التنجيم والمنجمون وحكم ذلك في الإسلام
التنجيم والمنجمون وحكم ذلك في الإسلام
Penerbit
أضواء السلف،الرياض
Nombor Edisi
الطبعة الثانية
Tahun Penerbitan
١٤١٩هـ/ ١٩٩٨م
Lokasi Penerbit
المملكة العربية السعودية
Genre-genre
التَّنْجِيمُ وَالمنَّجِمُونَ وَحكم ذلك في الإسلام
تأليف: الدّكتور عبد المجيد بن سالم المشعبي
المقدمة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ ١، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ ٢، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ ٣.
أما بعد: فإن الله ﷾ لما خلق الناس خلقهم على الحنيفية السمحة، وجبلهم على الفطرة النقية الصافية، كما أخبر رسول الله ﷺ فيما يرويه عن ربه جل وعلا أنه قال: "وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحرمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانًا" ٤.
_________
١ سورة آل عمران، الآية: ١٠٢.
٢ سورة النساء، الآية: ١.
٣ سورة الأحزاب، الآيتان: ٧٠، ٧١.
٤ أخرجه مسلم: (٨/١٥٩)، كتاب الجنة وصفة نعيمها.
1 / 5
فما من مولود إلا ولد على ذلك، وما من ضال أو مشرك إلا وقد أضله الشيطان، وقد كانت البشرية في قرونها الأولى لا تعرف الشرك، بل كانوا على الحنيفية التي جبلهم الله عليها.
وبعد عدة قرون والناس على ذلك زين الشيطان لفريق منهم التعلق بالصالحين من الأموات، فعبدوهم من دون الله، فكان هذا أول شرك وقع في العالم.
فأرسل الله تعالى نوحًا ﵇ ليعيد الناس إلى عقيدة التوحيد، ويخرجهم من الظلمات إلى النور.
ثم توالت القرون بعد ذلك، وحدث في الناس شرك من نوع آخر وهو التعلق بالكواكب وعبادتها، واعتقاد النفع والضر فيها فأرسل الله سبحانه رسوله وخليله إبراهيم ﵇، فناظر أهل الشرك وأدحض حججهم، وبين بطلان عبادتهم، وسوء معتقدهم، فلما بهتوا وقامت الحجة عليهم لجأوا إلى الشدة والقوة، وألقوه في النار ظنًّا منهم أن ذلك هو طريق الخلاص منه. ولكن الله أنقذه منها، ورد كيدهم في نحورهم وجعل النار بردًا وسلامًا على إبراهيم ﵇، فأخرجوه من أرضهم، وتبرأوا من دعوته فانتقم الله من الطاغوت الذي وقف أما دعوة إبراهيم ﵇، فأهلكه الله وجعله من الصاغرين.
وهكذا دواليك لا تكاد تبعد أمة من الأمم عن عهد نبيها إلا وتراهم يسقطون فريسة لحبائل الشيطان المنصوبة، فيتبعونه ويستمعون إلى غوايته، ويتخذونه وليًّا من دون الله تعالى، وساء وليًّا.
ولا يقع الناس في شيء من ذلك إلا أرسل الله إليهم رسلًا ينبذون الشرك ويقطعون أسبابه، ويدعون الناس إلى التوحيد وإفراد الله بالعبادة،
1 / 6
كما قال تعالى:﴾ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ ١.
وعلى مر العصور واختلاف الأمم لم يقع في العالم أعظم من هذين الشركين:
الأول: عبادة القبور، والتعلق بالأموات، وهو شرك قوم نوح ﵇، وهو أول شرك وقع في العالم، وفتنته أعظم، والابتلاء به أكثر.
والثاني: الإشراك بالنجوم وتعظيمها واعتقاد أنها أحياء ناطقة، وأن لها روحانيات تتنزل على عابديها. وهذا الاعتقاد هو الذي حدا بعابديها إلى أن يبنوا لها هياكل فيها أصنام تناسبها، وكان مبدأ هذا الشرك تعظيم الكواكب وظن السعود والنحوس فيها، وحصول الخير والشر منها٢.
