Asl al-Zarari Sharh Sahih al-Bukhari - Manuscript
أصل الزراري شرح صحيح البخاري - مخطوط
Penerbit
عطاءات العلم - موسوعة صحيح البخاري
Lokasi Penerbit
https
Genre-genre
وههنا كذلك، فإن المؤلف ذكر أولًا تعليق منصور وحماد، وكل واحد منهما يدل صريحًا على الحدث الأكبر، والحديث بعده يدل على الحدث الأصغر، فتفسير الحدث بالأكبر والأصغر مُتَعيِّن؛ لأنَّه المراد للمؤلف، فمن خصَّصه بالأصغر؛ فلم يُصِبْ؛ فافهم، (وغيره)؛ بالجر؛ عطفًا على لفظ: (القرآن)، وبالنصب؛ عطفًا على محله، فضمير (وغيره) يرجع إلى (القرآن)، والمراد بـ (غيره): مثل كتابة القرآن، وهو شامل للقولي والفعلي؛ يدل لذلك تعليق المؤلف قول منصور بن المعتمر عن إبراهيم النخعي، فإنَّه مشتمل على القسمين؛ أحدهما: قراءة القرآن بعد الحدث، والثاني: كتابة الرسائل في حالة الحدث، كذا قرره العلَّامة في «عمدة القاري»، وجرى عليه الشارح القسطلاني.
وأمَّا قول الكرماني: («وغيره»: أي: نحو السلام وسائر الأذكار)، وتبعه العجلوني؛ فغير صحيح، واللفظ لا يقتضيه، ويدلُّ لذلك أنَّ المحدث إذا جاز له قراءة القرآن؛ فالسلام وسائر الأذكار تجوز له بالطريق الأولى، فالتمثيل غير متجه، وفساده ظاهر.
وأمَّا قول ابن حجر: («وغيره»: أي: من مظان الحدث)؛ فليس بشيء؛ لأنَّ عود الضمير لا يصح إلا إلى شيء مذكور لفظًا أوتقديرًا بدلالة القرينة اللفظية أو الحالية، على أنَّه لم يبيِّن ما مظان الحدث؟ ومظنة الحدث على نوعين؛ أحدهما مثل الحدث، والآخر ليس مثله، فإن كان مراده النوع الأول؛ فهو داخل في قوله: (بعد الحدث)، وإن كان الثاني؛ فهو خارج عن الباب، فإذن لا وجه لما قاله على ما لا يخفى، كذا قرره في «عمدة القاري»، وجرى عليه الشارح القسطلاني، فما قاله العجلوني محاولة، وتعصب، وخروج عن الظاهر، فلا حاجة في الاشتغال بردِّه.
(وقال منصور): هو ابن المعتمر السلمي الكوفي، (عن إبراهيم): هو ابن يزيد النخعي الكوفي الفقيه، وهذا التعليق وصله سعيد بن منصور عن أبي عوانة، وروى عبد الرزاق عن الثوري عن منصور مثله؛ فافهم: (لا بأس بالقراءة) للقرآن (في الحمَّام)، وروى سعيد بن منصور أيضًا، عن محمد بن أبان، عن محمد بن أبي سليمان قال: سألت إبراهيم عن القراءة في الحمَّام، فقال: يكره ذلك، فما في المتن يدلُّ على عدم الكراهة، فظهر أنَّ عن إبراهيم روايتان؛ في رواية: يكره، وفي رواية: لا يكره لكن تركه أَوْلى؛ لأنَّه عبَّر بقوله: (لا بأس)، وهي تستعمل فيما تركه أَوْلى، وإنما ذكر المؤلف الأثر الذي فيه ذكر الحمَّام، والتبويب أعمُّ منه؛ لأنَّ الغالب أنَّ أهل الحمام أصحاب الأحداث الكبار، والغالب كالمتحقق، واختلفوا في ذلك؛ فعن الإمام الأعظم: أنه يكره قراءة القرآن في الحمام، وعن الإمام محمد بن الحسن: أنه لا يكره، وبه قال مالك، وإنما كره الإمام الأعظم قراءة القرآن في الحمام؛ لأنَّه محلُّ مجتمع الأقذار من النجاسات، وكشف العورات، والأغسال، والمياه المستعملة، فإن الماء المستعمل عند الإمام الأعظم نجس، ولا شك أن القرآن ينبغي أن يقرأ في مكان طاهر، خالٍ عن النجاسات، وأوساخ الناس، ساتر العورة، مستقبل القبلة، وهذا كله غير موجود في الحمَّام، فلذا كرهه الإمام الأعظم، وهو الذي يدلُّ عليه كلام إبراهيم المذكور؛ فافهم، على أنَّه روى ابن المنذر عن علي ﵁ قال: (بئس البيت الحمَّام، ينزع فيه الحياء، ولا يقرأ فيه آية من كتاب الله)، فهذا يدل على الكراهة أيضًا؛ لما ذكرناه.
