بسم اللَّهِ الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي علمنا ما لم نكن نعلم، وصلى الله على سيد الخلق محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
هذا كتاب في علم الهيئة، اقتبسته من الآثار، وتتبعته من الأخبار، ليبتهج به أولو النهى، ويعتبر به أولو الأبصار وسميته: (الهيئة السنية في الهيئة السنية) والله أسأل حسن النية، وخاتمة مرضية.
1 / 13
باب ما ورد في العرش والكرسي
قال تعالى: (وَهُوَ رَبُّ العَرشِ العَظيمِ)، وقال: (وَسِعَ كُرسِيُّهُ السَمَواتِ والأَرضَ) .
العرش والكرسي من نور الله
أخرج ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ في كتاب العظمة عن وهب بن منبه قال: (إِن اللَهَ تعالى خلق العرش والكرسي من نوره؛ فالعرش ملتصق بالكرسي، والماء في جوف الكرسي، وحول العرش أربعة أنهار: نهر من نور يتلألأ، ونهر من نار تتلظى، ونهر من ثلج أبيض، تلتمع
1 / 15
منه الأبصار، ونهر من ماء، والملائكة قيام في تلك الأنهار، يسبحون الله تعالى، وللعرش ألسنة بعدد ألسنة الخلق كلهم، فهو يسبح الله تعالى، ويذكره بتلك الألسنة) .
وأخرج ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عن سعد الطائي قال: (العرش ياقوتة حمراء) .
وأخرج سعيد بن منصور، وأبو الشيخ عن مجاهد قال: (ما أخذت السموات والأرض من العرش إلا كما تأخذ الحلقة من أرض
1 / 16
فلاة) .
أربعة خلقوا بيد الله
وأخرج أبو الشيخ عن ابن عمر قال: (خلق الله أربعة أشياء بيده: آدم، والعرش، والقلم، وجنة عدن، وقال لسائر الخلق كن فكان) .
وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس قال: (ما يقدر قدر العرش إلا الذي خلقه، وإن السموات في خلق العرش مثل قبة في صحراء) .
1 / 17
وأخرج الطبراني وأبو الشيخ بسند صحيح عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: (إن العرش مطوق بحية، والوحي ينزل في السلاسل) .
وأخرج أبو الشيخ عن الشعبي قال: قال رسول الله ﷺ: (العرش من ياقوتة حمراء، وإن ملكا من الملائكة نظر إليه وغلى عظمه، فأوحى الله إليه: إني قد جعلت فيك قوة سبعين ألف ملك، لكل ملك سبعون ألف جناح، فطر، فطار الملك بما فيه من القوة والأجنحة ما شاء الله أن يطير، فوق، فنظر فكأنه لم يسر) .
وأخرج عن مجاهد قال: (ما موضع كرسيه من العرش إلا مثل حلقة في أرض فلاة) .
وأخرج عن الربيع بن أنس في قوله تعالى: (وَالسَّقفِ
1 / 18
المَرفوعِ) قال: هو العرش (وَالبَحرِ المَسجورِ) قال: الماء الأعلى الذي تحت العرش.
وأخرج سعيد بن منصور وعبد الرزاق وابن أبي حاتم عن علي بن أبي طالب في قوله تعالى: (وَالبَحرِ المَسجورِ) قال: بحر تحت العرش.
1 / 19
وأخرج أبو الشيخ عن حماد قال: (خلق الله العرش من زمردة خضراء، وخلق له أربعة قوائم من ياقوتة حمراء، وخلق له ألف لسان، وخلق في الأرض ألف أمة، كل أمة تسبح الله بلسان من ألسنة العرش) .
1 / 20
وأخرج - بسند واه - عن محمد بن علي قال: قال رسول الله ﷺ: (الكرسي لؤلؤ، والقلم لؤلؤ، وطول القلم سبعمائة سنة، وطول الكرسي حيث لا يعلمه إلا العالمون) .
(؟ وَكانَ عَرشُهُ عَلى الماءِ): وأخرج ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عن الربيع ابن أنس ﵁ قال: (وَكانَ عَرشُهُ عَلَى الماءِ) قال: (لما خلق الله السموات والأرض قسم الماء الذي كان عليه عرشه قسمين، فجعل نصفه تحت العرش
1 / 21
وهو البحر المسجور، فلا تقطر منه قطرة حتى ينفخ في الصور فينزل مثل الطل فتنبت منه الأجسام وجعل النصف الآخر تحت الأرض السفلى) .
