Kanak-kanak Menyanyi untuk Cinta
الأطفال يغنون للحب
Genre-genre
ثمن الكتابة
الشخصيات
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
ثمن الكتابة
الشخصيات
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
Halaman tidak diketahui
الأطفال يغنون للحب
الأطفال يغنون للحب
تأليف
نوال السعداوي
ثمن الكتابة
مقدمة قصيرة
لا أجيد كتابة المقدمات، يمكن أن أكتب قصة من ألف صفحة، ولا أستطيع كتابة مقدمة من نصف صفحة، أما رفيقة عمري فهي شخصية عصية على الفهم، تكتب في النوم كما تكتب وهي صاحية، لا تهتم بدورة الأرض حول نفسها، أو دورتها حول الشمس.
تضحك وتقول: نحن أحرار، ندور كما نشاء؛ حول أنفسنا، أو حول غيرنا، أو لا ندور.
لكن عقلي يدور، رغم مشيئتي، في النوم كما في اليقظة.
أصحو من النوم كل صباح على رنين الجرس، صوتها يأتيني من حيث تكون، في أي مكان فوق كوكب الأرض، هي تعشق السفر منذ كانت طفلة، لا تعود إلى الوطن حتى ترحل، مهما ابتعدت وطال الغياب، أراها أمام باب بيتي، بحقيبتها العتيقة بلون النبيذ الأحمر، حرقتها الشمس وأغرقتها الأمطار في الجنوب والشمال، أصبحت أقل حمرة مما كانت، وإن ظلت حمراء اللون، متينة العجلات قوية العضلات، أقل قوة بمرور الزمن، تجرها من خلفها وهي تجتاز المطارات والمحطات، تنزلق وراءها بخفة فوق الشوارع المرصوفة الناعمة، وتغوص بثقلها في الأزقة حيث الحفر والمطبات، مليئة بالكتب وملابسها وأوراقها، مقبضها متين لا ينخلع، يحمل اسمها، داخل قطعة من البلاستيك الأبيض بحجم كف اليد.
Halaman tidak diketahui
اسمها الثلاثي كان مسجلا في أقسام وزارة الداخلية والشئون الاجتماعية ومصلحة السجون وإدارات الرقابة على النشر والكتابة والمصنفات الفنية.
يحملق ضابط الشرطة بمطار القاهرة في اسمها الثلاثي، يتأمل صورتها في جواز سفرها، يبتسم في وجهها: حمد الله ع السلامة يا أستاذة. يدق بالمطرقة على جواز سفرها فتدخل. وإن وصلت القائمة السوداء إليه قبل عودتها، يعتذر لها برقة ورثها عن أمه، يناولها كرسيا لتستريح وكوب ماء: آسف يا أستاذة، عندي أوامر لازم أنفذها. وإن كان عضوا بحزب الجهاد أو داعش أو حزب الحكومة، يكشر عن أنيابه مبرطما بصوت غليظ، ويحجزها مع حقيبتها في غرفة الحجر الصحي؛ حيث تلتقي بأنواع مختلفة من البشر، بعضهم مرضى بالجذام وأنفلونزا الخنازير، وبعضهم مصاب بالجنون أو الكفر، منهم الكوافير سوسو، كان شهيرا في الحي الراقي بجاردن سيتي، اكتسب ثقافة نادرة من الحلاقة للنساء والرجال، أصابعه ماهرة تدرك أفكارا مدهشة في الرءوس التي تغوص فيها، يأتي سكان الحي الراقي إلى محله الأنيق بشارع التنهدات، نساء ورجال من المثقفين أو الطبقة العليا، يؤمنون أن الإنسان تطور عبر ملايين السنين من فصيلة الثدييات على رأسها الشمبانزي الأم الكبرى، وأن الأرض كروية تدور حول الشمس وليس العكس، وأن الكون نشأ بالصدفة البحتة حين حدث الانفجار الكبير وانتشرت في الفضاء ذرات، تناثرت وتجمع بعضها لتكوين أول مادة أو أول كتلة مادية في الوجود.
وكان من زبائن الكوافير سوسو، أيضا، البوابون والطباخون في قصور الباشوات القدامى والجدد في جاردن سيتي، منهم الحاج منصور الشهير باسم طباخ الباشا؛ رجل سمين مملوء بالسمن البلدي والطعام الفاخر الذي يبتلعه سرا.
