فهم شفيق إلى عزيز وقبله قائلا: إن الله قادر على أن يشفيك، وأنا أعاهدك ألا أعاملك إلا معاملة الأخ؛ إذ قد نسيت كل ما جنيته، وما هي إلا هفوات يرتكبها بنو الإنسان لضعفهم. جل من لا يغلط.
وفيما هم في الحديث جاء الطبيب وفحصه، ثم تبسم، فاستبشر الجميع بزوال الخطر وشكروا الله، ثم قال لهم الطبيب: إن العليل يحتاج إلى الرقاد الآن، فإذا رقد ساعة ينهض معافى، إن شاء الله.
فخرجوا من الغرفة فرحين، وعادوه بعد الغداء فإذا هو جالس في الفراش وعلى وجهه أمارات الصحة، وقد زالت عنه الحمى تماما، وما زال يتقدم نحو الصحة يوما بعد يوم حتى مضت ثلاثة أيام وتعافى نوعا.
فزاره شفيق وهنأه بالسلامة، فقال عزيز: إني لا أستطيع النظر إلى وجهك حتى تؤكد لي صفحك عني. فقبله وأقسم له بالشرف أنه قد صفح عنه وأخلص له، فقبله عزيز ونادى الباشا فحضر، فقبل يده قائلا: إني أكون سعيدا إذا قبلتموني خادما في ركابكم، فقال الباشا: العفو يا ولدي، فقال شفيق: يا عزيزي، إنك ستكون معنا أخا وصديقا. يغفر الله لك. وقد علمت بأمر الصك الذي كتبته لعمي، فهذا لا حاجة لنا به. وها إني أتقدم إلى سعادة الباشا أن يتكرم بإرجاعه إليك؛ لتعيش به، فإنه مالك، وأنت أولى به، وأما نحن فإننا مكتفون بحول الله تعالى.
فصاح عزيز قائلا: كلا، كلا، إني لا أستحق غرشا واحدا من ذلك المال، وحسبي أني بقيت حيا بعد كثرة شقاوتي، فأنا لا آخذ من ذلك المال غرشا واحدا، بل هو حق شرعي لمن يستحقه.
فتبسم شفيق وأخذ الصك من يد الباشا ودفعه إلى عزيز، فلم يرض استلامه، وألح عليه أن يبقيه معه ، وأنه قد تنازل عن أمواله كلها له، لا يريد منها أكثر من سد الرمق، فأبى شفيق ذلك. ولما لم يقبل عزيز أن يستلم الصك هم إليه شفيق ومزقه بين يديه إربا إربا.
فأعجبت جميع الحضور بتلك الشهامة. ولم يكن ذلك إلا ليزيده احتراما في عيونهم، ولا سيما عزيز الذي أصبح أسيرا له طوع ما يريد، ثم قال: سواء أردتم أم لم تريدوا، فلا أقبل بمفارقتكم بعد الآن، وأعد نفسي خادما لكم.
فقال الباشا: إذا أردت البقاء معنا، فتكون ولدا لنا.
وقال شفيق: أنت أخي بعهد الله، والله غفار الذنوب.
أما بخيت، فعاد بعد شفاء عزيز إلى حب الانتقام منه؛ إذ تذكر سابق خياناته، وقد اغتاظ لما رأى شفيقا يمزق الصك، ولكنه سحر بشهامته، ونظر إلى عزيز قائلا: انظر يا عزيز، إنك والله لا تستوجب بحسب شريعتي أقل من القتل والصلب، ولكن شهامة هذا البطل قد عفت عنك، ولو قال لنا اعبدوه لعبدناك؛ لأن أمره مطاع، والأمر له ولسيدي الباشا، ولكنني لا أنسى أعمالك، وذلك الكتاب الذي بعثت به، بل تلك الكتب التي سببت الشقاء لسيدتي، ولكن ...
Halaman tidak diketahui