Kesan Arab dalam Tamadun Eropah
أثر العرب في الحضارة الأوروبية
Genre-genre
وقد أجملنا الكلام في غير هذا الفصل على الوطنية والحكومة النيابية ... ونضيف إليه في باب التجديد السياسي أن اصطدام الغرب بالشرق كانت له آثار أخرى في أعمال الحكومات غير هذه الآثار في أعمال الشعوب، فعمدت كل حكومة تملك بعض التصرف في شئونها إلى تبديل نظامها العسكري، وإنشاء المحاكم الحديثة التي سميت بالمحاكم الأهلية أو المحاكم المدنية. ولم يكن لها مناص - قبل إلغاء الامتيازات الأجنبية - من اقتباس القضاء الأوروبي، ومبادئ القوانين الأوروبية على الإجمال.
ومن الآثار التي لا تغفل في صدد الكلام على التفاعل بين الحضارتين الأوروبية والعربية: أن سياسة أوروبا قوبلت في الشرق العربي بقوة جديدة في عالم السياسة تعرف بالجامعة العربية، وهي قوة لا تقتصر على أعمال الساسة وولاة الأمور؛ لأنها في واقع الأمر مستمدة من يقظة الشعوب وإحياء التراث العربي منذ مائتي سنة، في كل مكان يحتاج أهله إلى معرفة اللغة العربية.
ومن المألوف على ألسنة المتعجلين إذا رأوا موافقة بين خطة أوروبية وحركة شرقية أن ينسبوا هذه الحركة إلى تدبير الأوروبيين، ويحسبوها من المناورات المصطنعة التي لا ترجع إلى سبب غير ذلك التدبير، وكذلك فعلوا في حكمهم على الجامعة العربية حين لاح لهم أن السياسة الأوروبية تماشيها ولا تعمل على إحباطها. وفي هذا ولا شك انحراف عن الفهم الصحيح؛ فإن السياسة الأوروبية كائنا ما كان بأسها واقتدارها على التدبير والتمويه لا تمالئ شبحا في الخيال، ولا تخلق شيئا من لا شيء، ولا تصطنع حركة من الحركات التي يساهم فيها الملايين تقوم كلها على محض اصطناع.
ومن شأن الدعاة السياسيين أن يستفيدوا من الدعوات في إبانها وفي مكانها، ولكنهم لا يسبقونها ولا يخلقونها، بل لا يفهمونها قبل وقوعها ولا يتسلقون النظر إليها؛ فلم يكن أكثر من المؤتمرات الدولية التي انعقدت في القرن الثامن عشر والذي يليه، ولكنها لم تعرض مرة من المرات للمناداة بحقوق الشعوب، أو مبادئ تقرير المصير، ولم يحجموا عن ذلك عجزا عن الخداع أو كراهة منهم للمناورات، ولكنهم أحجموا عنه لأن هذه الدعوات لم تكن لها حقيقة ماثلة في حركات الشعوب، فلما وجدت هذه الحقيقة الماثلة كثرت المناداة بها في خطب الساسة، وبرامج الوزارات، ومباحث المؤتمرات، وكان من نتائجها فعلا أن عدد الشعوب المستقلة يزداد عاما بعد عام.
واليقظة العربية حقيقة ماثلة وحركة طبيعية لا شك فيها، قامت في نشأتها الحديثة على الرغم من السياسة الأوروبية، ولم تقم باختيارها وتدبيرها، وعادت إلى المجتمع والوحدة بين الحربين العالميتين؛ لأنها لا بد أن تعود بعد قوتها الأولى؛ فمنذ أوائل القرن التاسع عشر سئل إبراهيم باشا وهو يناضل الدول العثمانية: إلى أين تنتهي فتوحاته؟ فقال: حيث لا يوجد من يتكلم العربية. يريد بذلك أن ينشئ دولة عربية محضا، ولا يريد أن يتجاوزها إلى بلاد أخرى.
وحوالي هذا الوقت كان الشيخ محمد بن عبد الوهاب في نجد يعلن الثورة على الحكومة العثمانية ، ويجمع القبائل في جزيرة العرب لتوحيد كلمتها، والاتجاه بها إلى وجهة الاستقلال عن السيطرة الخارجية.
ولم تكن جزيرة العرب يومئذ تعترف بشيء من السلطان الأجنبي غير السيادة الاسمية والرقابة البعيدة التي لا تتعرض لشئونها الداخلية؛ فكان أمراء نجد والكويت والحجاز واليمن يأخذون وقلما يعطون في علاقتهم بالدولة العثمانية، وكانوا على استقلالهم الذي تعودوه منذ القدم في حواضر الصحراء وبواديها، ولا سيما البوادي التي تحجم عنها جنود الدولة، ولا تنفذ إليها بغير إذن من أبنائها، ولولا قرب العراق من مراكز الحدود التي تحميها الدولة بجيوشها لكان شأنها في جملته كشأن الجزيرة العربية.
وكانت أفريقية الشمالية تعتمد على نفسها في مدافعة الفرنسيين عن استقلالها، وحوزة أمرائها وشعوبها. أما في سورية ولبنان، فقد رحبت جمهرة الشعب بحركات الوحدة مع الأمم العربية الأخرى، وكانت على اتصال دائم بوادي النيل والجزيرة، وكانت علاقة أمرائها سرا وجهرا بمحمد علي الكبير مثار القلق الدائم للحكام العثمانيين.
وفي كل هذا كانت السياسة الأوروبية تقف من حركات العرب موقف المقاومة والتثبيط؛ لأنها عملت على بقاء الأمم العربية في حوزة الدولة العثمانية، محرومة جهد المستطاع من حقوق السيادة والاستقلال. ولم تفلح هذه المقاومة إلا ريثما استجدت تلك الأمم نشاطها وتحفزت مرة أخرى للوثوب إلى غايتها.
فقامت في مصر حركة المطالبة بمصر للمصريين، وقامت في السودان حركة الثورة على «الترك» كما كانوا يسمون الأجانب أجمعين، وقامت في بلاد العرب دعوة واحدة إلى الاستقلال، لكنها كانت تمتحن من آونة إلى أخرى بمحنة المنافسة بين زعماء العشائر وأمراء الأقاليم، ودخل السوريون واللبنانيون والعراقيون في حزب تركيا الفتاة؛ لأنه الحزب الذي كان يمنيهم بالحكومة «اللامركزية»؛ أي حكومة العرب في بلادهم، كما يشاءون وبمن يشاءون.
Halaman tidak diketahui