وآل أمر هذا الشرك –أعني عبادة الكواكب واعتقاد أنها آلهة مدبرة- إلى الفلاسفة والصائبة والمجوس وغيرهم، واعتقدوا فيها ما اعتقد أسلافهم من قوم إبراهيم، وكانوا ينتشرون حول الجزيرة قبل مبعث النبي ﷺ، فلما بعث النبي ﷺ كانت الكهانة في ذلك الوقت منتشرة بين الناس، والاعتقاد بالكواكب والأنواء ونسبة بعض الحوادث إليها مشهورًا لديهم، فأبطل النبي ﷺ هذه المعتقدات، وأنار لأمته دياجير الظلمات، وبين لهم الحق، وحذرهم من إتباع المهلكات الموبقات، وتركهم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.
ومن بين هذه الأمور التي حذر أمته منها ادعاء علم الغيب، واعتقاد،
_________
١ سورة النحل، الآية: ٣٦.
٢ "مفتاح دار السعادة": (٢/١٩٧) .
1 / 7
أن لهذه الكواكب تأثيرًا في حوادث هذا العالم مما يزيد على الأمر الطبيعي المألوف، حماية لهم من الوقوع فيما وقعت فيه الأمم الماضية من الإشراك بهذه النجوم واتخاذها أربابًا من دون الله.
وبقي المسلمون على هذه الحال لا يدخل بينهم يدعي شيئًا من علم التنجيم إلا أخرسوه، وحذروا الناس منه، ولا تأتي مناسبة لذمه إلا وذموه، وذموا من يقتفي أثره، ولم يتركوا باب شر تدخل منه مثل هذه الأمور إلا أغلقوه وأحكموا رتاجه كما فعل عمر بن الخطاب ﵁ عندما أمر جنوده الذين فتحوا الإسكندرية أن يحرقوا كتب الفلاسفة والمنجمين التي وجدوها هناك سدًّا لباب الشرك وعبادة الكواكب١.
ومضت السنون على هذا الحال، إلا أن أعداء الإسلام لا يتركون للإسلام صفاءه، ولأهله سموهم وتمكنهم، وهم على عادتهم يتربصون بالمسلمين الدوائر، فإذا وجدوا ثغرة فيهم، أو لمسوا غفلة منهم استغلوها غاية الاستغلال في تنفيذ مخططاتهم التي غايتها إبعاد المسلمين عن دينهم.
فوجد هؤلاء الثغرة لمنتظرة عندما فتح الخلفاء العباسيون باب تترجمة كتب الفلاسفة، فتسابق الفرس والصائبة والمجوس وغيرهم ليمدوا أيديهم لتحقيق ذلك، وليبذلوا الجهد والوقت في تنفيذ مخططاتهم، وتقربوا إلى الخلفاء بهذه الأعمال، فلما وجدوا لأنفسهم مكانة عندهم أرادوا منهم أن يسلكوا سلوك ملوك الفرس والروم في اتخاذ المنجمين مستشارين في جميع الأمور، واستطاعوا أن يفعلوا ذلك، فاتخذ بعض الخلفاء في بلاطهم منجمين إن لم يكن اعتقادًا فيهم فهو على الأقل استئناسًا
_________
١ "مجموع فتاوى ابن تيمية": (١٧/٤١) .
1 / 8
بأكاذيبهم، وصدق النبي ﷺ حيث يقول: "أتتبعن سنن من كان قبلكم شبرًا بشبر وذراعًا بذراع، حتى لو دخلوا حجر ضب تبعتموهم" ١.
وساهم بعض هؤلاء المنجمين في جمع كتب الفلاسفة الأقدمين، فكانوا يعطون العطاء الجزيل لمن يحضر شيئًا منها وإن كان قليلًا.
ودخلوا بين صفوف المسلمين وخالطوهم، ومال فريق من المنتسبين إلى الإسلام إليهم، وجعلوا أيديهم في أيديهم، ونصبوا أنفسهم الذراع الأيمن لهم، والستار المنيع الذي يتسترون خلفه، واتفقوا على إرجاع الجاهلية الأولى بين المسلمين، وناصروهم في كل مصر وعصر، واتخذوا طريقًا مموهًا لإقناع الناس بباطلهم، فادعوا أن هذه الكواكب صحائف الغيب تفتح لهم متى شاؤوا، ولما صارت لهم سلطة ودولة مكنوا الفلاسفة والمنجمين في الأرض، وقربوهم إليهم، وصرفوا عليهم الأموال تأييدًا لهم، وإظهارًا لمعتقدهم.
وقام علماء المسلمين من كل حدب وصوب يردون على هذا الباطل، ويفندونه ويبينون فساده وهلاك من اعتنقه، كما قام من عرف باطلهم من شعراء وأدباء وغيرهم بالتشهير بهم، وإظهار كذبهم وإفكهم.
