فصاحت به قائلة: جوزفين! أتلتحف بعارها ثانية؟! لم يزل أقاربنا يعيروننا بها إلى الآن. - مهلا يا حبيبتي نعمت! يقول أحمد بك إنها بريئة وهو يثبت براءتها، فأرجو منك كظم كل شيء إلى أن نسمع كل كلمة من فمه، وبعدئذ لنا عقل كامل فنحكم بما يوافقنا.
وعند ذلك وافت جوزفين بثوب الراهبة وعلى عينيها نظارتان فلم تعرفها نعمت هانم، وبقيت تنتظر قدوم جوزفين، ولكن الأمير بعد أن وقف لها وصافحها قال وهم وقوف: جوزفين ارفعي هاتين النظارتين عن عينيك لكي أرى نور العفاف فيهما، وقبل أن أسمع حكاية براءتك أثق بها.
فرفعت جوزفين النظارتين وعانقته والدمع يتدفق من عينيها، وقالت: لقد قاسيت لأجلك كثيرا يا نعيم، حتى إني لو كنت مذنبة إليك لطهرت من ذنوبي، ولكن تيقن أني بقيت وأبقى أمينة لك حتى الموت.
وعادا إلى المعانقة والدمع ينسجم من أعينهما، فتأثرت نعمت هانم من هذا المنظر، ورأت من تحت ثوب جوزفين الأسود مثال الطهارة والعفة، فما تمالكت أن نهضت من مكانها وضمتها إلى صدرها وقبلتها والدمع يطفر من عينيها أيضا، وجعلت تقول لها: «حبيبتي جوزفين حبيبتي.» وعند ذلك دخل أحمد بك نظيم فوجدهما على هذه الحال التي كان يتوقعها ، فتقدم إلى جوزفين وصافحها قائلا: «نهارك سعيد يا سيدتي الأميرة جوزفين هانم.» وكان الحديث الآتي كله بالإفرنسية لكي تفهمه جوزفين، فحملقت فيه جوزفين قائلة: أذكر أني رأيتك، ولكني نسيت من أنت، فهل لك أن تتكرم بذكر اسمك الكريم؟
فقال الأمير: هو حبيبنا أحمد بك نظيم الغيور على بيتنا. - سمعت باسمه ولكن ... - ولكن تعرفني حضرة الأميرة جوزفين بغير اسم.
فتأملته جيدا، ثم قالت: إذا لم أكن غلطانة فأنت مخلصي.
فنظر الأمير إليهما وهي تحملق به، فقال له أحمد بك: لا تتعجب يا سيدي، كل هذا من أسراري، فاجلسوا إذا شئتم واسمعوا أخباري بإصغاء، وإنما أرجو منكم سعة الصدر وعدم مقاطعة حديثي مهما كان مؤثرا أو مهيجا.
فقال الأمير: تكلم فكلنا آذان.
فقال أحمد بك: تذكرون أن الأمير عاصم كان يتحبب للأميرة نعمت بغية أن ينال يدها، وشقيقته الأميرة بهجت كانت تتحبب لسيدي الأمير نعيم بغية أن تكسب قلبه، وكان غرض الأمير عاصم من ذلك أن يحصر تركة سيدي المغفور له الأمير صدقي باشا فيه وفي أخته، ولكن أمنيته هذه حال دونها ما كان بيني وبين الأميرة نعمت من الولاء، وأمنية أخته حال دونها زواج سيدي الأمير نعيم من الأميرة جوزفين؛ ولذلك صمم على أن يزيل الحائلين لينال المأربين معا.
وقد استعمل كل دهائه واستخدم سنتورلي لكل ذلك لكي لا تظهر يده في دسائسه، فأولا أغراني سنتورلي بإيعاز الأمير عاصم بعد وفاة الأمير ظافر زوج الأميرة نعمت، على أن أهتم بخنق المولود الذي تلده الأميرة، حتى إذا تزوجتها لا يكون لها ولد من سواي، ووعدني أن يساعدني في نيل يدها، وقد استعمل كل مهارته في ذلك حتى أقنعني بصواب هذه الجريمة، وبأن هذه هي رغبة الأمير عاصم، وكنت حينئذ في قمة طيشي وجهالتي، فطاوعته وحملت الداية عائشة على أن تنفذ هذا الأمر، وأغريتها بالمال وأقنعتها بالأسباب وغررتها بالوعود، فنفذته على ما قالت، واشتهر حينئذ أن الأميرة ولدت طفلة ميتة.
Halaman tidak diketahui