Awail Kharif: Kisah Seorang Wanita Anggun
أوائل الخريف: قصة سيدة راقية
Genre-genre
جلس الرجل المسن على رأس المائدة، في الموضع الذي لم يتنازل عنه أبدا باعتباره الديكتاتور، زعيم الأسرة بأكملها. كان طويل القامة وقوي البنية، وقد ازداد صلابة بفعل التعرض لمختلف الأجواء المناخية عبر السنوات التي عاشها في الريف، ممتطيا الخيول يوما بعد يوم تحت الأمطار والعواصف الثلجية، وتحت أشعة الشمس وفي أجواء عاصفة، كما لو كان يشتهي بطبعه حياة الجلد والمشقة التي عاشها أوائل عائلة بينتلاند حين جاءوا إلى دورهام. كان يمتطي دوما الفرس الحمراء الجميلة المتوحشة الجامحة ... وكان رجل مسن صارم مثله لائقا بهذه الفرس المشهورة بحدة الطبع. كان يشبه أخته كاسي من حيث المظهر- فقد ظهر أحد أسلاف بينتلاند السود على نحو غامض في سلالة العائلة قبل مائة عام تقريبا، وكانت له عينان سوداوان متقدتان تبرزان أسفل حاجبين كثين ... وكان رجلا مختلفا عن ابنه من حيث المظهر الخارجي والقوة الجسدية بقدر ما يمكن تخيله. (إذ إن آنسون كان نموذجا لرجال بينتلاند؛ أشقر، ذا عينين زرقاوين مستديرتين وتميل بشرته إلى الاحمرار في حال تمتعه بالصحة.) كان المرء يقف في إجلال بحضرة الرجل المسن: كان ثمة تجهم واضح على الوجه الصلب والملامح القاسية والشفتين المتصلبتين، ومسحة استنكار غريب وغامض يتعذر على المرء معرفة مصدرها أو تحليل أسبابها.
كان ملتزما الصمت اليوم، تنتابه إحدى الحالات المزاجية الكئيبة التي كانت أوليفيا تعرف جيدا منها أنه مغتم. كانت تعرف أن الأمر هذه المرة لم تكن له علاقة بمرض جاك؛ لأن الصبي كان جالسا قبالتهم، ويبدو أقوى مما كان عليه طيلة أشهر ... أشقر وشاحبا ونحيفا، والعروق الزرقاء بارزة في معصميه المثيرين للشفقة وصدغيه النحيفين الجميلين.
اجتازت أوليفيا أوقاتا عصيبة بسبب مرض جاك، وكانت تعيش هذه الأوقات دوما مع جون بينتلاند، ولذلك نشأ بينهما - الأم والجد - شعور بالتفاهم يتجاوز الحاجة إلى الكلام. كانا قد قضيا معا ليالي كثيرة جدا بجوار الصبي، يبقيانه على قيد الحياة بقوة إرادتهما الموحدة، مرغمين إياه على العيش، والتمسك بالحياة، حينما كان من شأنه أن يستسلم للموت ويلفظ أنفاسه الأخيرة بكل سهولة. تعاونا معا للإبقاء على حياته؛ لأنهما أحباه ولأنه كان آخر الأبناء الذكور في العائلة.
أحيانا كانت أوليفيا تشعر بأن سيبيل، هي الأخرى، لعبت دورا في الصراع المتواصل مع الموت. مثل جدها، لم تكن الفتاة تتحدث مطلقا عن هذه الأشياء، ولكن كان بوسع المرء أن يستقرئها في الأعماق المضطربة لعينيها البنفسجيتين. كان ذلك الصراع الطويل المرهق أحد المآسي التي لم يكونوا يتحدثون عنها مطلقا في منزل عائلة بينتلاند، تاركين إياه مطمورا في الصمت. وكنت تجد أحدهم يقول: «يبدو جاك في صحة جيدة اليوم»، ثم يردف مبتسما: «لعل الأطباء مخطئون.» كانت سيبيل تراقب شقيقها في تلك اللحظة، بتلك الطريقة الهادئة والغامضة، تراقبه بحذر لئلا يكتشف أنها تراقبه؛ لأنه كان يكتشف المتاعب بسهولة، بهذا النوع من الكياسة التي يتحلى بها الأشخاص الذين يعانون من المرض على الدوام.
كاد الحديث أن يكون منعدما بينهم أثناء تناول الغداء. كانت سيبيل تخطط لاصطحاب شقيقها في العربة التي تجرها الخيول في جولة عبر المزرعة ومنها إلى كثبان الرمال البيضاء.
قالت: «سيذهب هيجينز معنا. سيرينا جراء الثعالب الوليدة في الأجمة السوداء.»
وقال جاك: «إنه شيء غريب بخصوص هيجينز. فهو دوما يكتشف هذه الأشياء قبل أي شخص آخر. إنه يعرف متي يكون اليوم مناسبا لصيد السمك ومتى ستمطر. وهو لا يخطئ أبدا.»
قال الجد فجأة: «أجل ... إنه لشيء غريب. إنه لا يخطئ أبدا ... على الأقل طوال السنوات التي عرفته فيها.»
وكانت هذه هي المرة الوحيدة التي قال فيها أي شيء أثناء تناول الطعام، وحاولت أوليفيا ملء الفراغات في الحديث، لكنها وجدت الأمر صعبا، بوجود الصبي جالسا قبالتها وقد بدا عليه الشحوب والمرض الشديدين. أحيانا كان يخيل إليها أنه لم يولد قط، وأنه ظل على الدوام بطريقة أو أخرى جزءا منها. وعندما يكون بعيدا عن ناظريها، لم تكن تعرف للراحة سبيلا لأنه كان يستحوذ عليها دوما شعور بالرعب من أنها ربما لن تراه ثانية أبدا. وكانت تعرف أن بداخل ذلك الجسد الضعيف روح، شعلة متأججة، متحدرة من الرجل المسن ومنها هي نفسها، تتقد برغبة متحمسة للحياة ولركوب الخيل والسباحة والركض عبر المروج المفتوحة ... شعلة يجب إخمادها دوما. ليته كان مثل أبيه، آنسون، الذي لم يعرف أبدا هذا التعطش للحياة ...
تحدث الرجل المسن قائلا: «عزيزتي أوليفيا ... هلا شربت قهوتك معي في المكتبة؟ ثمة شيء أريد أن أناقشه معك.»
Halaman tidak diketahui