إلا أن بعض السذج من الناس انخدعوا بالأقوال البراقة وبالعبارات الجوفاء، فانجرفوا مع تيار هؤلاء، واتخذوا التنجيم صناعة، ومن النجوم مستندًا يتكئون عليه عند حلول الملمات، وما زالت هذه الطوائف في كل عصر تدعو إلى هذا الباطل وتوجه عدتها وعتادها للدعوة لهذه الصناعة، ولإقناع الناس بأن هذا السخف علم، وأن هذا الباطل حق، وأن هذه
_________
١ أخرجه البخاري: (٩/١٨٥)، كتاب الاعتصام، ومسلم: (٨/٥٧)، كتاب العلم.
1 / 9
الكواكب صحائف الغيب، وأنها المؤثرة في أحوال البشر، بل في أحوال الكون كله، بالاستدلالات الفاسدة أحيانًا، وبالتمويهات والخداع أحيانًا أخرى.
وفي العصر الحاضر، وبعد تقدم الوسائل الإعلامية ازداد نشاط هؤلاء المخادعين، وازداد انتشار هذا الجبت، وأصبح كل يدلي بدلوه في هذا المجال رجمًا بالغيب وقولًا على الله بغير علم، وسخرت هذه الآلات وهذه الوسائل في خدمة هذه الصناعة.
- أسباب اختيار البحث:
ولقد رأيت أن تكون أطروحتي لنيل درجة الماجستير في هذا الموضوع، فجعلت عنوانها: "التنجيم والمنجمون، وحكم ذلك في الإسلام"، وكان اختياري لهذا الموضوع للأسباب التالية:
١- إن هؤلاء المنجمين استشرى خطرهم في هذا العصر، فلا تكاد تجد بلدًا من البلدان إلا وتجد لهم فيه أثرًا، فكان واجبًا على كل مسلم الوقوف أمام هؤلاء، وبيان كذبهم بالحجة والبرهان.
٢- رغبتي في رد أباطيل هؤلاء وكذبهم على الأنبياء، وبيان فساد استدلالهم.
٣- إن هذا الموضوع لم يدرس دراسة علمية مفصلة –فيما أعلم- في العصر الحاضر، لذا رأيت أن الكتابة فيه جديرة بالبحث والاهتمام.
- خطة البحث:
وقد سرت في إنجاز هذا البحث على الخطة التالية:
قسمته إلى مقدمة وتمهيد وثلاثة أبواب وخاتمة.
ذكرت في المقدمة سبب اختياري لهذا الموضوع والخطة التي سرت عليها، ومنهجي في البحث.
1 / 10
أما التمهيد: فهو في بيان أن المتفرد بالخلق وتصريف الكون وعلم الغيب هو الله وحده، وفي بيان التعريف بالتنجيم وأقسامه. ويشتمل على ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: أن الله هو المتفرد بالخلق والمتصرف في الكون، والعالم بالغيب وحده.
المبحث الثاني: تعريف التنجيم.
المبحث الثالث: أقسام التنجيم.
- أما الباب الأول: ففي التنجيم في القديم والحاضر.
وفيه خمسة فصول:
الفصل الأول: التنجيم عند قوم إبراهيم.
ويتضمن مبحثين:
المبحث الأول: عبادة قوم إبراهيم للنجوم.
المبحث الثاني: لم يكن خليل الرحمن منجمًا.
ويشتمل على ثلاثة مطالب:
- المطلب الأول: لم يكن خليل الرحمن متعلقًا بالكواكب في قوله تعالى: ﴿فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ﴾ .
- المطلب الثاني: لم يكن خليل الرحمن منجمًا في قول الله تعالى: ﴿فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ﴾ .
- المطلب الثالث: لم يكن خليل الرحمن معتقدًا أن للفلك تدبيرًا في قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ﴾ .
الفصل الثاني: تنزيه الأنبياء أن يكونوا منجمين.
الفصل الثالث: التنجيم عند العرب (في الجاهلية) .
1 / 11
الفصل الرابع: دور أعداء الإسلام في نشر التنجيم بين المسلمين.
ويشتمل على مبحثين:
المبحث الأول: دور أهل الكتاب وغيرهم من المشركين في نشر التنجيم بين المسلمين.
المبحث الثاني: دور الرافضة في نشر التنجيم بين المسلمين.
