وتمسح الطل فوق الخد بالعنم
فأخذت شفيقا الدهشة وخفق فؤاده، فرشقها بنظر مملوء من الحب، وطيب خاطرها، وخفف عنها حتى سكنت عواطفها قليلا، فمسحت دموعها ورمته بسهم من لحظها كاد يقضي عليه، فقرب شفيق مقعده منها وخاطبها بألطف عبارة قائلا: أتريدين يا حبيبتي أن تخبريني بما عنيته بقولك؟
قالت: لم أعن غير المفهوم من كلامي.
فقال: لم أفهم منه ما يوجب هذا التأثر.
فأجابته: قلت إن والدتك تستطيع الاصطبار على بعدك لأنها والدتك وأنت ابنها؛ أي إنها لا تخاف أن تتخذ لك والدة سواها، أو بدلا منها. وكانت تخاطبه وهي تكاد تذوب خجلا حتى لم تقدر أن ترفع نظرها إليه.
فأدرك شفيق مقصودها وقال: لقد فهمت فحوى مقالك، ولكن ذلك كان يجب أن يكون محل اضطرابي لإمكان حصوله إن أخذت بك مطامع الدنيا؛ إذ قد يتهيأ لك من هو أفضل كثيرا مني، وأما أنا فبخلاف ذلك، ولا أقول إني أعظم ثقة فيك مما أنت في، وإنما ذلك شأن الجنس اللطيف.
فقالت: إذا كان جنسنا ضعيف الثقة بكم؛ فذلك لما علمهن إياه الاختبار. والآن ما لنا وللجنسين؟ (وظهرت على وجهها أمارات البشر والانبساط) فقد قلت لك إننا لا نقدر الناس إلا بما فيهم من الصفات الأدبية والشهامة، فإذا كنت مسافرا إلى أوروبا، أفلا تترك لنا تذكارا منك؟!
قال: أترك لك قلبي؛ أما يكفيك؟
قالت: ذلك أكثر مما أستحق، وإنما أريد منك عهدا حسيا يبقى لدي تذكارا لك، وشاهدا لما دار بيننا.
فقال وقد بلغ منه الهيام مبلغا عظيما: ماذا أعطيك وقد وهبتك قلبي وكل عواطفي؟! ثم أمسك بيدها وقال: أعاهدك، يا فدوى، بالشرف والمحبة الطاهرة التي بيننا، أني أحافظ على حبك حتى الموت، وأقف لك نفسي، ولا أرضى بدلا منك قط، فأجابته ولسانها يتلعثم قائلة: وما تذكارك عندي؟ ففتش جيوبه فلم يجد ما يليق بالتذكار فقال: ليس لدي ما يليق بك يا حبيبتي، فقالت: ما القيمة عندنا للذهب والفضة، فأخرج لها زر ذهب من أزرار زنديه منقوشا عليه الحرف الأول من اسمه وأعطاها إياه، فتأملته، ولما رأت فيه ذلك الحرف أعجبها كثيرا، فمدت يدها إلى دبوس ذهبي مرصع كان في صدرها ونزعته وقدمته له قائلة: خذ هذا الدبوس؛ فكلما نظرت إليه تذكرني.
Halaman tidak diketahui