181

ثم اذكروا أن المثنى فتح العراق جنديا مسلما، فاذكروا الإسلام ومجده، واعتصموا بأخلاقه، واستمسكوا بمعاليه، وسيروا قدما في عزة العروبة، وهداية الإسلام، وأنتم الأعلون والله معكم.

ملكة الجمال1

للأقلام محن تقضي عليها أن تسف إلى ما لا تود الكتابة فيه، وأن تنزل إلى ما تريد الترفع عنه، وقلمي مكره على الكتابة في هذه الحماقات، مرغم على أن يعنى بهذه الترهات.

1

كنت أحادث جماعة من الأصدقاء فسارت بنا شجون الحديث إلى أن تكلمنا في المدنية الحاضرة، حسنها وقبيحها، وجليها وسفسافها، قلت: أحسب أن المسيطرين على أخلاق الناس في كثير من المناحي المعيشية الحاضرة جماعة من التجار المفسدين، قال صديق: كيف ذلك؟ قلت: في طبع الإنسان الكلف باللذات، والاستهتار بالشهوات، وقد سار العالم آلاف السنين على هدى التجاريب، وتعليم الأنبياء والحكماء، يزن آلامه ولذاته، ويعدل بين مصالحه وشهواته، ويضع شرائع، ويسن سننا؛ ليعيش الإنسان على شريعة تعرف وتنكر، وتستحسن وتستقبح، وتقول: هذا حلال وهذا حرام، حتى استقامت للإنسان خطة في سياسة نفسه ومعاملة الناس، وصار يجاهد نفسه ليمنعها لذاتها، علما بأن وراء اللذة العاجلة شرا أعظم منها، ويصبر نفسه على ما يكره إيثارا للعافية في العقبى، واستمساكا بالفضيلة التي سكن إليها، ومكنتها من نفسه سيرة الآباء.

قال صديقي: هذا حق فما وراءه؟ قلت: أرى العصر الحاضر مفتونا كل الفتنة بالأهواء، مستكلبا على الشهوات، قد فتحت له من الملاهي أبواب، ومدت له إلى الغي أسباب، فشغلت من الحياة جانبا هذه الملاهي والمراقص والحانات، ورأى كثير من الناس هذه الدور مجلبة ربح عظيم، ووسيلة مال وفير، فأقبلوا عليها إقبالا، وافتنوا فيها افتنانا، واستعانوا على تزيينها، وجلب الناس إليها بكل ما أنتجت الحضارة من علم وفن، ولم يدعوا حيلة في الاستهواء إلا اتخذوها، ولا وسيلة إلى تهافت الناس عليها إلا توسلوا بها، يفتن كل فيما يعرض، وتؤدي المنافسة والطمع في المال إلى استباحة المحظورات، فينكر الناس أول الأمر، ثم يسكتون، ويخدعون أنفسهم فيما يرون، لما تصبو إليه غرائزهم، وتغرم به شهواتهم، حتى يصير هذا أمرا معروفا، وعملا مألوفا.

ثم يحدو أصحاب الملاهي حب الربح والمنافسة إلى أن يثيروا شهوات الناس بأفانين أخرى، وهلم جرا، لا يصدهم وازع من فضيلة أو عرف. وعبثا يحاول القانون أن يصد التيار، أو يقيم الجرف المنهار.

وهكذا تقاد الأمم بأذنابها، وتأتم بضلالها، وقس يا صاحبي أزياء النساء، فتنافس التجار فيها هو الذي يطيلها ويقصرها، ويطلع كل يوم ببدعة تبين عما دق من المرأة وجل، وما ظهر وما بطن. ولست أجد بدا من ذكر الحقيقة «العارية»، وهي أن النساء الخليعات هن القدوة في هذه السبيل، يلبسن ما يلفت النظر إليهن، ويميزهن من غيرهن، فيروق النساء الأخر هذا الزي. والمرأة لا تحب أن تغلب في زينتها وتجملها، فيصير هذا الخروج على السنن سنة مألوفة، وطرافة «مودة» معروفة. وكل ما ترى في ألبسة البحر من تغير مستمر غايته أن تبرز المرأة العارية متزينة، فهذه سبيله، تبدأ به الخليعات الجريئات، فتتهافت عليه الأخريات.

2

ووراء هذه جماعة من تجار الكتاب والجهلة المفسدين، يريدون أن ينالوا رغائبهم بشريعة، ويفسدوا في الأرض على علم، فيكذبون على الجمال والفن والحرية ما شاءت مآربهم، ويحرفون الكلم عن مواضعه، ويسمون الرذائل بغير أسمائها؛ فالفسق إعجاب بالجمال، وكل خليعة فنانة، وكل خليع أستاذ، ويتنافس أصحاب المجلات في كتابة ما تحبه الشهوات، وعرض الصور التي يهفو إليها الشبان، لا يبالون في سبيل المال أن تصلح الأمة أو تفسد، وتقوم أو تقعد، وتعمل التجارة عملها، حتى تجد الرجل الحريص على الفضيلة، الداعي إليها، إذا ابتلي بمجلة أغضى عن مفاسدها، فصار له رأي في نفسه، وفي غير مجلته، وعمل آخر تجاري في المجلة.

Halaman tidak diketahui