الفصل الخامس: التنجيم في العصر الحاضر.
- أما الباب الثاني: ففي أحكام التنجيم.
وفيه ستة فصول:
الفصل الأول: في الحكمة من خلق النجوم.
الفصل الثاني: في حكم الاستسقاء بالنجوم.
الفصل الثالث: في حكم تعلم علم الفلك.
الفصل الرابع: في الأدلة على فساد صناعة المنجمين، وأنها ظنون كاذبة.
الفصل الخامس: في شبهات المنجمين والرد عليها.
الفصل السادس: في حكم التنجيم.
ويشتمل على أربعة مباحث:
المبحث الأول: حكم العمل بالتنجيم.
المبحث الثاني: حكم تعلم علم النجوم دون العمل به.
المبحث الثالث: حكم إتيان المنجمين وتصديقهم بما يخبرون به.
المبحث الرابع: حكم الأجرة المأخوذة على صناعة التنجيم والواجب تجاه المنجمين.
1 / 12
أما الباب الثالث: ففيما يلحق بالتنجيم، وما قد يظن أنه منه، وهو ليس منه.
وفيه فصلان:
الفصل الأول: ما يلحق بالتنجيم.
ويشتمل على مبحثين:
المبحث الأول: حروف أبي جاد، والاستدلال بها على المغيبات.
المبحث الثاني: الخط على الرمل، وما يلحق به، والاستدلال به على المغيبات.
الفصل الثاني: أمور ليست من التنجيم، وقد يظن أنها منه:
ويشتمل على مبحثين:
المبحث الأول: توقع حدوث الكسوف والخسوف.
المبحث الثاني: توقع أحوال الجو.
ثم الخاتمة: وتضمنت أهم النتائج التي توصلت إليها في هذا المبحث.
منهج البحث:
وقد سرت في بحثي هذا على منهج رسمته لنفسي، وهو كما يلي:
الأول: قمت بعزو الآيات القرآنية التي وردت في الرسالة إلى مواضعها بذكر اسم السورة ورقم الآية.
الثاني: خرجت الأحاديث من كتب السنن، ونقلت حكم العلماء على كل الأحاديث، إلا إذا كان الحديث في "الصحيحين" أو أحدهما فأكتفي بتخريجه لصحة الأحاديث فيهما، كما خرجت كثيرًا من الآثار من كتب السنن، ووجدت بعضًا منها في غيرها، فأوردتها لموافقتها الحق.
الثالث: قمت بترجمة الأعلام الوارد ذكرهم في الرسالة.
1 / 13
الرابع: اجتهدت في بيان معنى الألفاظ والعبارات الغامضة الواردة في الرسالة.
الخامس: قمت بشرح بعض المصطلحات التي يرد ذكرها في البحث.
السادس: جعلت أول صحيفة في الباب في ذكر اسم الباب واسم الفصول التي تندرج تحته.
السابع: التزمت أن لا استدل إلا بالأحاديث الصحيحة، إلا إذا كان ثم دليل ضعيف يوافق الأدلة الصحيحة فإني قد أورده مع بيان ضعفه.
الثامن: حاولت توثيق أقوالهم الدالة على فساد صناعتهم من كتبهم، وقد وجدت الكثير منها، وما لم أجده اكتفيت بالإحالة إلى الكتب التي ذكرت ذلك.
التاسع: قمت بالرد على أدلة المنجمين بنصوص الكتاب والسنة والأدلة والعقلية ما أمكن ذلك، وراعيت في ذكر شبهاتهم التي استندوا عليها أن أوثقها من مصادرهم ما أمكن ذلك.
العاشر: ناقشت الشبة التي استدلوا بها، إن كانت من القرآن بينت وجه فساد استدلالهم مع بيان المعنى الصحيح للآية، وإن كانت أحاديث عاملتها معاملة حديثية، فأورد شبهتهم التي استدلوا بها، ثم أبين درجتها من الصحة والضعف، فإن كانت صحيحة وجهتها إلى المعنى الصحيح الذي يظهر من النص مع بيان فساد استدلالهم.
الحادي عشر: بينت دور الرافضة في نشر التنجيم، واعتمدت في ذلك على أقوالهم، وعلى الكتب المشهورة عندهم.
الثاني عشر: إذا استخلصت فائدة من نص ما، أو كتاب ما، ولم أقف على قول لأحد في ذلك فإني أهبر بكلمة: (مستفاد من كذا) .
