وهكذا وصل جاسون إلى عمه الملك بيلياس، وكان جالسا فوق عرشه في الساحة العامة وسط حاشيته. فاتجه إليه جاسون مباشرة، وانحنى له في احترام بالغ.
صاح جاسون يقول: «أهلا أيها الملك!» ومد يد اليمنى ليصافح بيلياس، فتألق في إحدى أصابعه خاتم من الياقوت عظيم القيمة. كان أيسون قد خبأه عند خيرون، وأوصاه بأن يعطيه ابنه عندما يبلغ هذا أشده، ليكون دليلا على سلطته الملكية.
أحدق بيلياس نظره إلى الجوهر الملكي فتعرف عليه، غير أن ما أقلقه وبلبل أفكاره، وغرس الخوف في قلبه، هو أنه عندما اتجه ببصره إلى الأرض ألفى جاسون يلبس فردة حذاء واحدة، فتذكر تحذير الوحي، ولكنه أخفى مخاوفه وتظاهر بالترحيب بابن أخيه في ابتسام زائف. ومر يوم بعد يوم، ولم يحاول بيلياس أن يسلم التاج إلى جاسون. وأخيرا ذكره جاسون في جرأة بحق الميراث، وبأنه أصبح الحاكم الشرعي لأيولكوس، وليس بيلياس.
فسأل جاسون عمه بقوله: «متى ستتنازل عن السلطة يا عماه؟»
صمت بيلياس بعض الوقت، يفكر في وسيلة يتخلص بها من هذا الشاب الخطر. لم يجرؤ على أن يقتله؛ لأن مواطني المدينة قد رحبوا بفكرة أن يكون ملكهم ابن أيسون الطيب، بدلا من بيلياس الظالم.
وأخيرا أجاب بيلياس يقول: «يبدو لي، يا ابن أخي أنه لا يليق أن يتحمل شاب عديم التمرين، وغير محنك في أساليب الدنيا وخداعاتها، عبء مثل هذا الحكم العظيم. ألا تعتقد أنه من الأفضل أن تتلمذ أولا على الأخطار والمشاق؟ وبعد ذلك يمكنك أن تصير بحق ملكا حكيما ونبيلا.»
كان جاسون أكثر من متلهف إلى الرحيل للقيام ببعض المغامرات قبل الاضطلاع بأعباء الحكم، فوافقته هذه الفكرة كثيرا، وصاح يقول في لهفة: «حدد لي عملا يبرهن على مقدرتي! سأنجز أي عمل تأمرني به، مهما يكن شاقا!»
ابتسم بيلياديس في نفسه؛ إذ رأى جاسون يسلم إليه نفسه في حماس الشباب الوثاب، فأجاب في رفق: «لا يليق بشاب جريء مثلك إلا عمل واحد: البحث عن الجزة الذهبية. أحضر لي هذا التذكار البراق، وعندئذ أعلم يقينا أنك جدير بأن تحكم على أيولكوس بدلا مني.»
خيل إلى بيلياس أنه سيتخلص من جاسون إلى الأبد بإرساله في هذه المهمة العسيرة. كانت الجزة الذهبية فراء كبش عجيب أهداه ميركوري إلى الملكة نيفالي قبل ذلك بعدة سنوات؛ ليحمل طفليها فريكسوس وهيلي إلى بر الأمان عندما هددهما الموت.
ما إن ركب الطفلان الصغيران ذلك الكبش، حتى ارتفع بهما على الفور في الجو، وأخذ يحلق خلال الهواء بقوة السحر متجها نحو الشرق. غير أنه حدث وهو طائر فوق المضيق الفاصل بين أوروبا وآسيا أن اختل توازن هيلي، فوقع وسمي ذلك المضيق هيليسبونت (ويسمى الآن الدردنيل)، وأنزل الكبش فريكسوس بسلام في كولخيس، حيث استقبله ملكها بالترحاب. وبعد ذلك قدم هذا الغلام ذلك الكبش ذبيحة لجوبيتر، وأعطى الملك جزته الذهبية، فوضعها هذا في مغارة مقدسة، ويقوم بحراستها تنين دائم اليقظة لا يعرف النوم.
Halaman tidak diketahui