مقالات موقع الدرر السنية
مقالات موقع الدرر السنية
Penerbit
موقع الدرر السنية dorar.net
Genre-genre
١ - ألا تكون المناظرة لأهل البدع عبثًا وتضييعًا للوقت، وإظهارًا للقدرة على قوة الحجة، والتفوق في العلوم، كما كان يحصل كثيرًا في مجالس الخلفاء، ولكن لا بد أن تكون في مقام تمييز حق من باطل، وصدع بالسنة وبطريقة السلف في مواجهة الزحف البدعي الظالم فهذا من الجهاد المشروع في سبيل الله باللسان والبيان، وهو قسيم الجهاد في سبيل الله بالسلاح والسنان، ولما كان المجاهد في سبيل الله موعودًا بالنصر بالظفر أو الشهادة فإن المجاهد باللسان لا بد أن يكون كذلك إذا اتقى الله ما استطاع، وكان له من العلم ما يؤهله لخوض غمار معركة المبتدعة بالحجة؛ إذ الحجة في جهاد اللسان تقابل القوة في جهاد الطِّعان، فمن كانت هذه حاله فإنه إذا ناظر المبتدع لم يكن إلا قد قام بواجب الدين عليه، والله تعالى أكرم من أن يضيع من هذه حاله في دينه ونفسه، بل يحميه من البدعة ومن أن يقر ذلك في قلبه، أو أن يكون سببًا مفضيًا به إلى الزيغ والبدعة.
٢ - ألا تكون المناظرة هدفًا لذاتها بحيث يظن أنها سبيل صحيح لتحصيل العلم، ويحصل بسبب ذلك التوسع والمسامحة في مخالطة المبتدعة فهذا مذموم أيضًا، كما ورد في ترجمة الإمام العلامة المتفنن أبو الوفاء ابن عقيل (ت ٥١٣هـ) أنه قال عن نفسه: (وكان أصحابنا الحنابلة يريدون مني هجران جماعة من العلماء، وكان ذلك يحرمني علمًا نافعًا) [ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب ١/ ١٢٦، والمنتظم لابن الجوزي ٩/ ٢١٣، وسير أعلام النبلاء ١٩/ ٤٤٧].، قال الذهبي معلقًا: (قلتُ: كانوا ينهونه عن مجالسة المبتدعة، ويأبى حتى وقع في حبائلهم، وتجسَّر على تأويل النصوص، نسأل الله السلامة) [سير أعلام النبلاء ١٩/ ٤٤٧].
٣ - وكذا يُذَم البحث والنظر -فضلًا عن الجدال والمناظرة- إذا كان هذا الباحث متشككًا متحيرًا متهوِّكًا؛ فهذا يجب عليه أن يطلب الهدى من مظانه لا أن يخرج للبيداء يلتمس السُقيا.
قال شيخ الإسلام: (وقد ينهون عن المجادلة والمناظرة إذا كان المناظر ضعيف العلم بالحجة وجواب الشبهة، فيُخاف عليه أن يُفسده ذلك المضل، كما يُنهى الضعيف في المقاتلة أن يقاتل علجًا قويًا من علوج الكفار؛ فإن ذلك يضره ويضر المسلمين بلا منفعة، وقد يُنهى عنها إذا كان المناظر معاندًا يظهر له الحق فلا يقبله، والمقصود أنهم نهوا عن المناظرة مَنْ لا يقوم بواجبها، أو مع من لا يكون في مناظرته مصلحة راجحة، أو فيها مفسدة راجحة، فهذه أمور عارضة تختلف باختلاف الأحوال، وأما جنس المناظرة بالحق فقد تكون واجبة تارة، ومستحبة أخرى، وفي الجملة جنس المناظرة والمجادلة فيها محمود ومذموم ومفسدة ومصلحة وحق وباطل) [درء تعارض العقل والنقل: ج٧/ ١٧٢ - ١٧٤].
٤ - ومن المناسب أن تُتبع هذه المناظرات في حالة إذاعتها في تلفاز ونحوه ببرامج هادفة يكون المتحدث فيها من أهل السنة ليغسل في برنامجه أوضار المناظرة، ويجيب فيها عن الإشكالات التي قد ذكرت ولم يسع الوقت لنقاشها.
٥ - الأصل في المناظرات العلنية ألا يُقدم عليها إلا أن يتضح وجه المصلحة فيها بحيث يكون عظيمًا ظاهرًا، ويكون خوف الضرر والمفسدة فيها قليلًا؛ بحيث يغلب هذا على الظن.
٦ - يجب الحذر من كون المناظرة داعية للمبتدع في الإيغال في بدعته.
٧ - ومن المهم أن يراعى ألا يكون المناظر هو سبب تبغيض الحق إلى الطرف المقابل بالبغي عليه بالقول أو الفعل، أو بسوء خلق، أو بضعف حجة، فليست دعوى المدعي أنه من أهل الحق بعذر له في عدم إظهار البراهين، قال الإمام ابن القيم: (ما كل من وجد شيئًا وعلمه وتيقنه أَحْسَنَ أن يستدلَّ عليه ويقرره ويدفع الشبه القادحة فيه، فهذا لون، ووجوده لون) [مدارج السالكين: ج٣/ ٤٨٦].، وقد قال بشر المريسي للإمام الشافعي ﵀: (إذا رأيتني أناظر إنسانًا وقد علا صوتي عليه فاعلم أني ظالم، وإنما أرفع صوتي عليه لذلك) [مناقب الشافعي، للبيهقي: ج١/ ١٩٩].، وعلى كل حال فالأكمل للمناظر أن يكون قاصدًا لإيصال الحق إلى الطرف الآخر الذي يناظره متلطفًا في ذلك، فإن أهل السنة يعلمون الحق ويرحمون الخلق كما سبق.
ومن وسائل المناظرة والمجادلة ما يتلطف به إلى إيصال الحق إلى الخصم شيئًا فشيئًا حتى يتشربه، وقد يفتح الله على قلبه فيتبعه، فيكون لهذا المناظر أجر هداية المبتدع، ولو لم يعلم الناس أو المبتدع نفسه بذلك، ولكن قد علم ذلك وأثبته في صحائفه اللطيف الخبير ﷾.
1 / 287