1 / 14
الثالث عشر: قمت بعمل فهرس للآيات القرآنية، وآخر للأحاديث النبوية، وثالث للآثار، ورابع للأعلام المترجم لهم.
الرابع عشر: قمت بعمل فهرس للمصادر والمراجع التي رجعت لها.
الخامس عشر: ذيلت البحث بعمل فهرس تفصيلي للموضوعات.
وقد بذلت في كتابة بحثي هذا الوقت والجهد العظيمين، ونظرًا لأهمية الموضوع فقد كان يتطلب الوقوف على مصادر المنجمين حتى يكون الرد عليهم أبلغ، والحجة عليهم أقوى، ومن فمك أدينك، فعزمت على السفر والتنقيب عن مصادرهم، فذهبت إلى العراق ومصر، وحصلت على كتب من تركيا، كما زرت معهد الملك فيصل للدراسات الإسلامية بالرياض، وزرت بعض الجامعات، كجامعة أم القرى وجامعة الملك عبد العزيز مما كون عندي مجموعة من كتب المنجمين، وفكرة واضحة عن المواضيع التي تعرضت لها في هذا البحث ثم كتبت هذا البحث مستعينًا بالله، ومحاولًا تحري العدل والحق في أقوالي وأحكامي، متبعًا قول الله تعالى: ﴿وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾ ١، فما كان في هذا البحث من حق وصواب فهو من توفيق الله الذي لا تعد آلاؤه ولا تحصى، وما كان فيه من خطأ وسهو فمن نفسي ومن الشيطان، والله ورسوله بريئان منه، وإني لرجاع إلى الحق إن شاء الله.
_________
١ سورة المائدة، الآية: ٨.
1 / 15
تمهيد
المطلب الأول: أن الله هو المتفرد بالخلق، والمتصرف في الكون، والعالم بالغيب وحده
...
التمهيد
ويشتمل على ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: إن الله هو المتفرد بالخلق، والمتصرف في الكون، والعالم بالغيب وحده.
المبحث الثاني: تعريف التنجيم.
المبحث الثالث: أقسام التنجيم.
1 / 17
المبحث الأول: أن الله قو المتفرد بالخلق، والمتصرف في الكون، والعالم بالغيب وحده
وفيه مسألتان:
- أما المسألة الأولى: وهي أن الله هو المتفرد بالخلق، والمتصرف في الكون:
فقد بينها الله تعالى في كتابه العزيز أتم بيان، وضمن هذا البيان أدلة عقلية منطقية تثبت إثباتًا لا غمةض فيه أن الله هو المتفرد بالخلق والتدبير وحده دون شريك.
وضمن هذه النصوص منهجًا واضحًا بطريق برهاني لا يسع الخصم إلا التسليم له.
وقد قسمت الآيات الواردة في هذه المسألة بحسب دلالتها إلى ما يأتي:
أولًا: الاستدلال على انفراد الله بالخلق:
وجه الله سبحانه خطابه للناس بأنه خلق جميع ما في الأرض من الموجودات لأجلكم، لتنتفعوا بها في دنياكم، وتستدلوا بها على مولاكم١، فقال: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ ٢.
_________
١ "تفسير أبي السعود": (١/٩٦) .
٢ سورة البقرة، الآية: ٢٩.
1 / 19
ووجه الأنظار إلى أنه هو المتفرد بخلق السموات والأرض وما فيهن دون كل ما سواه١، بقوله: ﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ﴾ ٢.
ولم يذكر خلق كل ما في السموات والأرض على العموم فقط، بل بين المقصود من هذا العموم بأنه شامل لما خلق فيهما من جليل ودقيق، مما يطلق عليه اسم (شيء)، ليدلهم ذلك على وحدانيته تعالى٣.
قال تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ﴾ ٤.
وبين سهولة الخلق عليه، وأنه لم يكرثه ولم يعجزه خلق شيء٥، فقال: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ ٦.
ثم لفت الانتباه إلى أنه خالق هذا الكون كله دون شريك، فهو المنفرد بخلق كل شيء، فالأشياء كلها خلقه وملكه، وعلى المماليك طاعة مالكهم بإفراده بالعبادة والخضوع له٧، فقال: ﴿الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ
_________
١ "تفسير أبي السعود": (٧/٢٤١) .
٢ سورة الأنعام، الآية: ٧٣.
٣ "تفسير أبي السعود": (٢/٣٢٦) .
