وبالطبع لم يقنع جوبيتر بنتيجة خطته هذه، لقد تأكد من إصابة البشر بأضرار وهموم كثيرة، ولكن بروميثيوس ما زال بغير عقاب. فأمر عملاقين بأن يقبضا عليه، كما أمر فولكان الذي أطاعه على مضض بأن يشد وثاق بروميثيوس إلى صخرة عاتية في جبال القوقاز. ترك بروميثيوس هناك، حيث يأتي نسر ضخم (ويقول البعض إنه طائر جارح آخر)، فينهش بالنهار جزءا من جسمه، وفي كل ليلة ينمو ذلك الجزء، فيغدو جسمه كاملا كما كان.
قال له جوبيتر بلهجة الأمر: «اخضع لي أطلق سراحك.»
ولكن بروميثيوس لم يخضع قط لجوبيتر، ولم يتنازل عن حبه للبشر وولائه لهم. وزيادة على ذلك نظر إلى المستقبل، فرأى أنه سيأتي إليه في يوم ما من يخلصه، وسيكون ذلك المخلص من ذرية جوبيتر نفسه. كما رأى أيضا أن جوبيتر سيهزم في يوم آخر، وأن الإله المنتصر، وهو الإله الحقيقي سيثبت حاكما على الكون؛ ولذا تحمل آلامه في صبر دون أن يتملل.
وفي تلك الأثناء، قرر جوبيتر أن يتخلص من البشر جميعا بطوفان عظيم. فحذر بروميثيوس ابنه ديوكاليون من مجيء هذا الطوفان، فاختبأ الابن مع زوجته «بيرها» فوق جبل بارناسوس، فلما غمرت الفيضانات المائجة الأرض وجميع سكانها، نجا هذان الزوجان؛ لأن جوبيتر أشفق عليهما على الأقل، وتذكر حياتهما التي لا غبار عليها.
عندما انحسرت المياه لجأ ديوكاليون وبيرها إلى معبد للآلهة، حيث كلمهما صوت خفي غامض قائلا: «أعيدوا تعمير الأرض بالسكان من عظام أمكما.» ففسر ديوكاليون هذا القول بأنه يعني الحجارة، فغطى هو وامرأته رأسيهما، وأخذا يرميان الحجارة خلف ظهريهما وهما سائران. فالحجارة التي رماها ديوكاليون صارت رجالا، والتي رمتها زوجته صارت نساء. فكان هؤلاء تبعا للأساطير القديمة، أسلاف جميع سكان الأرض اليوم. وصار ديوكاليون ملكا على أولئك القوم، فعلمهم كثيرا من الفنون النافعة.
الباب الثاني
آلهة السماء على جبل أوليمبوس
هناك سلسلة جبال في الجزء الشمالي من بلاد الإغريق تفصل بين منطقتي مقدونيا وتساليا. وعلى الطرف الشرقي من سلسلة الجبال هذه يقع جبل أوليمبوس البالغ ارتفاعه عشرة آلاف قدم، وتكسو الثلوج قمته باستمرار. ويعتقد قدامى الإغريق أن جوبيتر حارب قوة كرونوس على هذا الجبل. ولما استقر الحكم لجوبيتر صار يعقد اجتماع بلاطه على هذا الجبل. وكان يرأس مجالس الآلهة، ويسكن قصرا فخما بقربه قصور الآلهة الهامة الآخرين، كانوا يأتون إلى جوبيتر كل يوم، ويجلسون حوله في اجتماع يتصف بالجدية، وأحيانا يرقص الآلهة الصغار أمامه، ويسلونه بأغانيهم. كان طعامهم الأمبروسيا وشرابهم النكتار (الرحيق). وكان يفصلهم عن نظر البشر من السحب تحرس بابه الساعات.
يعتقد أن بعض الآلهة الآخرين يقيمون في ذلك البيت السماوي، كما كان المعتقد أن بعض الآلهة كانوا آلهة الطبيعة أو الأرض نفسها، والبعض الآخر آلهة العالم السفلي. وسنتكلم عن كل مجموعة من مجموعات الآلهة الثلاث هذه، كل بدورها.
جوبيتر وجونو وفيستا
Halaman tidak diketahui