وأما أمراء الشام من بني أيوب، فمنهم من انحاز إلى التتر مؤثرا العافية، ومنهم من لجأ إلى مصر مستنجدا، والملك الناصر أكبر هؤلاء، ترددت به الحيرة بين حدود مصر والشام، ثم لم يستطع إلا السير إلى هلاكو.
4
وأبت مصر التي تجاهد الصليبيين منذ مائة وستين عاما أن تذل للتتر، فجمعت ما فيها من إيمان وقوة، وخرجت في رمضان سنة ثمان وخمسين، وصمدت للقوم، فالتقى الجمعان على عين جالوت في فلسطين.
فأما التتر فلم يعرفوا في الحرب إلا الانتصار منذ سال سيلهم على البلاد الإسلامية قبل ثلاثين سنة. ماذا يخشون من جيش مصر وقد مزقوا للمسلمين جيشا بعد آخر، ولم تصدهم البسالة والاستقتال دون غاية؟
وأما جيش مصر الذي جمع المصريين وعرب البادية من مصر والشام، فقد أيقن أنها الموقعة الفاصلة، وأن هزيمة في عين جالوت تفتح طريق العدو إلى مصر فالمغرب، فصمموا أن ينتصروا. وكثيرا ما تلد العزائم الظفر!
ولم يزلزل عزائمهم أن رأوا بعض أمراء المسلمين في صفوف العدو، ذلك الأمير الشقي المتسمي الملك السعيد.
التقى الجمعان يوم الجمعة الخامس والعشرين من رمضان عام ثمانية وخمسين وستمائة، واحتدم القتال، وصبر المسلمون ثم صبروا، ولقوا من حملات التتار ما يوهن العزائم، فلم يهنوا. إلى من يكلون الدفاع عن الإسلام والمجد إن لم يستميتوا في عين جالوت؟
كتبغا قائد التتر قتيل، وابنه أسير، وجنده مصرعون في حومة القتال، وبقايا السيوف منهم عائذون برءوس الجبال.
يومئذ علم المسلمون أنه يستطاع هزم التتر، فلم يثبت القوم في بقعة من بقاع الشام، وأسرعوا راجعين إلى الشرق.
جمع التتر شملهم، وأعدوا للحرب عددهم، ثم رجعوا فاستولوا على حلب بعد شهرين من موقعة عين جالوت، ولكن عين جالوت قد فصلت في القضية من قبل، وعلمت المسلمين أن الأمل والعزم والإقدام تغلب كل عدو، ولو كان التتر جنود هلاكو حفيد جنكيز.
Halaman tidak diketahui