وبينما هو يترك رأسه بين يدي الكوافير سوسو، يحكي الحكايات القديمة عن المماليك والأتراك، كيف عاشوا في الأناضول، ولا بد أن يذكر الأسلاف من أجداده وعلى رأسهم جده الكبير، الذي حكى له وهو صغير أن الله خلق للثور قرنين؛ لأنه يحمل الأرض فوق قرن، وإن تعب من ثقلها حرك رأسه ونقلها إلى قرنه الثاني.
ويضحك الكوافير سوسو: مش معقول يا حاج منصور. - لا، معقول يا سوسو، امال الزلازل والبراكين والبرق والرعد بييجوا منين؟ - منين يا حاج منصور؟ - لما الثور يحرك الأرض على راسه من قرن لقرن يحدث البرق والرعد، والزلازل تهز الأرض.
يضحك الكوافير سوسو: مش معقول يا حاج منصور. - لا، معقول يا سوسو. - الكلام ده كان زمان قبل جاليليو. - جاليليو خواجة يهودي نصراني ما يعرفش ربنا. - لازم تعرف حاجة عن جاليليو يا حاج، اسمعني. - سامعك يا خويا. - جاليليو أمه ولدته في إيطاليا بعد العدرا مريم ما ولدت المسيح بألف وخمسميت سنة أو أكتر، وكانت إيطاليا وأوروبا كلها محكومة بالكنيسة وعايشة في الجهل والظلام، درس جاليليو الطب والهندسة والفلك ، واكتشف أخطاء العلماء اللي قبله في اليونان، منهم أرسطو. - أرسطو كان مؤمن بربنا يا سوسو؟ - أرسطو كان مؤمن بالكنيسة يا حاج منصور وبينشر أفكارها في كتبه، واعتبرته الكنيسة الفيلسوف الأعظم وأغدقت عليه الأموال والمناصب، لكن جاليليو عمل منظار جديد واكتشف خطأ أرسطو، وإن الأرض بتدور حول نفسها وحول الشمس، غضبت منه الكنيسة واتهمته بالكفر والإلحاد والخيانة؛ لأنه بيعارض الكتاب المقدس وتعاليم الكنيسة ونظرية أرسطو عن إن الأرض ثابتة لا تتزعزع ولا تتحرك أبد الدهر، قدموا جاليليو للمحاكمة وأدانوه، ومات فقير مسكين معزول في بيته. - مين قال لك الكلام ده؟ - الباشا اللي باحلق له شنبه ودقنه. - الباشا بنفسه يا سوسو؟ - أيوة يا حاج منصور. - لازم كلامه صح مية المية، لكن أنا مش حاسس إن الأرض بتدور يا سوسو! - لأنها بتدور بسرعة كبيرة يا حاج، وانت جزء منها وبتدور معاها. - مش معقول يا سوسو. - مثلا وانت راكب جوة القطر يا حاج، لا يمكن تحس إنه بيجري بسرعة. - لكن القطر غير الأرض يا سوسو، ولا إيه؟ - إيه يا حاج!
وينفجر الكوافير والحاج منصور في الضحك.
تخرج هي، رفيقة العمر، تجر حقيبتها الحمراء ذات العجلات، من غرفة الحجر الصحي بالمطار بعد عدة ساعات، أو عدة أيام حسب مزاج الحكومة والمخابرات، ثوبها مكرمش وشعرها منكوش، نامت على الكرسي وإلى جوارها الحقيبة، تلمسها بيدها إن أفاقت في الظلمة فجأة، تخشى أن يسرقها أحد وهي غارقة في النوم، أو غائبة عن الوعي من شدة التعب، وفي أحد الصباحات، دون سابق إنذار، يأتي الضابط مبتسما، ويقول: مبروك يا أستاذة، صدر العفو الرئاسي عن بعض المعتقلين والمعتقلات بمناسبة العيد. - أي عيد؟
الأضحى الكبير، أو العبور العظيم، أو شم النسيم في بداية الربيع، يصحو الناس في الصباح الباكر ليشموا البصل والرنجة والفسيخ، يتمشون على شاطئ النيل، الأغنياء منهم يشمون النسيم في المنتجعات الجديدة على شاطئ البحر الأبيض بالساحل الشمالي، أو في الغردقة وسواحل البحر الأحمر.