وهذا إذا قرأ داخل الحمام محل الاغتسال، أمَّا لو قرأ القرآن في خارج الحمَّام في محل خلع الثياب؛ فإنَّه لا كراهة في ذلك؛ لعدم شيء ممَّا ذُكِر، ومثل القراءة الصلاة، فإنها في محل الاغتسال تُكرَه، وفي محل خلع الثياب لا تُكرَه، والله تعالى أعلم.
(وبكَتب)؛ بالموحدة وفتح الكاف (الرسالة) فإنَّ (الكتب) مصدر دخلت عليه الباء الموحدة حرف الجر، وهو معطوف على قوله: (لا بأس بالقراءة)، والتقدير: ولا بأس بكتب الرسالة (على غير وضوء)؛ وفي رواية: (ويكتب الرسالة) على صيغة المجهول من المضارع، والوجه الأول أوجه، وهذا الأثر وصله عبد الرزاق عن الثوري أيضًا عن منصور قال: سألت إبراهيم: أأكتب الرسالة على غير وضوء؟ قال: نعم، كذا في «عمدة القاري» مع أنَّ الغالب تصديرها؛ بنحو: البسملة، والحمدلة، والصلاة على رسوله ﵇، على أنَّه الحروف كلها وحدها معظَّمة، وهي قرآن أنزل على سيدنا هود ﵇، كما صرَّحوا به؛ فلا وجه لما قاله بعض الشافعية: من أنَّه يجوز الاستنجاء بالتوراة والإنجيل؛ لأنَّها محرَّفة ومتبدِّلة، ولا يخفى أنَّ هذا مجازفة، ألا ترى أنهم هل علموا ذلك بنصٍّ قاطع أنَّهم بدَّلوها عن آخرها، ولا يقول ذلك إلا مبتدع ومخالف للحق؛ فافهم.
وزعم ابن حجر بأنَّ قوله: (على غير وضوء) يتعلق بالكتابة لا بالقراءة في الحمام.
وردَّه في «عمدة القاري»: (بأنَّا لا نسلِّم ذلك، فإن قوله: «ويكتب الرسالة» على الوجهين متعلق بالقراءة، وقوله: «على غير وضوء» يتعلق بالمعطوف والمعطوف عليه؛ لأنَّهما كالشيء الواحد) انتهى، وقد جرى عليه القسطلاني والعجلوني؛ لأنَّ ذلك متعين؛ لظهور المعنى، وما قاله ابن حجر غير ظاهر المعنى، فهو ممنوع؛ فافهم، فيكره للجُنُب أو الحائض أن يكتب الكتاب الذي في بعض سطوره آية من القرآن، وإن كانا لا يقرأان شيئًا؛ لأنَّهما منهيَّان عن مسِّ القرآن، وفي الكتابة يحصل المس؛ لأنَّه يكتب بقلمه، وهو في يده، وهو مسٌّ صورة، وفي «المحيط»: لا بأس لهما بكتابة المصحف إذا كانت الصحيفة على الأرض عند الإمام أبي يوسف؛ لأنَّه لا يمسُّ القرآن بيده، وإنما يكتب حرفًا حرفًا، وليس الحرف الواحد بقرآن، وقال الإمام محمد: (أَحبُّ إليَّ ألَّا يكتب؛ لأنَّه في الحكم مباين للحروف، وهي بكلِّيتها قرآن)، وبه أخذ علماء بخارى، كذا في «الذخيرة البرهانية»، وقد أوضحناه في «منهل الطلاب»؛ فليحفظ.
