كانت أندروميدا تفوق أمها جمالا، وعز على أبيها أن يضحي بها، رغم أن الوحش ينزل إلى الشاطئ يوما بعد يوم، يحدث الدمار بالبلاد، ويفتك بالأهلين ومواشيهم، حتى طفح الكيل. فثار الشعب، واتجهت جموع غفيرة نحو القصر، واقتحمت أبوابه، وصاحت تقول: «ضح بأندروميدا يا كيفيوس، لا بد من التكفير عن ضلالكما!»
إزاء ذلك حدد الملك يوما، تربط فيه أندروميدا بالسلاسل إلى صخرة على الشاطئ انتظارا لمجيء الوحش، كي تخلص البلاد من ذلك الدمار. وفي اليوم المحدد اقتيدت أندروميدا إلى حتفها وهي تبكي، رغم أنها كانت تسير بشجاعة، وبعد أن ربطت إلى الصخرة تركها أهلها وخدمها، والحزن يقطع أفئدتهم؛ لتلقى حتفها على يد ذلك الوحش.
تضرعت أندروميدا إلى الآلهة، وهي تنتظر فوق الشاطئ، أن يأتي حتفها بسرعة. غير أن خلاصها هو الذي كان يسرع إليها عند ذاك، ففي أثناء طيران برسيوس فوق أفريقيا أبصر على الأرض تحته هرجا ومرجا عظيمين، فانقض منخفضا، فشاهد من كثب فتاة جميلة مربوطة بالسلاسل إلى صخرة، فهبط إلى الأرض عند قدميها مباشرة، وخلع قبعة بلوتو؛ كي تستطيع الفتاة رؤيته. فلما رأت شبحا يظهر أمامها فجأة، ارتعدت ولكنه طمأنها وسألها عن خبرها، وعن سبب ربطها بالسلاسل إلى تلك الصخرة. فما إن سمع قصتها حتى اجتاحته رغبة ملحة لينقذها، وانتظر كلاهما مجيء الوحش في سكون.
وفجأة انشقت المياه عن جبال من الزبد، وخرج من وسطها وحش في ضخامة الحوت، شق طريقه مباشرة نحو الصخرة التي ربطت إليها أندروميدا. بيد أنه وجد شابا يمتشق سلاحا براقا يقف في طريقه، فانتحى الوحش جانبا لينقض على برسيوس، ويسحق عظامه بين فكيه الضخمين بمضغة واحدة، ولكنه قبل أن يهم بذلك تلقى طعنة نجلاء في قلبه، جعلت الدم يتدفق منه في نوافير عظيمة، ويصبغ الماء بلون قرمزي في كل ناحية، وعندما استدار الوحش ليبحث ثانية عن برسيوس أصابته ضربة أخرى من أعلى. وعبثا حاول الوحش الهجوم على هذا البطل المجنح، فصار يتلقى الضربة تلو الضربة، حتى خارت قواه فمات، وطفت جثته الضخمة فوق الأمواج.
شاهد الأثيوبيون المعركة، وهم واقفون على مسافة بعيدة، فأقبلوا مبتهجين، وخلصوا أندروميدا من الصخرة. ولما طلب برسيوس يد أندروميدا، وافق أبواها مسرورين على زواجهما، غير أن عمها فينيوس كان قد وعد بها منذ مدة، فجاء يطلبها الآن رغم أنه لم يحرك ساكنا؛ لتخليصها من ذلك الخطر القاتل. فلم يهتم والداها بطلبه، إلا أنه ظهر فجأة عند وليمة العرس، ومعه جيش ضخم من الأتباع، وحاول خطفها بالقوة. ولما بدا أن برسيوس سيهزم أخرج هذا رأس ميدوسا بسرعة، فتحول فينيوس وأتباعه إلى حجارة.
عودة برسيوس
زود كيفيوس برسيوس وزوجته بسفينة جميلة انطلقت بهما نحو الجزيرة التي تقيم فيها داناي، فوجد برسيوس أن أمه اضطرت إلى الالتجاء إلى معبد للآلهة؛ فرارا من مغازلات بوليدكتيس الذي حاول تجويعها كي تخضع إليه. فلما علم بوليدكتيس بعودة برسيوس جمع جيشا هاجمه به، ولكن برسيوس أظهر رأس ميدوسا مرة ثانية، فحول أعداءه إلى أحجار، وهكذا أطلق سراح أمه، وأقام شقيق بوليدكتيس ملكا على الجزيرة، وأعاد إلى الشقيقات الثلاث ذوات الشعر الأشيب الأشياء التي استعارها منهن. وقدم رأس ميدوسا إلى مينيرفا، ومنذ ذلك الحين تضع هذه الربة رأس الجورجونة على درعها المعروفة بالأيجيس.
بقي لنا من قصة برسيوس أن نوضح الكيفية التي قتل بها جده أكريسيوس، محققا بذلك نبوءة وحي الآلهة. والآن رغم الطريقة التي عامل أكريسيوس ابنته داناي، فإنها ما زالت تحبه. وبما أن برسيوس رغب أيضا في رؤية جده، أبحر الاثنان لزيارته في السفينة التي أهداهما إياها كيفيوس.
علم أكريسيوس أن ابنته داناي وحفيده لم يموتا وما برحا على قيد الحياة، وأنهما في طريقهما إليه لزيارته. فامتلأ خوفا؛ خشية أن تتحقق نبوءة الوحي أخيرا، فأسرع بمغادرة البلاد. ولما وصل برسيوس وأمه إلى أرجوس وسألا عن الملك، لم يعرف أحد إلى أين ذهب.
أراد برسيوس أن يقطع الوقت ريثما يعود جده، فعزم على مشاهدة مباراة في الألعاب الرياضية في دولة مجاورة. واشترك هو نفسه هناك في كثير من المباريات، ونال عدة جوائز. لم يعرفه أحد، وأعجب الجميع ببراعته وكفاءته وقوته، وقبيل نهاية المباريات أقيمت مباراة قذف الجلة، فتقدم برسيوس؛ ليختبر مهارته في تلك اللعبة، ولكنه عندما رفع القرص الحجري الثقيل، وهم بقذفه، انزلق من يده وطاش جانبا، فقتل رجلا عجوزا جاء ليشاهد المباريات. وعلم من أتباع ذلك الرجل أنه أكريسيوس ملك أرجوس الذي لقي حتفه المقدر له رغم فراره منه.
Halaman tidak diketahui