Rahsia Istana: Politik, Sejarah, Cinta, Sastera
أسرار القصور: سياسية، تاريخية، غرامية، أدبية
Genre-genre
وكانت شمس تموز لامعة الضياء، والجو صافيا والهواء عليلا، فلم تطل الباخرة المقلة جلالته حتى بدأت حصون الأستانة ومعاقلها في جميع أطرافها بإطلاق المدافع تبشيرا بقدوم البادشاه، وكان الهتاف «بادشاهم جوق يشا» (فليعش سلطاننا كثيرا) يدوي بين شاطئ القارتين آسيا وأوروبا، ويعجز القلم عن وصف عظمة ذلك الاحتفال وبهائه، فإنه كان مشهدا بالغا حد الأبهة والجلال أثر بجلالة السلطان كثيرا؛ إذ استدل منه على تعلق الشعب به وآماله فيه.
ووقف يخت السلطان قليلا ريثما صعد إليه المستقبلون، ثم أكمل مسيره بعظمة وبهاء يختال في مشيه كأنه عالم بعظمة من يقل، ويتبعه عشرون باخرة، وبعد أن استقبل السلطان حرمه المصون عاد إلى ظهر المركب؛ حيث كان عالي باشا بانتظار جلالته، وكل منهما متشوق لرؤية الآخر؛ هذا للسؤال عن أحوال مملكته، وذاك لمعرفة التأثير الذي كان لتلك الرحلة في أفكار مولاه، فبعد أن سأله السلطان قليلا عن أحوال المملكة عموما تجاسر عالي باشا فقال له: عسى أن يكون قد سر مولاي من هذه الرحلة. - نعم، سررت جدا، إنما أشكر الله تعالى أني لست بمليك أوروبي تابعا لديانة مخالفة تماما لديانتنا. - هل أتجاسر على سؤال مولاي، أي شيء أثر في جلالته من أخلاق الأوروبيين وعوائدهم، وأي شيء أعجبه في المدن التي شرفها بسياحته؟ - لا مشاحة في أن المدن الأوروبية جميلة المباني، وإنما مراكزها لا تساعدها على الحسن كمنظر الأستانة مثلا؛ فضلا عن أن الإنسان يشعر فيها للحال أن تلك الحركة الشديدة هي من أجل السعي وراء المال، وهي الغاية الوحيدة التي تطمح إليها أنظار الأوروبيين ... أما النساء فحدث عنهن ولا حرج، يخرجن إلى المراقص متلعات الأعناق مكشوفات الأكتاف مفتوحات الصدور مشدودات الخصور، يلففن أذرعهن بقحة غريبة بأذرع الرجال على مرأى من أزواجهن الذين ينظرون إليهن بدون أقل غيرة أو اكتراث. - نعم، قد أصبت مولاي، للتمدن الأوروبي عادات لا تنطبق على عاداتنا، ومخالفة للدين المحمدي الشريف، ولكن رغما من تلك الحرية الظاهرة فإنهن على الغالب أمهات شقيقات، وزوجات محصنات، والتربية تساعدهن كثيرا على هذا. - ولكن ما هذه المدنية إذا كان الفقر والجوع يميت في مدينة كعاصمة لندره مثلا ألوفا من الخلق في العام ... فهل قرأت إحصاءات الجرائم والمسجونين في تلك البلاد الصناعية؟ - نعم قرأتها، وإنما يجازون في أوروبا جميع الجرائم بلا استثناء، أما في الأستانة فالعدالة غير تامة، فإن المجرم ينجو كثيرا من العقاب. - ولكنه لا ينجو من عقاب الله. - أرى أن جلالتك لم تسر كثيرا من رحلتك الأوروبية. - بلى سررت، خصوصا لإقدامي عليها، لكني لا أخفي عليك أني كنت أستعد للرجوع إلى الأستانة، فإن تلك العيشة المملوءة من الحركة الدائمة لا تروق لي؛ لأن الملك نفسه هناك كتلميذ مدرسة ليس له ساعة فراغ، فهو عبد الشعب مع أن الشعوب خلقت لتكون عبيدنا.
فالتفت عالي باشا إلى من حوله خوفا من أن يكون قد سمع أحد ذلك الكلام من فم السلطان الذي أتم كلامه فقال: إن الشعوب الأوروبية كثيرة الاهتمام بالأمور التافهة كالفنون والصناعة والزراعة والتجارة والسياسة، ويغفلون عن أهم شيء في هذه الدنيا ألا وهو الحرص على السلامة.
