قالت: إنها تحب رجال الجهادية؛ فافعل ما بدا لك.
فتنهد عن قلب حزين، ونطق بلسان خاشع وقال: هذه هي كل العقبات يا خالتي. وودعها وخرج إلى والدها؛ ليستطلع رأيه، فإذا رأى من الاثنين ميلا للجهادية هان الأمر عليه.
فلما دخل عليه وجلس إليه رآه منقبض النفس، مرتبك الأفكار، فبادأه بالحديث قائلا: هل حضرتم سعادتكم يوم عابدين وشاهدتم ما كان من فوز الجهادية؛ فقد حبب إلي ذلك خدمة الجيش.
فقال الباشا: إن الخدمة العسكرية من أشرف الخدمات، ولكنها محفوفة بالأخطار.
قال عزيز: لا خطر فيها إلا أيام الحرب.
قال الباشا: ولكنك غني عن هذه الخدمة لما أنت فيه من الثروة، فإذا كانت حرب، فماذا تفعل؟
قال: أقوم بما تقترفه علي مصلحتي؛ «ولا بد دون الشهد من إبر النحل.» (أراد التظاهر بالبسالة وقد أضمر في نفسه الفرار إذا نشبت حرب).
فقال الباشا: إذا كان لا بد لك من ذلك، فإني أعطيك كتاب توصية لعرابي بك؛ لأني أعرفه، وهو يتوسط لك لدى ناظر الجهادية، فيقلدك منصب ضابط، ولكن هل لك معرفة بالحركات العسكرية؟
قال عزيز: هذا ليس أمرا صعبا؛ فقد تعلمت بعضها، وأقدر أن أتمم علمها بسهولة.
فكتب له كتابا إلى عرابي يوصيه أن يشمل عزيزا بأنظاره، فأخذ عزيز الكتاب وودعه وسار حتى وصل منزل عرابي، فإذا فيه جماهير الناس والأعيان بين منتظر أمرا، ومتظلم من أمر يدخلون إليه الواحد بعد الآخر يتفاوضون أو يستعطفون، وهو يقابل كلا حسب مقامه، ويجتهد في إرضاء الجميع، حتى جاء دور عزيز، فدخل عليه وقد زر ثوبه اعتبارا، فقابله بالبشاشة واللطف، وبعد تلاوة الكتاب قال له: ألعلك عزيز أفندي جندب ابن المرحوم السيد جندب المشهور؟ قال: نعم. فأجلسه إلى جانبه وقال: ما الذي حملك على الانتظام في الجهادية وأنت في غنى عنها؟
Halaman tidak diketahui