لكن يظل الفسيخ اللذيذ من نبروه، مع أصناف الطعام الفاخر ومعه البصل الأخضر والملانة والرنجة من ضرورات العيد، لإعادة الذاكرة الطفولية والخصوصية الثقافية وتاريخ الأجداد.
Halaman tidak diketahui
كنت أحب الفسيخ وهي لا تطيق رائحته، لا تزورني أبدا في المواسم، لا تحتفل بالأعياد، وعيد ميلادها لا تذكره، إن ذكرتها به تمط شفتها السفلى وتنهمك في الكتابة. - كم عمرك؟ - مش فاكرة. - مش معقولة انتي. - انتي اللي مش معقولة. - إزاي؟ - إيه يهمك من عمري؟ - عاوزة أعرف انتي عشتي كام سنة. - ليه؟ - مش عارفة. (انتهت المقدمة)
1
نوال السعداوي
القاهرة
22 مارس 2017
الشخصيات
زكية إبراهيم:
امرأة قوية الشخصية، عاملة في مصنع بسيط للملابس.
منصور أحمد:
كاتب شاب زكي الملامح، ساخر فقير.
Halaman tidak diketahui
حسنية:
امرأة جميلة ومتزوجة وعادية ... أنيقة الملابس.
د. توفيق:
طبيب شاب عادي.
شهدي:
تمورجي فقير، قوي الشخصية.
زوج حسنية:
رجل كهل ثري وغليظ.
سعيد:
طفل في الثامنة، ابن شهدي.
Halaman tidak diketahui
حسن:
طفل في الثامنة، ابن زكية.
السكرتير الإداري:
شاب أنيق متكلف وقاس.
الأستاذ عبد السميع:
موظف فقير ضعيف الشخصية.
السجان:
رجل غليظ الجسم والملامح.
الشرطي:
رجل عنيف قاسي الملامح.
Halaman tidak diketahui
قنديل:
شاب عادي.
شرف الدين:
طبيب شاب عادي.
عمال وعاملات وأطفال آخرون.
الفصل الأول
المشهد الأول (المسرح مظلم وخال.
ضوء خفيف يظهر على مدخل المسرح من ناحية اليمين، يظهر في الضوء شهدي التمورجي (بملابس التمورجية البيضاء) ، حاملا على نقالة جسما مغطى بملاءة. تمورجي آخر يحمل النقالة من الناحية الأخرى.
يسيران بالميت ببطء مجتازين خشبة المسرح.
يخرجان من الناحية اليسرى.
Halaman tidak diketahui
يختفي الضوء ويصبح المسرح مظلما تماما.
ضوء خفيف يظهر من ناحية اليمين، وامرأة ترتدي السواد تجري بسرعة كالمذهولة، ومن خلفها صغار يجرون خلفها، يجتازون المسرح بسرعة ويخرجون من الناحية اليسرى.
المسرح خال ومظلم.
يسمع صوت نحيب مكتوم: آه يا ربي!
صمت وظلام.
تسمع صرخة طفل صغير يبكي.
المسرح مظلم تماما وخال.
يسقط ضوء خفيف على منتصف الخشبة، ويظهر طفل صغير جالس وحده في الظلام يده ممدودة للناس.
يبدأ الضوء يغمر المسرح تدريجيا، ويبدأ الناس المارة يروحون ويجيئون، الكل يجري بسرعة إلى عمله وحاله، لا أحد يلتفت إلى الطفل الجالس بيده الممدودة ... الطفل ينهض ويسير بين الناس طالبا الإحسان، خطواته لها إيقاع موسيقي يتماشى مع لحن أغنية الأطفال الشحاذين.)
الطفل الشحاذ (يغني على اللحن) :
Halaman tidak diketahui
حسنة يا سيد ...
حسنة يا ست ...
أنا جعان،
أنا يتيم،
وماليش حد.
عاوز آكل،
عاوز أدفى،
في قلب حنين،
مليان حب. (ينضم إلى الطفل أطفال آخرون شحاذون بملابسهم الممزقة البالية، يرقصون ويغنون معا):
حسنة يا سيد ...
Halaman tidak diketahui
حسنة يا ست ...
احنا يتامى،
احنا غلابة،
ومالناش حد.
عاوزين ناكل،
عاوزين ندفى،
في قلب حنين،
مليان حب. (أحد المارة يلقي إليهم قرشا.
