Artimis Tinggalkan Bulan
أرتيميس تركت القمر
Genre-genre
ربما عرف أيضا عبد الله أن رحلتنا قد انتهت؛ فقد ذهبت إليه فأخبرها العم نصر الدجاجة أنه سافر لأوروبا، الجميع يتنكر للجميع ليحافظ على مساحة ضيقة تسع لقدميه، يطرد كل من يحاول التعدي على تلك المساحة، لا ألوم عليه؛ فهذا ما فعلته بالضبط، طردت كل دخيل في مساحتي الضيقة لأجد نفسي؛ لأشفى، ومن ستبقى فعليها معرفة ما تريد، ومن تريد، أما الآن فكل المتاح تعلوه سحابة رمادية تنذر بالمطر ولا تمطر أبدا، الآن أريد أن أشفى. - متى انتقلتم لبيت الدقي؟ - ... لا أذكر ... لا أذكر. - ما أول ما تتذكرينه في هذا البيت إذن؟ - لا أعرف حقا، لا أذكر الترتيب، أذكر الصياح والصراخ، أذكر البكاء، أذكر خضوعها وخنوعها وأمها. - أين كنتم قبل الذهاب لهذا البيت؟ - يقول أعمامي إننا كنا في بيت العائلة بجوار قصر الخديوي بعابدين؛ فقد كان جدي من حاشيته. - أعرف عمك جيدا، عبد الرحمن باشا خطاب. - هل ما زالت الألقاب سارية؟ ظننت أنها ألغيت بعد الثورة، لا أظنها عادت مرة أخرى بعد ست سنوات، وبالمناسبة هو عمها وليس عمي [قالتها مبتسمة]. - عمك من رجال الصناعة الوطنية، وما زال الضباط ينادونه بلقبه إن كنت لا تعلمين، هل لديك أي اعتراض أن أتحدث معه؟ - لا أعرف، افعل أي شيء دكتور وخلصني من هذا الأمر. - حسنا أمل، سأفعل.
جلسة جديدة تنتهي وأمل أقرب للشفاء برغبتها، كانت أيضا أقل حدة مع قرينتها، أمل الأخرى، سارت بمحاذاة البحر، طريق تود ألا ينتهي أبدا، كانت تفكر في الدوران حول البحر، حتى تصل لإسبانيا، ثم تعبر المضيق وتعود للإسكندرية مرة أخرى، هل تثق حقا في الدكتور أحمد؟ لا تعرف، لا تثق، لكنه الملاذ الوحيد، ما زال يطلق الألقاب، عمها الباشا، وجدها أيضا، لم تكن السياسة من اهتماماتها، قامت حروب وثورات وتغيرت الأنظمة ولم تر من كل ذلك سوى موجة فنية يسجلها التاريخ، الحداثة القهرية، تغزو المدن والريف، المرأة تودع بؤسها المعتاد لتغزو عوالم جديدة من البؤس الذي لم تعتده بعد، تحدثت كثيرا مع طلابها عن دوافع الإبداع، كانوا يكررون ما في المراجع، وهي دائما تقول لهم: «الإبداع هو قول ما لا يقال.» فإن قيل فالإبداع تأكيد وتكرار، وليس كل مكرر رتيبا، وليس كل فريد مميزا، الرغبة والخوف، العشق والخوف، التمرد والخوف، الثورة والخوف، الخوف والخوف، الخوف دائما يحيط بالإبداع، يغلفه، الخوف من الرفض، الخوف من الفكرة، أسباب كافية لظهور الرمزية، الخوف من التصريح.