وأخرج ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ من طريق السدى عن أبي مالك قال: (الكرسي تحت العرش) .
وأخرج ابن جرير وابن مردويه وأبو الشيخ عن أبي ذر قال: قال رسول
1 / 22
الله ﷺ: (يا أبا ذر ما السموات السبع في الكرسي إلا كحلقة ملقاة في أرض فلاة، وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على تلك الحلقة) .
وأخرج ابن جرير عن الضحاك قال: (كرسيه الذي يوضع تحت العرش، الذي يجعل الملوك عليه أقدامهم) .
وأخرج الفريابي، وابن أبي حاتم، والطبراني، والحاكم في المستدرك وصححه على شرط الشيخين عن ابن عباس قال: (الكرسي موضع القدمين، وله أطيط، والعرش لا يقدر أحد قدره) .
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن أبي موسى الأشعري قال: (الكرسي موضع القدمين، وله أطيط كأطيط الرحل) .
1 / 23
قلت قوله: موضع القدمين استعارة وتمثيل بملوك الدنيا كما أوضحته رواية الضحاك عن ابن عباس.
قال: (لو أن السموات، والأرضين السبع بسطن ثم وصلن بعضهن إلى بعض ما كن في سعة الكرسي إلا بمنزلة الحلقة في المفازة) .
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن المنذر عن السدى قال: (إن السموات والأرض في جوف الكرسي والكرسي بين يدي العرش وهو موضع قدميه) .
وأخرج ابن جرير عن الضحاك قال: (كان الحق يقول: الكرسي هو العرش) .
باب ما بين العرش والسماء السابعة
1 / 24
حجب الله
أخرج أبو الشيخ من طريق عن ابن عمر، ومن طريق آخر عن مجاهد قال: (بين العرش وبين الملائكة سبعون حجابا، حجاب من نار، وحجاب من ظلمة، وحجاب من نور، وحجاب من ظلمة، وحجاب من نور، وحجاب من ظلمة) .
وأخرج عن مجاهد قال: (بين العرش والملائكة سبعون ألف حجاب من نور) .
يا جبريل هل رأيت ربك
وأخرج أبو الشيخ عن زرارة بن أوفى قال: إن النبي ﷺ سأل جبريل: هل رأيت ربك فانتفض وقال: (إن بيني وبينه سبعين حجابا من نور لو دنوت من أدناها لاحترقت) .
وأخرج موصولا من حديث أنس مثله.
1 / 25
وأخرج أبو الشيخ من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: (احتجب الله عن جميع خلقه بأربع بنار وظلمة، ثم بنور وظلمة من فوق السموات السبع، والبحر الأعلى فوق ذلك كله، تحت العرش) .
وأخرج أبو الشيخ عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله ﷺ: (دون الله سبعون ألف حجاب من نور وظلمة، وما تسمع نفس شيئا من حس تلك الحجب إلا زهقت نفسه) .
1 / 26
أنواع الحجب
وأخرج عن القرظي قال: (بلغنا أن بين الجبار - عزوجل - وبين أدنى خلقه أربعة حجب، ما بين كل حجابين كما بين السماء والأرض، حجاب من ظلمة، وحجاب من نور، وحجاب من ماء، وحجاب من نار بيضاء) .
كم المسافة بين الحجاب والحجاب
وأخرج عن وهب بن منبه قال: (بين ملائكة حملة الكرسي، وبين ملائكة العرش، سبعون حجابا من الظلمة وسبعون حجابا من البرد، وسبعون حجابا من الثلج، وسبعون حجابا من النور، غلظ كل حجاب منها مسيرة خمسمائة عام، ومن الحجاب إلى الحجاب مسيرة خمسمائة عام) .
وأخرج أبو الشيخ - بسند ضعيف - عن ابن عباس قال: (من السماء السابعة إلى العرش مسيرة ستة وثلاثين ألف عام) .
1 / 27
نور الشمس ونور العرش
وأخرج عن عكرمة قال: (الشمس جزء من سبعين جزءا من نور الكرسي، والكرسي جزء من سبعين جزءا من نور العرش) .
1 / 28
باب ما جاء في اللوح والقلم
قال تعالى: (في لَوحٍ مَحفوظ)، وقال: (ن وَالقَلمِ) .
وصف اللوح المحفوظ
أخرج أبو الشيخ - بسند جيد - عن ابن عباس قال: (خلق الله اللوح المحفوظ كمسيرة مائة عام، وقال للقلم - قبل أن يخلق الخلق وهو على العرش: اكتب.. فقال القلم: وما أكتب؟ قال: علمي في خلقي، فجرى بما هو كائن
1 / 29
إلى يوم القيامة) .