قال في «التبيين»: (ويكره للجنب أو الحائض أو النفساء أن يكتبوا كتابًا فيه آية من القرآن؛ لأنَّه يكتب بالقلم وهو في يده، كذا في «الفتاوى السمرقندية»، وذكر الإمام أبو الليثأنَّه لا يكتبه، وإن كانت الصحيفة على الأرض، ولو كان مادون الآية، وذكر الإمام القدوري أنَّه لا بأس به إذا كانت الصحيفة على الأرض، وهو قول الإمام أبي يوسف) انتهى، وقال الإمام محمد: (أحب إلي ألَّا يكتب؛ لأنَّه في حكم الماسِّ للقرآن)، كما في «الحلية» عن «المحيط»، قال في «فتح القدير»: (وقول الإمام أبي يوسف أَقْيَس؛ لأنَّها إذا كانت على الأرض كان مسُّها بالقلم، وهو واسطة منفصلة، فكان كثوب منفصل، إلا أن يكون يمسه (^١) بيده) انتهى.
قال في «شرح المنية»: (وينبغي التفصيل؛ فإن كان لا يمس الصحيفة بأن وضع عليها ما يحول بينها وبين يده؛ يؤخذ بقول الإمام أبي يوسف؛ لأنَّه لم يمس المكتوب ولا الكتاب، وإلَّا؛ فبقول الإمام محمد؛ لأنَّه إن لم يمس المكتوب؛ فقد مسَّ الكتاب) انتهى، ومشى على هذا التفصيل في «الدر المختار»، ولا يخفى أنَّ هذا مأخوذ مما ذكرنا عن «فتح القدير»، ووفَّق بعضهم بين القولين بما يرفع الخلاف بحمل قول الإمام أبي يوسف على الكراهة التحريمية، وقول الإمام محمد على التنزيهية بدليل قوله: (أحب إليَّ...) إلخ؛ فتأمل، كذا في «منهل الطلاب».
(وقال حماد) بالحاء المهملة، هو ابن سليمان، فقيه الكوفة، وشيخ الإمام الأعظم رضي الله تعالى عنهما، المتوفى سنة ست وعشرين ومئة، (عن إبراهيم)؛ أي: النخعي مما وصله الثوري في «جامعه»، مجيبًا لمن سأله عن حكم السلام على من كان في الحمام متجرِّدًا عن الثياب، فقال: (إن كان عليهم) أي: على من أردت السلام عليهم وهم في الحمام (إزار): هو ما يلبس في النصف الأسفل يذكَّر ويؤنَّث، والمراد أنهم إن كانوا ساترين العورة من السرة إلى الركبة؛ (فسلَّم عليهم)، وفي رواية: إسقاط لفظ: (عليهم)، وهي مرادة لا بدَّ من تقديرها؛ فافهم، (وإلا)؛ أي: وإن لم يكن عليهم إزار؛ (فلا تسلم)؛ أي: عليهم إهانة لهم؛ لكونهم على بدعة، أو لكون السلام يستدعي ذكر السلام الذي هو من أسمائه تعالى مع وقوعه في القرآن العظيم، ولاشتغالهم بالاغتسال، وغسل النجاسة والاستنجاء، وقيل: لأنَّه مأوى الشياطين، ومفاده: أنَّه لا يسلَّم على من في السوق؛ لأنَّه محل الشياطين، لكنه يسنُّ السلام على من كان فيه، ويلزمهم الردُّ، وأمَّا ما رواه مسلم عن ابن عمر من كراهة ذكر الله تعالى
(^١) في الأصل: (مسته)، وهو تحريف.
بعد الحدث؛ فليس على شرط المؤلف.
وزعم ابن حجر أنَّ قوله: («إن كان عليهم»؛ أي: على من في الحمام، والمراد: الجنس) تعقَّبه في «عمدة القاري»: بأنَّ هذا عام يتناول القراءة فيه، والقاعدين في ثيابهم في مسلخ الثياب، فكيف يطلق كلامه على من في الحمام على سبيل العموم؟! والسلام على القاعدين بثيابهم لا خلاف في جوازه، انتهى.
وأجاب القسطلاني: (بأن المسلخ وإن أطلق عليه اسم الحمام؛ فمجاز، والحمام في الحقيقة: ما فيه الماء الحميم) انتهى.