النحت، عشقها الأبدي، محراب قاس، أحجار صلبة ورخوة، خشنة وناعمة، وأزاميل حادة، الصبر في النحت، الهروب في النحت، كم جرح أصاب يد أنجلو وهو ينحت ذكر ديفيد! كم سال من الدماء والعرق على فخذ التمثال! هل خرج ماء ديفيد من ذكره ليطهر جروح أنجلو؟ تنظر لكفها تبحث عن جرحها، بيدها، بيد ديفيد، عبد الله، رحلت عنه أم رحل عنها؟ لا تعرف، لكن الجرح اندمل، بعض دماه في عروقها ملح، وبعض دماها في عروقه سم، هل ستنساه؟ هل ستقابل غيره؟ هل سيرويها غير ديفيد؟ غزاها الخوف مرة أخرى، الخوف من الأسئلة، والخوف من الأجوبة، لكن جسور الهروب هدمتها يوم ودعته، لم يعد لديها سوى الاستسلام للمواجهة، مواجهة أكبر مخاوفها، مواجهة الحقيقة التي لا تتذكرها. •••
توقف الدكتور أحمد عن الحديث، ونظرات الجميع معلقة بوجهه، تحاول دفعه للاستمرار في الحديث، استمرت ملاحقة أعينهم له لحظات، بدت لهم ساعات، حتى تحدثت «أمينة المنسترلي» بعربيتها المطعمة بالفرنسية. - نعلم أن الوقت تأخر، دكتور أحمد، ونقدر أنك تعبت، لكن لا أظن أننا سنتركك قبل أن نعرف ماذا حدث ل «أمل»، سأعد بعض الشاي والفطائر المحلاة ونتبادل الحوار قليلا قبل أن تكمل لنا.
ابتسم الدكتور «أحمد» موافقا، لم ينس حرفا نطقته الدكتورة «أمل»، ولم يمل أبدا من تذكر تلك الحالة الفريدة، ويتابع انطباعات الأصدقاء بمنزل «أمينة»، التي لا تنتهي لقاءاتهم بمنزلها إلا وقد اشترى أحدهم عقارا منها أو استأجره، تابعها بعينيه صامتا مبتسما، تحول كل شيء لنقود، وتحول كل النقود لعقارات، ثم تؤجرها أو تبيعها لتعيد الكرة كما بدأتها، لذلك لا يجتمع الأصدقاء بدون «عادل صديق» المحامي الشهير، والشاعر المتميز، كان أبوه يقول دائما: «أبناء العائلات لا ينظمون الشعر وإن استدلوا به.» ولم يثن على شعر «عادل» حتى غنت السيدة أم كلثوم إحدى قصائده الوطنية، لم يكن ثناء «محمد باشا صديق» لجمال القصيدة، بل لأنها كانت سببا في إنقاذ أملاك العائلة من التأميم الذي التهم بعض العائلات الأخرى.
قطعت صمت الجميع الصحفية «فريدة النعمان» ابنة فارس الصحافة «صلاح النعمان»، وبرغم كونها الأصغر سنا، فإنها كانت ذكية وصاحبة حضور يليق بصاحبة واحدة من كبريات المؤسسات الصحفية. - دكتور أحمد، هل عالجت عبد الله أيضا؟ - لا، دكتور عبد الله لم يطلب العلاج. - هل يحتاج إليه؟ - ومن لا يحتاج للعلاج؟! [قالها مبتسما] الحديث البسيط عن أحلامنا وأوجاعنا ومخاوفنا هو علاج وقائي. - لا، أقصد هل توجد ضرورة لعلاجه؟ هل هو خطر؟ - لا، لا، لم تظهر عليه أي مؤشرات خطرة، ربما يحتاج مثلنا جميعا للحديث.
ابتسم الجميع وقام الفنان التشكيلي «سعيد غالب» لمساعدة «أمينة» في إحضار الفطائر والشاي، و«سعيد» هو من يساعد «أمينة» في عمل الديكورات الخاصة بعقاراتها وتجهيزها للإيجار، أما باقي الحضور فهم يتغيرون دائما؛ فهم زبائن «أمينة». وبرغم تنوع الأحاديث في لقاءاتها ما بين السياسة والفن والموضة، فإن جميع الأحاديث ممتعة وجميع اللقاءات تنتهي بصفقة مرضية لها ولجميع شركائها، لكن حديث اليوم كان مختلفا، وتنوعت الآراء رغم أن الدكتور «أحمد» لم يكمل روايته، البعض تعاطف مع «أمل» وكال الاتهامات ل «عبد الله» والبعض تمنى مقابلة «عبد الله» والبعض يظن أنها قصة من خيال الطبيب العجوز لتسليتهم.