يجرون إلى القرش ويتنافسون عليه، لكن الشرطي يقبل فيفرقهم بعصاه.)
الشرطي : (يغني على اللحن نفسه)
Halaman tidak diketahui
امشي يا واد ...
امشي يا بت ...
فض السكة،
للبيه والست.
انت حرامي،
وانت مشاغب،
وانتي عاوزة الضرب. (يضربهم بالعصا فيجرون خائفين ويخرجون من المسرح. الشرطي وحده على الخشبة يسير بعصاه، يرى القرش على الأرض، ينحني ويلتقطه ويضعه في جيبه.) (ظلام)
المشهد الثاني (د. شرف الدين راقد على السرير بحجرته بالمصنع، يلفظ أنفاسه الأخيرة، وإلى جواره التمورجي شهدي يحاول أن يسعفه.)
شهدي :
دكتور شرف الدين ... دكتور شرف الدين! يا نهار إسود! أعمل إيه بس؟! أنا مانيش دكتور، أسعفه إزاي بس؟ (يقرب كوب الماء من شفتي شرف الدين. شرف الدين يفتح عينيه.)
Halaman tidak diketahui
شهدي :
د. شرف الدين ... أنا شهدي.
شرف الدين :
شهدي، فين توفيق؟ اندهله.
شهدي :
ندهتله، جاي حالا في السكة، زمانه يوصل حالا.
شرف الدين :
لو جه توفيق وأنا ماكنتش ... قوله يا شهدي شرف الدين بيقولك إنها الزرقا (يدخل توفيق مهرولا بسرعة) .
توفيق :
شرف الدين! مالك؟ هات كورامين يا شهدي بسرعة (يعطيه حقنة) .
Halaman tidak diketahui
شرف الدين (بصعوبة) :
د. فهيم كدب علينا ... دلوقت بس عرفته. عرفت متأخر قوي ... خلاص الفرصة راحت ... يا توفيق ... الأمل راح ... (يلفظ أنفاسه) .
توفيق (باضطراب) :
لا يا شرف الدين، الأمل ماراحش، لسه فيه أمل، لسه فيه فرصة. هات كمان حقنة كورامين يا شهدي. (شهدي يجري ويأتي بالحقنة. توفيق يغرزها في ذراع شرف الدين.)
توفيق :
شرف الدين، اصحى، اصحى يا شرف الدين، لسه فيه فرصة، لسه فيه أمل. يا شهدي هات كمان حقنة. (شهدي يجري ويأتي بحقنة أخرى.)
توفيق :
شرف الدين ... اسمعني ... قاوم الموت يا شرف الدين زي ما كنت بتقاوم كل حاجة. قاوم ماتستسلمش، عمرك ما استسلمت. قاوم يا شرف الدين، فيه فرصة، فيه أمل. مش ممكن تموت، مش ممكن الملاك يا ناس هو اللي يموت. (توفيق يلقي الحقنة على الأرض فتنكسر ويبكي.
شهدي يغطي جسم شرف الدين الميت وهو ينظر إليه في ذهول وحزن شديدين.)
توفيق :
Halaman tidak diketahui
شرف الدين مات يا شهدي! شيله على كتافك. الملاك اللي رفض إنه يبات ليلة واحدة خارج المصنع، كان بيسهر عليكم ويشيلكم واحد ورا واحد، شيله يا شهدي في عينيك. شرف الدين كان مؤمن بشيء غير موجود، وعمره ما فقد إيمانه، كان عايش في وهم. الدكتور فهيم ما يكدبش، مافيش زرقا يعني مافيش زرقا، والزرقا عمالة تنهش في لحم العمال، والزرقا عايشة في المصنع، عايشة وعمالة تكبر وتترعرع، والميكروب عايش ويترعرع، والملاك الطاهر مات، ربنا رحمه واستريح. شرف الدين استريح يا شهدي، إنما أنا ... أنا اللي عايش وتعبان، أنا اللي خلاص بقيت مش مؤمن بحاجة خالص، دنيا وحشة وكلهم كدابين ... كلهم كدابين. أنا مش مؤمن بحاجة يا شهدي، مش مؤمن حتى بنفسي، أنا عارف إنها الزرقا وساكت، أيوة ساكت ومقدرش أقول. اشمعنى أنا دونا عن الكل اللي أقول! عاوز ولادي يا شهدي يعيشوا وياكلوا ويروحوا المدارس، ولادي هم السبب يا شهدي، هم السبب، يمكن لو ماكنش عندي ولاد يمكن كنت أقول. لكن برضه ما اعرفش، أنا بأخاف يا شهدي، أنا جبان (يبكي) . (شهدي يواسيه.)
