وبعد ساعة خرج إبراهيم مكفهر الوجه وفي يده ورقة مختومة، فاقترب من سعدى وأمسك بيدها قائلا: أقسمي لي بمحبة ولدنا الوحيد شفيق أنك تحافظين على ما أقوله لك في شأن هذه الورقة، فأقسمت، فقال لها: إليك هذه البطاقة المختومة، ولا تفضيها أو تطلعي على ما فيها إلا إذا أصابني ضر في سفرنا هذا أو بعده، فعند ذلك تفضينها وتطلعين على ما فيها، وأرغب إليك العمل بمقتضاها والحرص عليها.
فتناولتها وقلبها يرتجف، وقد اغرورقت عيناها لتأثرها من خطاب زوجها وقالت: لا أراني الله بك سوءا، وجعلت البطاقة في جيبها ريثما تختار لها مكانا آخر أمينا تجعلها فيه.
ولا يخفى على القارئ أن تلك الورقة لم تكن إلا لتزيدها قلقا على قلق، فحدثتها نفسها مرارا أن تفضها انقيادا لعواطفها، ولكنها كانت تتذكر القسم فترجع.
ومضى ذلك الليل وهما يعدان معدات السفر، وكان خادمهما أكثر اهتماما منهما؛ لأنه اشتاق إلى سيده شفيق، وكان يحبه حبا مفرطا. وفيما هو يهيئ الأمتعة قال له إبراهيم: هل أنت مسرور بالذهاب معنا يا أحمد؟
فانتصب الخادم أمام سيده بوقار وقال: كيف لا وأنا مشتاق إلى رؤية سيدي شفيق، ويعلم الله أني لا أنسى كرم أخلاقه أبد الدهر، وقد شكرت الله لوجوده هذه المدة في بلاد الإنكليز حرصا على حياته.
فقال إبراهيم: لا شك أنه نجا من مخالب الثورة العرابية.
قال: كلا، يا سيدي، إن ذلك ليس محل خوفي، ولكنني كنت أخاف عليه من دسائس أحد أصدقائه الذي رافقه إلى الإسكندرية. قال ذلك وهو يحرق أسنانه غيظا من عزيز.
قال إبراهيم: ما تعني؟ ومن تريد؟
قال: أريد صديقه عزيزا ... وأعترف لك، يا سيدي، أنني كنت خائفا على سيدي شفيق منه، فلما علمت بمرافقته إياه إلى الإسكندرية لم يهدأ لي بال حتى رافقتهما متنكرا إلى الإسكندرية، ولم أرجع حتى ركب سيدي الباخرة على مرأى مني.
فقال إبراهيم: إنك كثير البلبال يا أحمد. وما الذي تخشاه على شفيق من هذا الرجل وهو أعز أصدقائه؟
Halaman tidak diketahui