فتنفس عالي باشا الصعداء لهذا الكلام، وعرف أن السلطان لم ينظر إلا لحال الضعف في الأوروبيين، وأنه لم يستفد شيئا جليلا من رحلته هذه فقال: ولكن لا بد قد أعجبتك المتاحف والمشاهد، وخصوصا لتضافر الأفراد على رفع منار بلادهم. - لا، وإنما أشد شيء أثر بي قباحة وجوه الأميرات الملوكيات، فلم أر فيهن امرأة جميلة إلا الإمبراطورة أوجيني والإمبراطورة اليصابات، مع أني أرى أن الملك إذا تزوج يجب أن يختار أجمل امرأة في مملكته، أما هم فبالعكس يكتفي الواحد منهم بأن تكون المرأة من عائلة ملوكية، ولا يهمه قبحها أو جمالها مع أن هذا هو الحمق بعينه.
ومر اليخت السلطاني أمام سراي «أميرجيان» الخاصة بإسماعيل باشا خديوي مصر، فصوب جلالته منظاره إليها، واغتنم عالي باشا تلك الفرصة فأرسل نظره باحثا عن فؤاد باشا فوجده يتحدث مع مراد أفندي ولي العهد، فقال السلطان ساخرا: حديقة إسماعيل باشا جميلة، فهي على الطراز الأوروبي، ويريد أن يتقلدنا. - كلا مولاي؛ هو ولوع بتقليد الأوروبيين. - تريد أن تقول المسيحيين. - لا، ولكن لا تنكر جلالتك على إسماعيل باشا الذكاء. - هذه كل بضاعته. - هي كافية مولاي. - أتعرف أني لما زرت مصر وجدت لباس جنوده أحسن من لباس جنودي؟ - ليس الجندي بلباسه بل بقواده. - تعال غدا بعد السلاملك لأطلعك على مشروع الإصلاح الذي وضعته. - الأمر أمرك أطال الله عمرك. - اصحب معك فؤاد. - هذا جل متمناي.
وجاء أحد الخصيان فعرض على جلالته أن والدته بانتظاره، فقام السلطان عاجلا، وبقي عالي باشا وحده على ظهر الباخرة، وقد غلب عليه الأسف واليأس؛ لأن أحوال كريت كانت على أهبة الثورة والعصيان، فلما رأى فؤاد باشا الصدر الأعظم وحده تقدم إليه لمصافحته، فتبادلا التحية، ثم سأله بلهفة: كيف أحوال كريت؟ - تلك مسألة كنت أحب سماعها من السلطان.
فتقدم إليه فؤاد وقبض على يده، وهمس في أذنه قائلا: تريد أن تقول السلطنة ... الويل يا عالي لتركيا يوم نسقط. - إذن أنت مقتنع بأن السلطان عبد العزيز كأسلافه. - نعم، لا يزيد ولا ينقص عنهم بشيء. - وهل سمعت حكمه على أوروبا؟ - سمعت أكثر من ذلك، فقد قال لي إنه أكثر مدنية من الفرنسيين والإنجليز والبروسيانيين، وقال أرى نفسي في غنى عنهم وعن مدنيتهم، ولم يعجبني في فرنسا شيء، ثم رفس الأرض برجله، وقال: أقسم بالله العلي العظيم لا أكون سلطانا إذا كنت لا أجد امرأة شبيهة بالإمبراطورة أوجيني، وإذا كنت لا أشيد في إنجلترا نفسها أسطولا أمنع من أسطولهم. - وهل هذه كانت نتيجة رحلته؟ - نعم وا حسرتاه على تركيا، وقد بدأت أقتنع بأن لا بد من ظهور نجم جديد في أفق السياسة يستلفت إليه أنظار تركيا الفتاة. - وأي هو؟
فالتفت فؤاد إلى مؤخر الباخرة حيث كان يوجد حلقة من كبار رجال الدولة ووزرائها، وقال انظر إلى أبسطهم هيئة وأكثرهم بشرا. - من أمراد أفندي؟ - نعم هو بعينه، وأتنبأ لك أنه سيكون سبب سقوط السلطان عبد العزيز. - تريد أن تقول سبب وفاته؛ إذ لا تسقط السلاطين إلا بوفاتها.
وحينئذ سمعا صوتا من ورائهما يقول: تتغير العادات بتغير السنين والأيام، فالتفتا إلى ما ورائهما مذعورين خوفا من أن يكون قد سمع حديثهما أحد، وإذا بهما رأيا شيخا مهابا بشوشا قد تقدم إلى عالي باشا، ومد إليه يده وقال: صافحني بالأكف كي أقول إني جئت بعادة جديدة من جيراننا، وكان ذلك القادم شيخ السلطان خير الله أفندي، وقد اشتهر بحدة الذكاء وحرية الفكر وحب الإصلاح والمدنية.
فقابله عالي باشا بمزيد الترحاب، وهنأه بسلامة الوصول، ثم سأله قائلا: ماذا تريد بعبارتك: تتغير العادات بتغير الأيام؟ - تلك فاتحة عملي بمصافحتي إياك بالأكف.
Halaman tidak diketahui