٤ سورة الأعراف، الآية: ١٨٥.
٥ "تفسير ابن كثير": (٤/١٧١) .
٦ سورة الأحقاف، الآية: ٣٣.
٧ انظر: "تفسير الطبري": (١٨/١٨٠) .
1 / 20
يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا﴾ ١.
وأن الله الذي لكم كل شيء وحده، وجعل في السماء والأرض معايشكم وأقواتكم، وأقوات أنعامكم التي بها حياتكم إلى غير ذلك من الأمور التي فيها مصالحكم ومنافعكم: هو المستحق لشكر هذه النعم وحده، لأنه الذي خلقها لكم٢، قال تعالى: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ﴾ ٣.
ثانيًا: الاستدلال على تدبير الله وحده لهذا الكون، وأن جميع الخلق مقهورون خاضعون لله تعالى:
يمتن الله على الناس بتسخير كل ما في السموات والأرض من الكواكب والجبال والبحار والأنعام والرياح، وجميع ما ينتفع به، لهم من عنده وحده لا شريك له٤، قال تعالى: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ ٥.
وبهذا تبين أن هذا الكون كله مسخر لله تعالى، خاضع لأمره٦، قال تعالى: ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ ٧.
_________
١ سورة الفرقان، الآية: ٢.
٢ انظر: "تفسير الطبري": (٥/١٤٤) .
٣ سورة الأنعام، الآية: ١.
٤ "تفسير ابن كثير": (٤/١٤٨) .
٥ سورة الجاثية، الآية: ١٣.
٦ "تفسير الطبري": (٨/٢٠٦) .
٧ سورة الأعراف، الآية: ٥٤.
1 / 21
إذا اتضح ذلك: فاعلم أن الله هو المتفرد بالاختيار، وأنه ليس له في ذلك منازع ولا معقب، فالأمور كلها خيرها وشرها بيده، ومرجعها إليه، ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن١، قال تعالى: ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ ٢.
وهو مصرف الأمور ومدبرها، ما من شيء إلا ويجري على تقديره، قال تعالى: ﴿وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ ٣.
وقال سبحانه: ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ﴾ ٤.
وإن كل من السموات والأرض استسلم لله تعالى طوعًا وكرهًا، فالمؤمن مستسلم بقلبه وقالبه لله، والكافر مستسلم لله كرهًا، فإنه تحت التسخير والقهر والسلطان العظيم الذي لا يخالف ولا يمانع٥، قال
_________
١ "تفسير ابن كثير": (٣/٣٩٧) .
٢ سورة القصص، الآية: ٦٨.
٣ سورة البقرة، الآيتان: ١٦٣، ١٦٤.
٤ سورة يونس، الآية: ٣.
٥ "تفسير ابن كثير": (١/٣٧٨) .
1 / 22
تعالى: ﴿أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ﴾ ١.
وهو مالك السموات والأرض ومن فيهمن، والمتصرف فيهم، وهو خالقهم ورازقهم ومقدرهم ومسخرهم ومصرفهم كما يشاء٢، قال الله تعالى: ﴿وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ﴾ ٣، وقال: ﴿رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا﴾ ٤.
فالإنسان إذا فكر في نفسه رآها مدبرة، وعلى أحوال شتى مصرفة، كان نطفة، ثم علقة، ثم مضغة، ثم لحمًا وعظمًا، لأنه لا يقدر أن يحدث لنفسه في الحال الأفضل التي هي حال كمال عقله وبلوغ رشده عضوًا من الأعضاء، ولا يمكنه أن يزيد في جوارحه جارحة فيدله ذلك على أنه في حال نقصه وأوان ضعفه عن فعل ذلك أعجز٥، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾ ٦.
ومفاتيح الخير ومغالقه كلها بيده، فما يفتح الله للناس من خير فلا مغلق له ولا ممسك عنهم، لأن ذلك أمره لا يستطيع رد أمره أحد،
_________
١ سورة آل عمران، الآية: ٨٣.
٢ "تفسر ابن كثير": (١/١٦٠) .
٣ سورة البقرة، الآية: ١١٦.
٤ سورة المزمل، الآية: ٩.
٥ "الاعتقاد" للبيهقي: (ص٤٣)، و"تفسير القرطبي": (٢/٢٠٢) .
٦ سورة المؤمنون، الآيات: ١٢-١٤.