شهدي :
ماتعملش في نفسك كده يا دكتور توفيق.
توفيق :
دي كانت آخر فرصة يا شهدي، شرف الدين كان آخر أمل، خلاص الفرصة راحت والأمل راح.
شهدي (في عزم) :
لا ما راحش، الأمل ما راحش، فيه فرصة طول ما احنا عايشين، طول ما فينا نفس، طول ما فينا نفس فيه فرصة وفيه أمل ... فيه! فيه! فيه! (ظلام)
المشهد الثالث (شهدي راقد على الأرض في زنزانته، السجان يضربه بالسوط.)
شهدي (يصيح) :
فيه!
Halaman tidak diketahui
السجان (يضربه) :
مافيش!
شهدي :
فيه!
السجان :
مافيش!
شهدي :
فيه!
السجان :
مافيش!
Halaman tidak diketahui
شهدي :
فيه! (يستريح السجان قليلا، يجفف عرقه، يدلك ذراعه من التعب.)
السجان (بصوت متعب جدا) :
انت إيه؟ انت مش بني آدم ولا إيه؟ والله، والله العظيم ده لو كان بغل كان حس!
شهدي :
كنت باحملهم على إيديا دول. أنا إنسان ... أصل أنا منيش بغل. أنا شهدي ... أنا إنسان عشت وسط الناس في المصنع، كنت باشيلهم على إيديا دول، كنت بأحس جسمهم وهو سخن زي النار وبعدين يبرد زي الثلج. شلتهم بإيديا دول وشيلت عيالهم، شيلتهم بإيديا وشفتهم بعيني. كنت أشوف العيل من دول ينبش في صفيحة الزبالة زي الكلب عشان يعتر في حتة عضمة، على لقمة بايتة ومعفنة، على شوية رز فضلوا من الجيران ورموهم في الزبالة. وشفت الدكتور شرف الدين، كان زي الشعلة المنورة، يروح وييجي ويكلم كل واحد ويضحك، تمام زي الدكتور توفيق. يا ترى انت فين يا د. توفيق؟ (السجان يضربه بالسوط.)
السجان :
قول مافيش زرقا.
شهدي :
فيه زرقا.
Halaman tidak diketahui
السجان :
مافيش.
شهدي :
فيه. (السجان يستريح ويتركه قليلا.)
السجان :
أقسم بشرفي لو بغل كان حس!
شهدي :
أيوة، لو كنت بغل ما كنتش حسيتهم بإيديا دول، شفتهم بعيني دول، أعمل إيه؟ ذنبي إيه، أنا بني آدم، لي إيدين بتحس وعينين بتشوف! (السجان يلسعه بالسوط.)
السجان :
بني آدم إيه؟ لو كنت بني آدم كنت حسيت لسعة الكرباج ده!
Halaman tidak diketahui
شهدي :
لسعة الكرباج مش بتوجع زي لسعة الألم والجوع، مش زي لسعة عينين عيل يتيم بيدور على لقمة في التراب!
السجان :
دراعي انخلع، ودمك ساح على الأرض، ولسه مش عاوز تسمع الكلام. شايف اللي على الأرض ده؟ ده دمك، بس شوفه.
شهدي (يتحسس جسمه) :
ده دمي! مش عارف إنه دمي. حتى جسمي ما بقتش حاسس بيه، اضرب زي ما انت عاوز، خلاص أنا مش حاسس بجسمي. (السجان يضربه بشدة.)
السجان :
قول مافيش زرقا.
شهدي :
فيه زرقا.
Halaman tidak diketahui
السجان :
مافيش.
شهدي :
فيه ... فيه ... فيه. (يصرخ وهو يقول بجنون: فيه ... فيه.
يسمع فقط صوت السوط وهو يضرب، وصوت شهدي يئن بضعف ويقول مرددا بصوت خافت جدا: فيه ... فيه. صوته يختفي تدريجيا دون أن ينقطع.) (ظلام)
المشهد الرابع (الحجرة التي يسكنها منصور أحمد في شقة زكية إبراهيم، حجرة تنم عن الفقر، بها مكتب صغير قديم، وكنبة كالسرير في ركن الحجرة، سلة مهملات مليئة بالورق الممزق، كتب كثيرة فوق المكتب.