واعترض: بأن الحمام الآن اسم لما فيه الماء الحميم ولمكان خلع الثياب؛ وهو المسلخ حقيقة عرفية، ألا ترى أنَّ الرجل إذا دخل مسلخ الحمام، وسألته أين كنت؟ فيقول: في الحمام، على الإطلاق، فالحمام في الحقيقة العرفية اسم للمسلخ ولما فيه الماء الحميم على العموم، والحقيقة اللغوية مهجورة، فجواب القسطلاني مردودعليه؛ فافهم.
[حديث ابن عباس: أنه بات ليلة عند ميمونة]
١٨٣ - وبه قال: (حدثنا إسماعيل): هو ابن [أبي] أويس الأصبحي (قال: حدثني) بالإفراد (مالك)؛ أي: ابن أنس الأصبحي، خال إسماعيل، (عن مَخْرَمة) بفتح الميم، وسكون الخاء المعجمة، وفتح الرَّاء (بن سليمان) الوالبي المدني، (عن كُرَيب) بضم الكاف، وفتح الرَّاء، آخره موحدة (مولى ابن عباس) التابعي: (أن عبد الله بن عباس) ﵄، والإسناد كله مدنيون (أخبره)؛ أي: أخبر ابنُ عباس كريبًا: (أنَّه) أي: ابن عباس (بات ليلة عند ميمونة زوج النبي) الأعظم ﷺ، وجملة قوله: (وهي) أي: ميمونة (خالته)؛ أي: خالة ابن عباس أخت أمه؛ حالية، والظاهر: أنها من كلام كريب، (فاضطجعت)؛ أي: وضعت جنبي على الأرض، وكان مقتضى الظاهر أن يقول: (اضطجع) بصورة الماضي الغائب، كما قال: (بات)، أو قال: (بتُّ)، كما قال: (فاضطجعت) بصورة المتكلم فيهما، ولكنَّه قصد بذلك التفنن في الكلام، وهو نوع من أنواع الالتفات، والقاصد لذلك كريب؛ لأنَّه الذي نقل كلام ابن عباس، والظاهر: أن اختلاف العبارتين من ابن عباس ومن كريب؛ لأنَّ كريبًا أخبر أولًا عن ابن عباس: (أنه بات...) إلخ، ثم أضمر لفظة: (قال) قبل (فاضطجعت)، فيكون الكلام على أسلوب واحد، كذا في «عمدة القاري»، (في عَرْض)؛ بفتح العين المهملة وسكون الرَّاء، كما في «الفرع»، وهو المشهور، وقال السفاقسي: (ضمُّ العين غير صحيح، ورويناه بفتحها عن جماعة)، وفي «المطالع»: (الفتح عند أكثر مشايخنا، ووقع عند جماعة؛ منهم: الداودي والطرابلسي والأصيلي: بضم العين)، قال في «عمدة القاري»: والأول أظهر، وقال النووي: هو الصحيح، وأنكر الباجي الضم، وهو مردود؛ لثبوت الرواية به عن جماعة، كما علمت، (الوسادة): المخدة، وهو ما يتوسَّد به عند النوم، وهو المتكأ، كما في «الصحاح» و«المجمل» وغيرهما، وزعم ابن التين أنَّ (الوساد): الفراش الذي ينام عليه، وهو باطل؛ كما قاله في «عمدة القاري» عن النووي.
(واضطجع رسول الله ﷺ وأهله) أي: زوجته أم المؤمنين ميمونة (في طولها)؛ أي: الوسادة، وهذا يقتضي: أن يكون عرض الوسادة محلًّا لاضطجاع ابن عباس؛ فتأمل.
(فنام رسول الله ﷺ حتى)؛ للغاية؛ أي: إلى أن (انتصف)، وفي رواية: (حتى إذا انتصف) (الليل أو قبله) أي: قبل انتصافه (بقليل أو بعده)؛ أي: بعد انتصافه، (بقليل استيقظ)؛ أي: رسول الله ﷺ، كما في رواية، فإن جعلت (إذا) ظرفية؛ فقوله: (أو قبله) ظرف لقوله: (استيقظ)؛ أي: استيقظ وقت انتصاف الليل أو قبل انتصافه، و(أو) للتشكيك، وإن جعلت (إذا) شرطية؛ فيكون (قبله) متعلقًا بفعل مقدر، و(استيقظ): جواب الشرط، والتقدير: حتى إذا انتصف الليل أو كان قبل الانتصاف؛ استيقظ، كذا في «عمدة القاري».