وصف القلم
وأخرج أبو الشيخ من طرق عن مالك بن دينار عن أنس قال: قال رسول الله ﷺ: (إن لله لوحا، أحد وجهيه ياقوتة، والوجه الثاني زمردة خضراء، قلمه النور، فيه يخلق، وفيه يرزق، وفيه يحيى، وفيه يميت، وفيه يعز، وفيه يفعل ما يشاء في كل يوم وليلة) .
وأخرج أبو الشيخ والطبراني من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: (إن الله خلق من درة بيضاء، دفتاه من ياقوتة حمراء وزبرجد، قلمه نور، وكتابه نور ينظر منه كل يوم ثلاثمائة وستين نظرة، يخلق فيها ويرزق، ويعز ويذل، ويفعل ما يشاء) .
لا إله إلا الله تدخل الجنة
وأخرج أبو الشيخ عن طريق أبي ظلال عن أنس قال: قال رسول الله ﷺ: (إن لله لوحا من زبرجدة خضراء، جعله تحت العرش، وكتب فيه: إني أنا الله لا إله إلا أنا، أرحم وأترحم، جعلت بضعة عشر وثلاثمائة خلق، من جاء بخُلُق منها مع شهادة أن لا إله إلا الله دخل الجنة) .
في اللوح ثلاثمائة وخمس عشرة شريعة
وأخرج البيهقي في الشعب عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله لعيه وسلم: (إن بين يدي الله لوحا فيه ثلاثمائة وخمس عشرة شريعة، يقول الرحمن: وعزتي وجلالي لا يأتيني عبد من عبادي
1 / 31
لا يشرك بي شيئا - فيه واحدة منكن - إلا أدخلته الجنة) .
وأخرج ابن جرير، وأبو الشيخ في تفسيره قال: (إن الله كان عرشه على الماء، وخلق السموات والأرض بالحق، وخلق القلم، فكتب به ما هو خالق، وما هو كائن من خلقه، ثم إن ذلك الكتاب سبح الله ومجده ألف عام قبل أن يخلق شيئا من الخلق) .
القلم هو أول شيء خلق
وأخرج أبو يعلى - بسند حسن - عن ابن عباس أن رسول الله ﷺ قال: (أول شيء خلقه الله تعالى القلم، وأمره أن يكتب كل شيء) .
ماذا يكتب القلم
وأخرح الطبراني - بسند حسن - عن ابن عباس قال: (إن الله خلق العرش فاستوى عليه،
1 / 32
ثم خلق القلم فأمره أن يجري بإذنه، وعظم القلم ما بين السماء والأرض فقال: بم أجري يا رب قال: بما أنا خالق وكائن في خلقي: من قطر أو نبات، أو خير أو شر - يعني به العمل - أو رزق أو أجل؛ فجرى القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة، فأثبته الله في الكتاب المكنون عنده تحت العرش) .
القلم خلقه الله من نور
وأخرج أبو الشيخ عن ابن عمر عن النبي ﷺ قال: (إن الله ﵎ أول شيء خلق، خلق القلم وهو من نور مسيرة خمسمائة عام، فأمره فجرى بما هو كائن إلى يوم القيامة) .
وأخرج عن مجاهد قال: (خلق الله اليراع أول ما خلق من الأشياء - واليراع القصب - ثم خلق القلم من ذلك اليراع ثم قال: اكتب ما يكون إلى
1 / 33
يوم القيامة) .
وأخرج - بسند واه - عن ابن عباس قال: (أول شيء خلق الله عزوجل العرش من نور، ثم الكرسي، ثم لوحا محفوظا من درة بيضاء، دفتاه من ياقوتة حمراء، قلمه نور، وكتابه نور، ينظر الله عزوجل فيه كل يوم ثلاثمائة وستين نظرة، يخلق في كل نظرة، ويحيى ويميت، ويعز ويذل، ويرفع أقواما، ويخفض أقواما، ويفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد، وخلق قلما من نور، طوله خمسمائة عام، وعرضه خمسمائة عام قبل أن يخلق الخلق، وقال للقلم:) اكتب، قال: وما أكتب قال: اكتب علمي في خلقي إلى أن تقوم الساعة، فجرى القلم بما هو كائن في علم الله إلى يوم القيامة، إن كتاب ذلك العلم على الله يسير هين، وسنة القلم مشقوقة، ينبع منه المدد (.
1 / 34