فشكر لها ومضى. أما هي فأخذت الحق، وهو صندوق رأت فيه قطعة ثمينة من الحلي على مثال النسر، مرصعة بالحجارة الكريمة من الماس والزمرد والياقوت، بديعة الصنعة، وإلى جانب النسر رق محلى بالذهب مكتوب باللاتينية، وفي صدره صورة النسر الروماني، فعلمت أنه من قسطنطين، فدخلت على سيدتها والنسر بيد والرق باليد الأخرى، وكانت أرمانوسة جالسة على مقعد في صدر الغرفة وقد أطرقت إلى الأرض تنتظر عودة بربارة، فلما رأتها داخلة والرق في يدها ظنتها تحمل كتابا من أركاديوس، فنهضت وهمت بتناول الكتاب منها في لهفة، ولكنها ما لبثت أن رمت به إلى الأرض وقد استحالت لهفتها إلى انقباض وقالت: «ما الذي جئت به؟ وما هذا الذي بيدك؟» قالت: «ألم تقرئي الكتاب يا سيدتي؟»
قالت: «لم أقرأه، ولا أريد أن أقرأه؛ لأنه مذيل باسم الذي تكرهه نفسي.»
قالت: «اقرئيه لعل فيه خيرا.» قالت ذلك وتناولت الرق ودفعته إليها، فأخذت أرمانوسة تقرؤه فإذا ترجمته:
بسم الآب والابن والروح القدس
من قسطنطين ابن الإمبراطور هرقل ملك الملوك إلى عروسنا أرمانوسة الحبيبة
قد أرسلنا إليك مع عزيزنا يوقنا نسرا رومانيا مرصعا، ووكلت إليه أن يأتي بك إلينا، وكتبت أيضا إلى أبيك عاملنا على الديار المصرية، ونحن في انتظارك بمراكبنا عند بحر دمياط، فأسرعي في المجيء، والسلام.
قسطنطين
وما أتمت قراءته حتى صاحت بأعلى صوتها: «لا، لا، لا أريد أن أذهب إليك ولو كنت ابن رب الأرباب.» ورمت الكتاب إلى الأرض، وعادت إلى المقعد.
فوقفت بربارة صامتة لا تدري كيف تسلي سيدتها، وقد ازداد الأمر إشكالا، ثم تركتها وذهبت إلى الحاكم وقالت له: «قد أطلعت سيدتي على الكتاب، وهي في انتظار الجواب من سيدي المقوقس؛ لأنها لا تقدر أن تبرح المكان قبل وصول جوابه.»
فقال: «إن رسول سيدي المقوقس عاد الآن يحمل كتابا إلى يوقنا وآخر لمولاتنا أرمانوسة، فدفع هذا إلي وسار لإيصال كتاب يوقنا إليه.» وقدم لها كتابا كان على مائدة أمامه، فتناولته وفضته فإذا هو بالقبطية يحرض المقوقس فيه ابنته على التأهب للمسير مع يوقنا، ويعتذر من عدم حضوره بنفسه لاشتغاله في الحصن بإعداد الجند لدفع العرب، فتغير لون وجهها وخرجت، فخبأت الكتاب في مكان ما، ولم تطلع سيدتها عليه لئلا يزيد يأسها، ولكنها لبثت تنتظر عودة ذلك الرسول من عند يوقنا، لتسأله عما فعله بالعلامة التي أرسلتها إلى أركاديوس، فخرجت إلى الحديقة وجعلت تتطاول إلى الطريق لعلها تشاهد الرجل قادما فتستطلعه الخبر، فما لبث أن جاء، ومعه رسول آخر عرفت من لباسه أنه بروفس الذي جاء في المرة الأولى برسالة من يوقنا، فاستعاذت بالله منه.
Halaman tidak diketahui