أن يسلموا الأوطان دون الهام
منيتهم مشارع الحمام
فلما تكسر في أيديهم كل سلاح، وأعوزهم كل قوت، وضاق على عزائمهم كل مجال، خرجوا من ديارهم أنفة أن يروا الصغار في الديار، وإباء أن تجمعهم والمذلة أرض، وهم اليوم مشردون في الأقطار، قد نالت الخطوب من أموالهم ونعيمهم ودعتهم وجسومهم، ولم تنل من أنفسهم، فكل منهم علم جهاد، وصحيفة فخار، وسجل مآثر، وشهادة ناطقة بما تتجاهلون من العزة الإسلامية، والأنفة العربية.
ألا إن الإسلام لم تنته دعوته ولم تضعف كلمته، وسيبقى كلمة الله في الأرض، ودعوته إلى الحق، وحجته على الخلق، في أمره بالتوحيد والأخوة والحرية، والعمل في الحياة على أقوم السنن، إلى أكرم الغايات.
ألا إن الإسلام دعوة إلى الحياة لا تموت، ودعوة إلى الحرية لا تستعبد، ودعوة إلى العزة لا تذل، ودعوة إلى العمل لا تفتر.
ألا إن الإسلام دعوة إلى السلام والإخاء، وإلى الصدق والوفاء، فإن دارت به الأكاذيب، واجتمعت عليه الأباطيل، وسيم الهوان، وقوبل بالعدوان، فهو دعوة إلى العزة والإباء، والصبر على اللأواء، والموت في سبيل الحق، والخلود من وراء الموت.
لا غالب إلا الله!
ذهبت البارحة إلى مسرح الحمراء، وقد سمى الأوروبيون كثيرا من ملاهيهم باسم الحمراء بعد أن حرفوه إلى الهمبرا، سألت نفسي في الطريق: كيف حرف الاسم هذا التحريف؟ قالت: إن الزمان ليطمس الأعيان ثم يذهب بالآثار، فما إبقاؤه على الأسماء؟ أشفقت من هذا الحديث أن أتغلغل فيما وراءه من آلام وأحزان فقلت: فيم الفرار من الكد والعناء إلى الملهى إن بدأت حديثه بالمراثي والمصائب؟
أخذت مكاني بين الجالسين، فسرحت طرفي في نسق عربي من البناء والنقش، وإذا منظر يفتح لي من التاريخ فجاجا ملأى بالأهوال والعبر.
لبثت أتأمل البناء متحرزا أن أجتازه إلى ما وراءه من خطوب التاريخ، وما زلت أصوب النظر وأصعده في المسرح حتى جمد البصر على دائرة في ذروته لاحت فيها أحرف عربية ، فكنت وإياها غريبين في هذا الجمع «وكل غريب للغريب نسيب.» بل كنت وإياها نجيين في هذا الحفل لا يفهمها غيري، ولا تأنس من الوجوه الحاشدة بغير وجهي، أجهدت البصر الكليل في قراءة الأحرف فإذا هي: «لا غالب إلا الله.»
Halaman tidak diketahui