بقي أن الجلال السيوطي وإن أنكر ذلك في فتاواه فقد ذكره في باب ما اختص به
صلى الله عليه وسلم
عن أمته في أواخر خصائصه الصغرى نقلا عن رزين العبدري ولكن بلا سند وسكت عنه كالمقر له حتى نسبه بعضهم إلى الاضطراب والتردد، وبعضهم إلى السهو والنسيان، ولم يعرف أي الكتابين أسبق في التأليف حتى يعول على ما في الأخير منهما ويعد رجوعا منه عما في الأول، وقد حاول الشهاب الخفاجي في شرح الشفا التوفيق بين صنيعيه بقوله: «قلت: لا سهو ولا نسيان فإن السيوطي رحمه الله تعالى لم ينكر هذه المعجزة، وإنما أنكر ما يؤثر بعينه في الأماكن التي ذكروها». قلنا: يصح ذلك لو أن السيوطي اقتصر في فتاواه على إنكاره التأثير في شيء بعينه، ولكنه مع إنكاره ذلك في بعض أحجار معروفة أنكر أيضا تلين الصخر وتأثير القدم الشريفة فيه على العموم، وهذا نص ما جاء في السؤال الذي أجاب عنه: «مسألة فيما هو جار على ألسنة العامة، وفي المدائح النبوية، أن النبي
صلى الله عليه وسلم
لان له الصخر وأثرت قدمه فيه، وأنه كان إذا مشى على التراب لا تؤثر قدمه فيه، هل له أصل في كتب الحديث أو لا؟ وهل إذا ورد فيه شيء من خرجه؟ وصحيح هو أو ضعيف؟ وهل ما ذكره الحافظ شمس الدين بن ناصر الدمشقي في معراجه الذي ألفه مسجعا ولفظه: «ثم توجها نحو صخرة بيت المقدس وعلاها، فصعد من جهة الشرق أعلاها، فاضطربت تحت قدم نبينا ولانت، فأمسكتها الملائكة لما تحركت ومالت» ألهذا أصل في كتب الحديث صحيح أو ضعيف أو لا» إلى آخر ما ذكر من السؤال عن أثر القدم الذي هناك، وعن أثر المرفق بمكة وغير ذلك، فأجاب عما ذكر بقوله: «لم أقف له على أصل ولا سند، ولا رأيت من خرجه في شيء من كتب الحديث». ا.ه. وذهب العلاقة ابن العجمي في تنزيه المصطفى المختار إلى أن المعتمد ما ذكره في الفتاوى؛ لأن العلماء يتحرون في فتاواهم أكثر مما يتحرون في المصنفات، وأما كتابه الخصائص فقد جمع فيه ما قيل: إنه من الخصوصيات ولم يعتمد جميع ما فيه، ولكل مقام مقال. ا.ه. ملخصا. قلنا: وفي قوله هذا نظر؛ لأنه لو كان قصد في هذا الكتاب جمع ما قيل بلا اعتماد جميع ما فيه لنبه على ذلك في مقدمته أو خاتمته، والمرجح عندنا أن عدم تعقبه ما نقله عن رزين بأنه لا أصل له ولا سند على ما قرره في فتاواه لم يكن إلا سهوا منه وجل من لا يسهو. والله أعلم.
ولنختم هذا البحث بما ختم به هذا الفاضل رسالته «تنزيه المصطفى المختار» فقال: «لا يخفى على ذوي البصائر أن ما ذكر آنفا جميعه من عدم ثبوت هذه الأحجار المعينة بمصر وغيرها، إنما الغرض منه تنزيه الجناب الرفيع الأعلى والمقام الأسنى عن أن ينسب إلى حماه الأجل الأحمى، ما لم يثبت عنه أصلا، ولا ورد لا قولا ولا فعلا، فلا يتوهم عاقل ألبتة من نفي ذلك نقصا معاذ الله وحاشا وكلا، بل ذلك يقتضي زيادة رفعته العظيمة، وأناقة منزلته الكريمة، بحيث لا يحام حول ذلك الحمى الأعظم، إلا بما ورد عنه
صلى الله عليه وسلم ، ونص على ثبوته من يوثق به من الأئمة الحافظ الأعلام، جهابذة الإسلام».
هوامش
الآثار التي بالقسطنطينية
هي المعروفة عند الأتراك بالأمانات المباركة، ولم تزل محفوظة إلى اليوم بقصر طوبقبو بالقسطنطينية، وكان بنو عثمان يبالغون في تعظيمها، ويعدونها من مفاخر دولتهم، والذي يذكره عنها مؤرخو الترك، أنها كانت عند الشرفاء أمراء مكة، فلما استولى السلطان سليم على مصر سنة 923ه طلبها من الشريف بركات أمير مكة وقتئذ، فبعث بها إليه مع ولده أبي نمي، فحملها السلطان إلى القسطنطينية في عودته إليها؛ وذهب بعضهم إلى أنها كانت عند الخلفاء العباسيين الذين كانوا بمصر فتسلمها السلطان من آخرهم، وهو المتوكل على الله محمد بن يعقوب
Halaman tidak diketahui