أولع الأغارقة بالمباريات، وأعجبوا بالبسالة الرياضية أيما إعجاب. فبعد أن قتل أبولو التنين بوثون، أقاموا الألعاب البوثية، وصاروا يقيمونها في فترات منتظمة في مدينة دلفي؛ تكريما لذلك الإله، وتخليدا لذكرى انتصاره على التنين العملاق. والألعاب الأكثر أهمية من هذه هي الألعاب الأوليمبية، التي كانوا يقيمونها تكريما لجوبيتر كل أربع سنوات؛ فقد اهتم الإغريق اهتماما بالغا بهذه الألعاب، حتى إنهم صاروا يحسبون تقويمهم بناء عليها، فيقولون إن ذلك الحادث وقع في الأوليمبياد (أي فترة أربع سنوات بين احتفالي ألعاب متعاقبين) السابع أو في الأوليمبياد التاسع والسبعين، كذلك احتفلوا بالألعاب النيمية تكريما لجوبيتر أيضا.
وفي هذه الألعاب وغيرها من الألعاب الأخرى، كان الأغارقة، الذين يحارب بعضهم البعض الآخر، يشتركون معا فيها بروح الود والصداقة، يتبارون في إخاء، ويقدمون فروض الطاعة للآلهة مجتمعين معا. فيخصصون يوما لتقديم الذبائح والمواكب، وبعده تأتي ثلاثة أيام للمباريات، ومنها: سباق الجري الذي تختلف أشواطه ما بين مائتي ياردة إلى ثلاثة أميال، ومباريات الألعاب الخمس، وتشمل خمسة أنواع من المهارات، وقذف الجلة، وقذف الرمح، والعدو، والقفز والمصارعة، وسباق العربات المصحوب بكثير من الإثارة، والذي كثيرا ما تغنى بوصفه الشعراء، والملاكمة وأشواط المصارعة. وإلى جانب هذه الألعاب يتبارى الشعراء والموسيقيون. وفي اليوم الأخير من العيد، تمنح الجوائز للفائزين، وهي عبارة عن أكاليل جميلة تختلف تبعا للإله صاحب العيد. وكانت أكاليل الألعاب الأوليمبية من أغصان الزيتون، وأكاليل الألعاب البوثية من أغصان الغار، وأكاليل الألعاب النيمية من المقدونس.
وعقب الألعاب تقدم ذبائح جديدة، ويقام الكثير من الولائم، ويكرم الفائزون في شتى المباريات تكريما عظيما. ليس عندئذ فحسب، بل وبعد انصراف الحشود أيضا. وينظم الشعراء القصائد عنهم، ويصورهم النحاتون بتماثيل من البرنز وأخرى من الرخام. كما تحتفل بهم مدنهم عند عودتهم إليها، فتستقبلهم الوفود بالترحيب والتهليل، وتنشد أناشيد الكوروس. هذا ويمنح اللاعب الذي يفوز في ثلاثة أعياد أوليمبية، شرف إقامة تمثاله في العراء أمام معبد جوبيتر.
الباب السادس
قصص ديانا
قصة إنديميون
كانت ديانا، ربة القمر، باردة العاطفة ومنطوية على نفسها، كالفلك الذي تحكم عليه. واعتبرت بنوع خاص حامية العذراوية المتزمتة. وكان يطاردها في بعض الأحيان، قليل من العشاق، ولكنها لم تستسلم إليهم إطلاقا، وأعدت لبعضهم مصيرا قاسيا. غير أنها أحبت ذات مرة، أحبت إنديميون.
كان إنديميون هذا راعيا شابا، يرعى قطعان أغنامه على المنحدرات الخضراء لجبل لاتموس. وكان شابا رائع الجمال، ونبيل الأخلاق، حتى إن أهل المنطقة التي يعيش فيها نظروا إليه والرهبة تملأ قلوبهم، وقالوا إنه لا بد أن يكون ابن جوبيتر. وفي إحدى أمسيات الصيف، بعد أن رعى أغنامه، رقد تحت شجرة بلوط، واستغرق في نوم عميق، بينما كان الكون في ظلام دامس لا ينيره سوى ضوء النجوم، ولكن بعد فترة وجيزة، بينما كانت ديانا تقود عربتها الفضية عبر السماء، أنارت الجبل والوادي. وكانت تسوق جيادها الناصعة البياض في بطء. وبينما هي تسوقها، نظرت إلى الأرض تحتها، فإذا ببصرها يقع على إنديميون النائم، وفجأة تغلغل في قلبها حب ذلك الصبي الراعي الوسيم.
رنت إليه ديانا، وقد تملكها ارتباك. وكان يسرها أن توقظه فتبثه غرامها، ولكنها لم تجرؤ على أن تفعل ذلك؛ لأنها كثيرا ما نهرت الآلهة الآخرين على إعجابهم بالبشر. وطالما افتخرت بأنها هي نفسها ذات مناعة ضد مثل ذلك الضعف، وبأنها ربة العذراوية اللامتغيرة، فكيف وقعت هي الآن في الحب؟
وعلى هذا، تسللت من عربتها خلسة، وجلست إلى جانب إنديميون، وقبلته برفق لئلا توقظه. وأضفت على نومه أحلاما لذيذة، كثيرا ما يتخللها شبح ربة القمر يخطر أمامه، فيتنهد إنديميون في نومه سعيدا، وهكذا كانت ديانا تقضي الليلة بعد الليلة.
Halaman tidak diketahui