127

Armanusa Mesir

أرمانوسة المصرية

Genre-genre

أما مرقس فيمم معسكر العرب بالقرب من بابل، في المكان الذي فيه جامع عمرو الآن، فرأى الأرض مقفرة ليس فيها إلا بقايا الأطناب وما تركه الجند من الألبسة والأسلاب، ورأى فسطاط عمرو لا يزال منصوبا في مكانه لا يخفره أحد، فعجب لذلك ومشى حتى دنا منه فإذا هو خال ليس فيه إلا بعض اليمام المعشش في سقفه أو في بعض ثنايا الجدران، فوقف ينظر يمنة ويسرة، فرأى عبدا يقترب منه عرف أنه من عبيد العرب الذين يقومون بخدمة الجند من احتطاب وسقاية ونحو ذلك، وقبل أن يصل العبد صاح في مرقس أن يخرج من الفسطاط على عجل، فعجب لذلك وخرج ينتظر وصوله، فلما وصل سأله بالعربية، وكان قد حفظ بعضها: «ما أمر هذه الطيور وهذا الفسطاط؟»

قال: «إن مولانا الأمير أمر ببقاء الفسطاط منصوبا محافظة على حياة هذه الطيور لأنها كانت معششة فيه يوم عزمنا على الرحيل، فلم يشأ الأمير عمرو تقويض هذه الخيمة رفقا بصغارها، وبعد أن أقلع الجند وساروا، خاف أن يعتدي أحد المارة على هذا الفسطاط لجهله سبب بقائه، فأمرني بالرجوع والإقامة هنا ريثما يعود هو من الإسكندرية ظافرا حامدا إن شاء الله.»

فأعجب مرقس بالمسلمين وازداد ميلا إلى الرضوخ لسلطانهم، ثم سأل العبد عن مسير الجند فقال: «إنهم سائرون على رأي المقوقس.» قال: «وهل سار المقوقس معهم؟» قال: «إنه في مقدمتهم، بل هو يتقدمهم عدة أميال يهيئ لهم وسائل النقل والطعام ، ويمهد لهم الطريق ، وينشئ الجسور وغير ذلك مما يحتاج إليه الجند في مسيرهم.» قال: «ومتى أقلع المقوقس؟» قال: «بعث أهله في الصباح باكرا، ثم أقلع الجند في الضحى وهو معهم ولكنه تقدمهم كما أخبرتك.»

قال: «ألا تعلم أين سار أهله؟» قال: «لا أدري، وما يهمك من أهله؟» قال: «أنا من أهل قصره.» قال: «إذا أسرعت أدركت المقوقس والجند لأنهم سائرون ببطء.»

فودعه وسار مسرعا على جواده، فأدرك العرب قبل أن تغرب الشمس وقد حطوا رحالهم للمبيت، فوجه انتباهه نحو خيمة سيده فلم يرها، فسأل عنه فقيل له إنه على بضعة أميال في المقدمة، فأسرع حتى بلغ مضربه، وقد خيم الغسق، فلم ير أحدا غير الحاشية، فسأل عن المقوقس وأهله فأجابوه بأنه تحول إلى بعض القرى يخابر شيوخها ليعدوا الرجال لخدمة العرب فيما يحتاجون إليه في أثناء مسيرهم؛ لأن رجاله وحدهم لا يكفون، وقد أرسل بعضهم إلى شيوخ القرى في بعض المهام.

فقال: «وأين السيدة أرمانوسة؟» قالوا: «أرسلها وخادمتها في سفينة إلى بلدة في ضواحي الإسكندرية تقيم مع بعض أهلها ريثما تنتهي الحرب.»

قال: «ما اسم تلك البلدة؟» قالوا: «مريوط.»

فعرفها وأراد الخروج توا قبل أن يأتي المقوقس ويستبقيه معه، ولكن الظلام منعه، فتنحى للمبيت في قرية قريبة يعرف فيها صديقا، فبات عنده وبكر قاصدا مريوط.

أما أرمانوسة فكان أبوها قد أرسلها إلى مريوط وقاية لها من غوائل الحرب فسارت في مياه النيل المبارك، وقد أعد لها الملاحون سفينتها وجهزوها بكل ما تحتاج إليه من أسباب الراحة، فجلست في صدر السفينة وبربارة بين يديها، ثم تذكرت حالها وأخت تفكر في أركاديوس وما قد يبدو منه بعد علمه بسفرها، وتوقعت أن يأتيها مرقس بالخبر، وكانت تخاف أن يكون مكدرا، وكلما فكرت فيه تقلب شعورها بين الخوف والاضطراب والارتياح والبغتة، وما زالوا سائرين يرسون ليلا ويقلعون نهارا حتى أدركوا مريوط بعد بضعة أيام، وكان مرقس قد سبقهم، ووقف في انتظارهم عند مرسى السفن، فرأى أهل المدينة يتأهبون لاستقبال ابنة حاكمهم، وقد وقفوا عند الضفة فوقف معهم . •••

فلما رسا القارب تقدم بعض النسوة من أعيان البلدة، فاستقبلن أرمانوسة، وبربارة تصحبها، واشتغل الرجال بنقل الأمتعة، وأرمانوسة تسلم سلاما رقيقا، والكل ينظرون إليها ويعجبون بهيئتها وجمالها. أما مرقس فلم يرد الظهور أمامها حينئذ لئلا يضرها الاضطراب أو البغتة، وكانوا قد أعدوا لها مركبة ذهبت فيها إلى منزل شيخ البلد، فسار مرقس في أثرها حتى إذا دخلت استأذن عليها فأذنت له، واستقبلته بربارة أولا وسألته، فقص الخبر عليها فدخلت به إلى أرمانوسة، فحالما رأته خفق قلبها واستطلعته الخبر فطمأنها، وروى لها ما تم عليه الاتفاق مع أركاديوس، ففكرت قليلا ثم قالت: «أذهب أركاديوس إلى الإسكندرية للحرب ثانية؟»

Halaman tidak diketahui