا ما كانت العمة كاسي تلتقي بأي شخص يضاهيها، وعندما حدث هذا اللقاء، اعتملت ذكراه في قلبها حتى وجدت وسيلة لكبح المعتدي. مع الآنسة بيفي، كانت صريحة تماما، فعلى مدار خدمتها الطويلة، تحولت هذه العذراء المسنة السمينة إلى ما يشبه كاهن اعتراف، في حضرته تخلع العمة كاسي جميع الأقنعة. كانت تقول دوما: «لا تعبأ بالآنسة بيفي. فهي ليست ذات أهمية.»
وكانت تقول: «أرى سابين مثابرة ومحنكة للغاية. لم أعد أبدا أراها نفس الشابة المتواضعة التي تركتني قبل سنوات.» ثم تنهدت تنهيدة عميقة وأردفت قائلة: «ومع ذلك، يجب ألا نطلق الأحكام جزافا. أظن أن المسكينة قد عانت معاناة شديدة. إنني أشفق عليها من أعماق قلبي!»
وفي أحاديث العمة كاسي، بل وفي كل عبارة منها، كانت تظهر دوما نبرة متكلفة طفيفة كما لو أنها تسعى باستمرار إلى إضفاء طابع ميلودرامي على كل ما تقوله. فلا شيء تقوله ببساطة أبدا. وكل شيء يؤثر فيها تأثيرا مفرطا، يبلغ أعماق روحها، بداية من رؤية طنجرة القشدة الحامضة وحتى وفاة زوجها.
إلا أن هذا لم يستجلب أي استجابة من جانب الآنسة بيفي، التي بدت مستغرقة بحماس في مراقبة الشباب، وعيناها المستديرتان الصافيتان تلمعان عبر نظارتها الأنفية بلهفة من قضت حياتها بأكملها بصفتها «سيدة مرافقة». وفي لحظات كهذه، كانت العمة كاسي تشعر بأن الآنسة بيفي متواضعة الذكاء، وأحيانا كانت تصرح بذلك.
واستطردت تقول بثقة: «تبدو أوليفيا، الليلة، في حالة سيئة أيضا ... مرهقة ومتعبة جدا. لا تعجبني تلك الهالات أسفل عينيها ... لطالما راودتني فكرة أنها حزينة بخصوص أمر ما.»
غير أن الطبيعة المتقلبة للآنسة بيفي ظلت متوارية تماما أمام مشهد الشابات اللاتي اختلفن كثيرا عن الفتيات في أيام شبابها؛ وأمام المشهد الرائع للسيد هوسكينز، الجار الكهل البدين الرقيق الذي وقف ممسكا بكأس ممتلئة عن آخرها بالشامبانيا يتحدث بمكر إلى أوليفيا الصبورة. شرد ذهن الآنسة بيفي نفسها تماما في غمرة هذه الأجواء المرحة جدا. فلم تلاحظ النظرات التي تسددها العمة كاسي تجاهها - نظرات تقول بصراحة: «انتظري حتى أنفرد بك!»
Halaman tidak diketahui