وفي التو اعتدل، ثم جلس على الفراش، وأزاح الملاءات الرقيقة الهفهافة، وخرج من الناموسية، وأصبح على السجادة، وغادر الحجرة وهو يقبض ذراعيه وينفضهما بقوة.
وكانت الست هي أول من رآه، وقبل أن تفتح فمها، سألها بلهفة: الساعة كام؟ - حداشر ونص يا سيدي. - ياه.
وتركها قبل أن تفتح له فاها مرة أخرى، وأسرع إلى الحمام. ولم يمكث به سوى بضع دقائق وخرج، وكان عبده يتلكأ في الممر منتظرا أن يسأله عما إذا كان يحب الفطار في الفراش أو على السفرة، وفوجئ عبده بالبيه وهو يأمره بصوت عاجل أن يحضر القبعة، وأسرع عبده يتلكأ ويحضرها، وسمعت الست الأمر فجاء صوتها من بعيد وهي في الصالة الثانية: على فين؟
واحتار البيه قليلا، ثم قرر أن يقول: آه، مفيش نازل تحت.
فردت عليه مستنكرة: دلوقت ... ليه؟ فيه إيه؟ من غير فطار؟ وبالبيجامة؟ - ماليش نفس. - طيب، خد الشاي بس. - لا، أنا راجع أفطر.
وتناول القبعة من عبده وهو على أول درجة في السلم، ثم نزل مهرولا وزعقات الست تتبعه وهو يرد عليها، وكلاهما لا يهتم بما يقوله الآخر.
ولمحه عم عبد الله الجنايني وهو يخطو أولى خطواته داخل الجنينة، فجاء مهرولا بجسده القصير المنحني ووقف وبينه وبين البيه بعد غير قليل، وابتسم، وتجعد شعر ذقنه النابت الأبيض، وأطلت سنتاه الوحيدتان، المهددتان في كل لحظة بالانهيار، أطلتا من سعة فمه، وانطلق صوته يقول بارتعاشة فيها زمن طويل: الجنينة نورت يا سعادة البيه، داحنا من زمان.
ورد عليه إسماعيل بك والنوم لا زال يهدج من صوته: اسمع أنت عزقت حوض الياسمين بتاع إمبارح؟
وابتسم عم عبد الله بسنتيه الأماميتين قائلا: أمال يا بيه. - طيب وريهولي.
ومشى إسماعيل بك فوق «المشاية» كلها، بينما اكتفى عم عبد الله بالقناة التي بجوارها، فراح يخوض في قاعها المبتل، ويبتسم بين الحين والحين ويقول: من هنا يا بيه، اتفضل، الناحيادي، لا مؤاخذة.
Halaman tidak diketahui