بادرت «أمينة» كعادتها بعد أن استقر الجميع يرتشفون الشاي ويتناولون الفطائر المحلاة: «هل قابلت عمها فعلا دكتور أحمد؟» - بالطبع قابلته، لم يكن لدي بد سوى السعي خلف معرفة ما حدث لأمل وما سر انتقالهم من سراي العائلة لمنزل الدقي، كنت أعتقد أنني سأجد الكثير من المعلومات لدى «عبد الرحيم باشا»، فقط إن رغب في الحديث وإطلاعي عليها، لا أدعي أنني أعرفه جيدا؛ فقد قابلته في ثلاثين عاما مرات معدودة، ولا أذكر أن كان بيننا أي نوع من الاستلطاف؛ فهو يراني طبيبا للمجانين، لا أعالج أحدا، بل أزيدهم جنونا، وغير انتقاده لي، لم أسمعه يتكلم بشغف إلا عن أثواب النسيج، والماكينات العملاقة، ومشاكل العمال، لكن كنت على استعداد للمغامرة، ومحاولة دفعه للحديث.
سراي خطاب باشا، لم تتغير اللافتة النحاسية اللامعة المزججة، لم يتغير شكل الخدم، ملابسهم المتنوعة، عبيد عتقوا بالقانون، لكنهم لم يطلبوا هذا العتق الذي فرضه عليهم القانون؛ وبالتالي لم ينفذوا القانون، حديقة متوسطة بها طريق للسيارة يصل بها مرتفعا لباب البيت الضخم حيث تركت سيارتي لينحدر بها إلى الطريق الموازي، الذي يصل لحظيرة السيارات حيث أخذها السائق الواقف بالباب في انتظاري، وبوابة الخروج.
البيت من الداخل أصغر من قصر عابدين، لكنه لا يقل فخامة عنه بأثاثه الفرنسي، وحلياته النادرة الطراز، والبديعة الهيئة، قادني من بهو السراي إلى صالون جانبي أحد الخدم بملابسه التركية المميزة، أغلق الباب بعد أن جلست، وقال إنه سيبلغ الباشا، قمت أتأمل لوحات مرسومة ومصورة للعائلة، الملابس الرسمية المرصعة بالنياشين، الزوجات والأمهات، والأطفال، الجميع بملابسهم الرسمية، توقفت عند صورة دكتور إسماعيل وزوجته، كاميليا، وتحمل طفلا بيديها، لا بد أنها أمل، أعرف دكتور إسماعيل، وأعرف أمل التي لا تكاد تظهر ملامحها في الصورة، لكنها المرة الأولى التي أرى فيها كاميليا، كانت تفوق أمل جمالا وإشراقا، تبدو فرنسية، لم تكن طويلة القامة، لكنها متناسقة القوام، تشبه نجوم المسرح والسينما، ثابتة الابتسامة تكاد تشع بهاء من الصورة، ما الذي حدث لتلك الأسرة؟ كيف تحولت كاميليا لما هي فيه الآن؟ أسئلة كثيرة أعيد ترتيبها برأسي، وأنا أتحرك ببصري عبر العائلة حتى توقفت عند أم إسماعيل، جدة أمل، لم أرها الملاك الحارس كما وصفتها أمل، كانت تبدو قوية، حادة النظرة، مرسومة الابتسامة، كانت جميلة، جمالا مهيبا وليس مبهجا، قطعني صوت عبد الرحيم باشا من خلفي: «هذه أمي، ثريا هانم السلحدار.»
Halaman tidak diketahui