(فجلس) ﵇، وفي رواية: (فجعل) (يمسح النوم) ففي الأول: يكون (يمسح) التي هي جملة من الفعل والفاعل محلها النصب على الحال من الضمير في (فجلس)، وفي الثاني: تكون الجملة خبرًا لقوله: (فجعل)؛ لأنَّه من أفعال المقاربة، ومسح النوم من العينين من باب إطلاق اسم الحال على المحلِّ؛ لأنَّ المسح لا يقع إلا على العينين، والنوم لا يمسح، كذا في «عمدة القاري»، (عن وجهه بيده)؛ بالإفراد، والمراد: الجس؛ أي: يمسح بيديه، وزعم ابن حجر أن المراد: يمسح أثر النوم من باب إطلاق اسم السبب على المسبب، قال في «عمدة القاري»: أثر النوم من النوم؛ لأنَّه نفسه، فكيف يكون من هذا الباب؟! انتهى، وأجاب القسطلاني وتبعه العجلوني: بأن الأثر: ارتخاء الجفون من النوم، انتهى، قلت: وما أجابا به هو عين الاعتراض، فإنَّ ارتخاء الجفون لا ريب أنَّه من النوم؛ لأنَّه نفسه، فقد أثبتا الاعتراض المذكور، على أنَّ ارتخاء الجفون لا يقال له: أثر؛ لأنَّ النوم فترة طبيعية لا أثر لها، وأمَّا ارتخاء الجفون والاضطجاع ونحوه؛ إنَّما هي هيئات وصفات لحصول تلك الفترة، ألا ترى أن بعض الناس ينامون وأعينهم مفتوحة، وبعض البهائم كذلك؛ فافهم.
ثم قال العجلوني معترضًا على صاحب «عمدة القاري»: (بأنه إذا كان النوم من العينين؛ كيف يلتئم مع قوله «عن وجهه»؟!).
قلت: وهو ظاهر الالتئام، فإنَّ العينين في الوجه، وهو كالظرف لهما، فهو من إطلاق الكل وإرادة البعض؛ لأنَّ النوم غالبًا لا يظهر إلا من العينين، فما قاله العجلوني مردود عليه؛ فافهم.
(ثم قرأ) ﵇ (العشر الآيات)؛ بإضافة العشر إلى الآيات، ويجوز دخول لام التعريف على العدد عند الإضافة؛ نحو: (الثلاثة الأبواب)، وهو من باب إضافة الصفة إلى الموصوف، كذا في «عمدة القاري» (الخواتيمَ)؛ أي: الأواخر، بالنصب؛ لأنَّه صفة (العشر)، وهو جمع خاتمة (من سورة آل عمران)، وهي قوله تعالى: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُوْلِي الأَلْبَابِ﴾ أي: لذوي العقول ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًاوَعَلَى جُنُوبِهِمْ﴾، والمراد به: الإكثار من ذكر الله ﷿، ففي الحديث: «من أحبَّ أن يرتع في رياض الجنة؛ فليكثر ذكر الله»، وفي حديث آخر: «إذا مررتم برياض الجنة؛ فارتعوا، قالوا: وما رياض الجنة؟ قال: حلق الذكر»، فلا دلالة فيه للشافعي في أنَّ المريض يصلي مضطجعًا؛ لأنَّ المراد من الآية: ذكر الله ﷿، لا الصلاة، فإن قوله: ﴿وَعَلَى جُنُوبِهِمْ﴾؛ أي في حال اضطجاعهم للنوم، ويدلُّ لذلك قوله: ﴿وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ﴾، والتفكُّر في ذلك لا يكون في حال الصلاة، وإنما يطلب فيها الخشوع والخضوع لله ﷿، ويدل لذلك قوله: ﴿رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾، فهو دليلٌ ظاهر على أن المراد: التفكر خارج الصلاة حال الاضطجاع للنوم، فإنه يتفكر في النجوم التي في السماء، ويتفكَّر في ظلمة القبر، وعذاب النار، وغير ذلك، ويدلُّ له قوله: ﴿رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ*رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ﴾ المراد به: النبي الأعظم ﵇ ﴿أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ*رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ القِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ المِيعَادَ*فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّنْ عِندِ اللهِ وَاللهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ*لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا [فِي الْبِلَادِ] * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ* لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِّنْ عِندِ الله
1 / 76