وجلسنا حيث كنا صامتين مدة طويلة، فقد ترك في مصير آل فورفان كما ترك في مصير كاتيا الصغيرة أثرا لا تضارعه آثار الأرقام التي قرأناها عن عدد من نفوا وشردوا وقتلوا.
وقال تفتكوف آخر الأمر: «شكرا لك يا والدي على ثقتك بنا، وثق بأني لن أكون غير جدير بهذه الثقة، وصدقني إذا قلت لك: إن الشيوعيين ليسوا كلهم سواء، وإن منا من يعترضون على هذه الأعمال كاعتراضك أنت عليها، واعلم بأن الحزب نفسه لا يرضى عنها.»
وكان وهو يتحدث كأنه يعتذر عن نفسه وعني وعن الحزب.
وقلت أنا مؤيدا رفيقي: «نعم، إنا نشكر لك كرم ضيافتك وثقتك بنا، وسنقيم معكم شهرا ولا نريد أن نثقل عليكم في شيء، وهاك كل ما لدينا من نقود، ونصر على أن نؤدي ثمن كل شيء، فاشتر كل ما تحتاج إليه، ولا تخرج عن مألوف عادتك من أجلنا.» - «لقد أمرت ألا آخذ نقودا مطلقا.» - «ليس عليك إلا أن تغفل هذه الأوامر، واللجنة المركزية لم تعطنا النقود إلا لهذا الغرض، وكلي أمل في أن تساعدنا فيما جئنا من أجله، فنحن لا نريد إلا الخير، وأنت خبير بشئون قريتك؛ أما نحن فلا علم لنا بها.»
وطار الرقاد من عيني زمنا طويلا في تلك الليلة، ولكني ظللت ساكنا حتى لا أوقظ تفتكوف، وسرني كل السرور أنه تكشف عن إنسان رقيق القلب ذي أدب جم، ولم يكن شيوعيا رسميا متطرفا في شيوعيته.
وسمعته يقول: «أأنت نائم يا فكتور؟» - «كلا يا سريزها، لا أستطيع النوم، إن الأفكار لا تفتأ تساورني.» - «أتعرف أني لا أستطيع أن أرفع عيني في وجه أولئك الفلاحين الطيبين؟ وأني أشعر بأني أنا نفسي ملوم على ما فعله أولئك الأوغاد؟ وشر ما في الأمر أنهم فعلوا ما فعلوه باسم حزبنا المحبوب!»
وكنت قد قررت أن أتحفظ بعض الشيء في حديثي إلى تفتكوف، فقد عرفت أنه ليس بالرجل القوي الكتوم، وخشيت أن يضعف ويلين تحت الضغط الشديد، فيفشي على الرغم منه ما قلته له؛ لذلك رأيت أن من الخير لي وله ألا يعرف من أفكاري إلا القليل.
وقلت له مستحثا إياه أن ينام: «خير لك أن تنام، فإن علينا أن نستيقظ مبكرين.»
ولما وصلنا إلى السوفيت في الصباح وجدنا فيه أرشينوف غاضبا ثائرا، وكان سبب غضبه أنه وضع في بيت لم يجد فيه كفايته من الطعام، ولم يلق من أصحابه كثيرا من المجاملة، وإن لم يسيئوا إليه، وقضينا صدر النهار في مراجعة السجلات، وأطلعنا الرئيس على المعلومات التي جعلتنا نلم بشئون القرية إلى اليوم الذي قدمنا فيه، وقسمنا القرية أقساما، واخترنا لكل قسم من الفلاحين الجماعيين من يناط بهم تنفيذ الخطط المقررة.
ثم ذهب رئيس السوفيت وأرشينوف وسريزها إلى القرية ليطلعوا على أحوالها، وذهبت أنا ورئيس المزرعة الجماعية إلى هذه المزرعة.
Halaman tidak diketahui