صاحت دافني تقول: «ساعدني يا أبت! أنقذني من أبولو!»
سمع بينيوس تضرع ابنته دافني، ونظرا لضيق الوقت لجأ إلى طريقة عاجلة؛ لينقذ بها ابنته. فما إن انتهت دافني من كلامها، حتى بدأت تتحول. وفي تلك اللحظة عينها، كان أبولو قد أدركها وطوقها بذراعيه، فإذا به يجد أنه يطوق شجرة غار جميلة، وليس الحورية دافني، وحتى وهي على هذه الصورة، ما فتئ يحبها. وهكذا صارت شجرة الغار هي الشجرة المحببة إلى أبولو أكثر من غيرها. ومنذ ذلك الوقت يتوج كل من يكسب عطف أبولو بأكاليل من أغصان الغار وأوراقه، ولا سيما الشعراء، الذين اعتبروا دائما أن إكليل الغار دليل شرف خاص.
أبولو وكلوتي
كان موضوع كلوتي عكس موضوع دافني تماما. فكان أبولو هو صاحب العاطفة الباردة نحو حب هذه الحورية التي كانت إحدى بنات أوقيانوس.
أبدت كلوتي غرامها بذلك الإله في خفر وخجل، ولكنه كان يصدها دائما، ويزيد عدم اهتمامه بها؛ ولذلك بدأت تذوي. كان كل تفكيرها في إله الشمس، وكل نظرها يتجه نحوه، أهملت نفسها، لا تتناول طعاما ولا شرابا، ولا تهتم بملبسها ولا بمنظرها، وعلى ذلك ماتت بعد فترة وجيزة، وحتى وهي ميتة ظلت على وفائها لمعبودها. فانغرست أعضاؤها في الأرض، وتحول جسمها إلى جذع رفيع، وغدا رأسها زهرة تختلف عن سائر الأزهار. يتحرك رأس كلوتي فوق عوده متجها دائما نحو الشمس، ينظر إلى الشرق صباحا، وإلى جهة الغرب مساء؛ إذ صارت كلوتي زهرة عباد الشمس التي تتجه نحو إلهها عندما يغرب.
وبنفس هذه النظرة عندما يشرق.
إيخو وناركيسوس
إيخو حورية جبل فاتنة من أشهر الحوريات، ومن أقرب المقربات إلى ديانا، كما أولعت بها جونو أيضا، ولكن ذات يوم وجدت جونو أن إيخو أخرتها عمدا بحديثها الحلو، بينما كان جوبيتر يلهو مع حوريات أخريات. فغضبت جونو وعاقبت إيخو بأن سلبتها كل قوة لأن تبدأ الكلام، لا تستطيع إيخو إلا أن تجيب عندما يخاطبها شخص ما.
ضايق هذا العقاب إيخو أي مضايقة، حتى تصادف مرور شاب جميل اسمه ناركيسوس في الغابة التي بها إيخو، فأحبته إيخو بمجرد أن أبصرته، ولكنه عندما تحدث إليها، كان كل ما أمكنها قوله هي أن تكرر ألفاظه، فظنها تسخر منه، وعمل كل ما في وسعه؛ لكي يتجنبها. غير أن إيخو كانت تتبعه أينما سار، وحيثما توجه، لم يمكنها الرد على تأنيب ناركيسوس إلا بتكرار الألفاظ التي ينطق بها. وإذ يئست إيخو أخذت تذوي حتى صارت مجرد صوت فحسب، صوت يؤم الكهوف والصخور والأماكن المنعزلة والمهجورة، حيث تكرر كل ما تسمعه.
ومع ذلك، فلم ينفر ناركيسوس من إيخو وحدها، بل نفر من سائر الحوريات الأخريات؛ إذ ركب الغرور رأسه، فكان يعتقد أنه ما من فتاة تصلح له مهما بلغت من الحسن والملاحة. وأخيرا تمنت إحدى العذارى أن يعرف ناركيسوس معنى أن يحب ولا يقابل بحب متبادل. فمنحت هذه الفتاة أمنيتها بطريقة بالغة الغرابة، فذات يوم انحنى ناركيسوس على بركة ماء عذب في الجبل؛ لينهل من مائها البارد الرائق، فلمح صورة وجهه في مائها بين الأمواج، فظنها حورية ماء خجلى تتدارى من نظراته الغرامية. فأخذ يتحدث إليها ويبثها لواعج غرامه، وأخيرا مد يديه ليعانقها، ولكن عبثا حاول، ومثلما حدث لإيخو ذوى هو أيضا ومات. فخرجت من جسمه زهرة ما زالت تحمل اسمه، هي زهرة النرجس.
Halaman tidak diketahui