منصور جالس في ضوء اللمبة يكتب، وعلى المكتب زجاجة خمر فارغة يفرغ منها آخر كأس وآخر قطرة، يبدو عليه الإرهاق والسكر.)
منصور (يكلم نفسه) :
خلصت الإزازة ومافيش غيرها، ولسه الراجل اللي واقف فوق دماغي مامشيش، لسه العينين المفنجلة بتبص علي من الحيطان والسقف، لسه مش قادر أحس إني لوحدي، مافيش حد يبص علي ويراقبني حركة حركة، وكلمة كلمة ... (يضرب الهواء بيده كأنه يطرد شخصا وهميا من أمامه)
ما تغور في داهية بقى، ما تشوفلك شغلة شريفة يا أخي. (يرفس الهواء كأنه يرفس شخصا وهميا يقف أمامه)
Halaman tidak diketahui
ياللا، برة، برة، حل عني يا أخي ... خليني أعرف أكتب، خليني أقدر أقول اللي جوايا. (يهدأ لحظة ... يجلس على الكنبة ومعه الكأس الفارغ)
الله ينتقم منكم، عملتم كده ليه؟ خليتوا الواحد يشك في عينيه، يشك في إيديه، يشك في الكلام اللي بيكتبه. (يذهب إلى سلة المهملات، يأخذ ورقة مكورة يفردها، ينظر فيها طويلا ثم يكورها مرة أخرى ويلقيها في السلة، يجلس مرة أخرى)
بس لو كان فيه إزازة تانية، كنت عرفت أطرد الراجل ده بصحيح، أصله راجل ماعندوش دم، لازق في زي ما يكون بغرا، وواقف فوق نافوخي زي المرحوم أبويا ما كان يقف فوق دماغي وأنا قاعد أذاكر. (يقلد صوت الأب حين يأمر ابنه التلميذ)
خلي عينك على الكتاب، ابتدي بالحساب، عملت الواجب يا ولد، ما تحركش راسك كتير، بلاش شخبطة على الكتاب، ماتاكلش حرف الكراسة، انت سايب المذاكرة وبتكتب شعر! يا واد خلص الواجب خلي عندك إحساس، خلي عندك دم الامتحان قرب وحتسقط بإذن الله. (يطرد بيديه الشبح، ينهض يدفعه أمامه كأنما يطرده من الباب)
ياللا بقى انصراف ... انصراف. مواعيد العمل خلاص، مواعيد الأوفر تايم برضه خلاص، يا راجل روح لمراتك وولادك، خلي عندك دم، مش شايف إن جيوبي منفضة ومافيش إزازة تانية. روح بقى، حل عني، خليني اقعد شوية مع نفسي، ياللا ... ياللا. (يدخل د. توفيق صامتا واجما يبدو عليه التفكير العميق والأسى.)
منصور :
أهلا توفيق، جيت في وقتك، عاوز إزازة يا توفيق عشان الراجل ده يسيبني ... مش راضي يسبني، لا يمكن يسبني إلا لما أشيل الحتة الفوقانية من دماغي (يشاور على رأسه)
بيسموها عندكم في الطب إيه؟ القشرة المخية؟ أيوة القشرة الفوقانية، الحتة الرفيعة دي يا توفيق، رفيعة خالص زي ورقة السيجارة، إنما إيه، لازقة وجامدة زي الحديد، بعد الإزازة التانية يدوبك أحس إني ابتديت أشيلها وأشيل معاها البلوة التقيلة اللي فوق دماغي، وأحس بصحيح يا توفيق إني أنا منصور أحمد، منصور على حقيقته، يكتب اللي عاوز يكتبه، ويقول اللي في نفسه، لا يخاف، ومافيش حد يقدر يقول تلت التلاتة كام ... بس أجيب أزايز منين يا توفيق؟ أجيب منين؟ (توفيق جالس لا يرد عليه، يبدو عليه الانهماك فيما يشغله ويؤلمه. منصور يقترب منه.)
منصور :
مالك يا توفيق؟ حد عزيز عليك مات؟
Halaman tidak diketahui