1 / 23
وكذلك ما يغلق من خير عنهم فلا يبسطه عليهم أحد ولا يفتحه لهم، فلا فاتح له سواه١، قال تعالى: ﴿مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ ٢.
ثالثًا: الاستدلال على فساد الكون لو كان فيه اله غير الله يدبر لكون معه:
لو قد تعدد الآلهة لا نفرد كل منهم بما خلق، فما كان ينتظم الوجود، والمشاهد أن الوجود منتظم متنسق، كل من العالم العلوي والسفلي مرتبط بعضه ببعض في غاية الكمال قال تعالى: ﴿مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ﴾ ٣. ثم لو تعددت الآلهة لكان كل منهم يطلب قهر الآخر وخلافه، فيعلو بعضهم على بعض، وهذا لم يحصل٤، قال تعالى: ﴿مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ﴾ ٥.
ولو كان في السموات والأرض آلهة معبودون غير الله لبطلتا بما فيهما من المخلوقات٦، قال تعالى: ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ﴾ ٧.
_________
١ انظر: "تفسير الطبري": (٢٢/١١٥) .
٢ سورة فاطر، الآية: ٢.
٣ سورة الملك، الآية: ٣.
٤ "تفسير ابن كثير": (٣/٢٥٤) .
٥ سورة المؤمنون، الآية: ٩١.
٦ انظر: "فتح القدير" للشوكاني: (٣/٤٠٢) .
٧ سورة الأنبياء، الآية: ٢٢.
1 / 24
ووجه الفساد أن وجود إله آخر يستحق العبادة مع الله يستلزم أن يكون كل واحد منهما قادرًا على الاستبداد بالتصرف، فيقع عند ذلك التنازع والاختلاف، ويحدث بسببه الفساد١.
رابعًا: الاستدلال على عجز غير الله عن الخلق والتدبير:
لفت الله عقول الناس إلى التفكير والنظر في الخالق: هل لهم من إله خالق إلا الله الذي بيده مفاتيح الأرزاق ومغالقها٢؟ قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ﴾ ٣.
وأخبر عن الأوثان أنها مخلوقة لا تضر ولا تنفع، ومن كان كذلك لا يستحق أن يعبد٤، قال تعالى: ﴿أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ﴾ ٥.
وأن كل من عبد من دون الله لا يملك تدبير نفسه فضلًا عن تدبير غيره، فضلًا عن تدبير الكون، فهو لا يملك لنفسه دفع ضر أو جلب نفع، ولا يملك الموت ولا الحياة، فمن كان كذلك كيف يكون مدبرًا لهذا الكون؟ وكيف يعبد من دون الله٦؟.
_________
١ انظر: "فتح القدير": (٣/٤٠٢) .
٢ انظر: "تفسير الطبري": (٢٢/١١٥) .
٣ سورة فاطر، الآية: ٣.
٤ انظر: "تفسير الطبري": (١٠/٩٣) .
٥ سورة النحل، الآية: ١٧.
٦ "تفسير الطبري": (١٣/١٣٢)، وانظر: "تفسير ابن كثير": (٣/٣٠٩)، و"فتح القدير" للشوكاني: (٤/٦١) .
1 / 25
قال تعالى: ﴿وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلا حَيَاةً وَلا نُشُورًا﴾ ١، ﴿قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ﴾ ٢.
وإذا كان الله هو خالق السموات والأرض وما فيهن، فأي شيء خلق الذين من دونه مما يعبد المشركون من الأصنام والأنداد٣؟ قال تعالى: ﴿هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ ٤. وقال تعالى: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ ٥.
فإذا كانت الآلهة الباطلة لم تستقل بخلق شيء من الأرض، ولم يكن لهم شرك في السموات، لا في الخلق ولا في الملك والتصرف دل ذلك على أن الله هو المتفرد بالخلق والتدبير٦.
بل إن هذه الآلهة الباطلة لا يقتصر عجزها على الخلق والتدبير، بل هي أعجز من ذلك بكثير، فهي لا تستطيع أن تستنقذ ما سلبها
_________
١ سورة الفرقان، الآية: ٣.
٢ سورة الرعد، الآية: ١٦.
٣ انظر: "تفسير الطبري": (٢١/٦٦)، و"تفسير ابن كثير": (٣/٤٤٢) .
٤ سورة لقمان، الآية: ١١.
٥ سورة الأحقاف، الآية: ٤.
٦ انظر: "تفسير ابن كثير": (٤/١٥٣) .
1 / 26