ودخل تفتكوف المكتب وهو ممتقع الوجه كأنه شبح، ويداه ترتجفان، وأمرته أن يذهب إلى المنزل وينتظرني فيه، ثم التفت إلى أرشينوف وقلت له: «اسمع يا أرشينوف، أتدري ماذا تفعل؟ أهذا تنظيم المزارع الجماعية أم هو السلب والنهب بالاستعانة بالمسدسات؟ إن من حقك بلا شك أن تطلب الحبوب، وأن تفتش البيوت إذا اضطررت إلى تفتيشها، ولكن ليس من حقك أن تلجأ إلى العنف، وأن تفعل فعل محاكم التفتيش في ظلام الليل، وإذا لم تشأ أن تعرض نفسك للمتاعب مع اللجنة الإقليمية فعليك أن تمتنع من فورك عن هذه الفعال، وإلا فسأكشف أمرك مهما كلفني هذا. أتفهم ما أقول؟»
وأدرت ظهري إليه، وغادرت المكان، ولم أجد سريزها في المنزل حين وصلته، فقلقت عليه، ولكنه جاء بعد نصف ساعة.
وقال لي: «لقد ذهبت إلى كوخ الفلاح الذي كان يضرب، فوجدت فيه زوجة مريضة وخمسة أطفال، ولم أجد فيه كسرة من الخبز، بل رأيت البيت ينضح فقرا ويأسا، وهذا وأمثاله هم الذين نسميهم كبار الملاك! والأطفال لا تغطي أجسامهم إلا أسمال بالية، وهم كالأشباح، ورأيت قدر الطعام على الموقد، وليس فيها إلا قليل من البطاطس في الماء، وكان هذا عشاءهم في تلك الليلة.»
ثم أطلعني على ورقة قذرة وقال: «انظر إلى هذا يا فكتور، لقد عاهدني الرجل على أن ينضم إلى المزرعة الجماعية؛ ذلك أني رجوته أن يقلع عن عناده، وأن يشفق على أسرته، فرضي آخر الأمر.» - «اذهب إلى فراشك يا سريزها ولا تشغل بالك بهذا الأمر ، وسنفكر فيما يصح أن نفعله.» وعجلت بجواب ما ظننته أن سيسأل عنه، فقلت: «سأحدثك غدا عما دار بيني وبين أرشينوف، وعليك أن تواصل العمل معه كأن لم يحدث بيني وبينه شيء، واسمح لي بعدئذ أن أشكر لك عطفك على فاسيا وشرائك حلة له.»
ثم قبلت وجنتيه. - «شكرا لك يا فكتور، أما قصة هذه الحلة فهي أني لما عدت إلى المنزل قصصت القصة كلها على أسرتي، فخرج أبي وجاء من حيث لا أدري بالحذاءين من بعض أصدقائه، وذهبت أمي تنقب في علية البيت، وجاءت بحلة قديمة لي كنت ألبسها وأنا تلميذ في المدرسة، وظلت تعمل طول النهار لتجعلها ملائمة لمقاس فاسيا.»
فقلت له: «نعم، إن في الحزب خلقا كأبيك وخلقا كأرشينوف.»
كان العمل في المزرعة الجماعية يجري على أحسن حال، وفي وسعي أن أقول: إنه أحسن مما كنت أتوقع، فالهمة مبذولة في دراس الحبوب، والماشية والخيل يعتنى بها، والأدوات الزراعية حسنة الترتيب.
وقررت اللجنة الإدارية للمزرعة - بناء على اقتراحي - أن تدعو الفلاحين إلى عشاء احتفالا بإتمام الدراس، واتفق على أن يقام الاحتفال يوم الأربعاء، ورضي جميع من في المزرعة أن يعملوا حتى مطلع الفجر؛ لكي يقام الاحتفال في الوقت المحدد. وذبحت الخنازير ومدت في فناء المزرعة موائد طويلة مرتجلة، وبعثت رائحة الطعام المطهي والحفلة ومستلزماتها في جميع سكان الضيعة شعورا بأنهم في عيد.
وذهبت بعد ظهر الأربعاء إلى الحقول حيث كانت النساء يقشرن الذرة ويعبئنها في العربات، وانضممت إليهن في العمل - وفي الغناء - بضع ساعات وأنا مغتبط بما أبذل من مجهود جثماني، غير أني لم أكن على ثقة بأن في وسعي أن أكبح جماح أرشينوف، وإن كنت قد وقفت منه موقفا جريئا. وكانت هذه المشكلة لا تنفك تحز في نفسي، غير أني كان في وسعي وأنا في الحقول أن أنساها، فقد كانت النساء يتكلفن السرور حين يبصرنني أتطوع لمشاركتهن في تقشير الذرة، وإن لم يكن هذا من عملي، ولكنهن كن في واقع الأمر يشعرن بشيء من العزة حين يرين «الحكومة» تنزل إلى مستواهن المتواضع.
وأذنت الشمس بالمغيب حين عدت راكبا إلى القريبة ومعي بعض الرفاق، وما كدنا نصل إليها حتى أدركنا لساعتنا أن حدثا ما يحدث فيها، فقد تجمعت في أنحائها جماعات مضطربة متهيجة، وكان النساء يبكين، فأسرعت إلى مبنى السوفيت.
Halaman tidak diketahui