ومضى وقت طويل قبل أن يفتح باب الحمام، ويسمع رمضان نقيق «القبقاب» على البلاط وهو يقترب، ويعلو وهو يقترب، حتى دلفت امرأته إلى الحجرة، وأحس بنفسها الذي ليس غريبا عليه يملأ الجو.
وظل «القبقاب» رائحا غاديا، وضوء المصباح ينتقل من مكان إلى مكان، وهمهمة حزينة خافتة تنحدر، وتعلو من فم امرأته مع اقتراب الضوء وابتعاده، ظل هذا يدور ورمضان مغلق عينيه، ومصر على إغلاقهما، ولم ينتفض ويفتحهما إلا على قطرات من الماء البارد تلسع وجهه.
وجمده قليلا مشهد امرأته، وقد وقفت منكوشة الرأس، والمشط الخشبي في يدها، تدكه بين غزارة شعرها الأكرت، ثم تشده بكل ما تستطيع ليحرث طريقه بين الجذور والسيقان، وقد زمت وجهها السمين الخمري اللامع، وارتسمت دقائق التجاعيد حول أنفها السهل الفاطس، وبان النور من عينيها اللتين ضيقتهما في فروغ بال، بينما رذاذ الماء تدفعه جذبة المشط، فيتساقط هنا وهناك، وعلى ثوبها الشيت النظيف ذي الورود الكبيرة الباهتة.
وانتهى جمود رمضان، ثم عاد إلى نومته، وقال في شيء من التحدي وهو يغلق عينيه: مش تحاسبي يا وليه، قزازة اللمبة حطق من الميه، وردت المرأة بكلام مضغوم لم يفسره، ولم يهتم به، فقد عاد يتنفس بعمق، ويكن رجله، ثم يفردها، ويشخر بمطلق إرادته، ثم قرر أن ينام.
وحين كان يجذب اللحاف فوق أكتافه، وارب عينيه، وألقى نظرة أخيرة على زوجته التي كانت يدها تمتد إلى المصباح تمسيه، وشعرها قد تم نظامه، وازدادت لمعته، ووجهها قد ابيض، حتى كادت تختفي تجاعيده في تلك الابتسامة الكبيرة الرائعة التي احتلت وسطه.
وارتعش رمضان، وأسرع يصفق عينيه في عنف؛ فقد كان يعرف من زمان سر هذه الابتسامة، فاليوم يوم الخميس، والليلة ليلة الجمعة.
وأحس الرجل بالسرير ذي الأعمدة الرفيعة يهتز، ويزيق، ثم بامرأته تستوي على السرير، وتدخل تحت الغطاء، وعبقت في الدنيا التي يصنع اللحاف سماءها رائحة المرأة مختلطة برائحة ثوبها الشيت، ورائحة الصابون الرخيص الذي دعكت به جسدها.
وكح رمضان، وكان لا يريد أن يكح، وطال سعاله. وقالت امرأته ووجهها إلى الناحية الأخرى في صوت حنون ذليل: مالك يا سي رمضان؟
ثم سكتت قليلا قبل أن تقول في همس خافت مليء بالإثم: اوعى سيد يكون صاحي. - ولما لم يرد، تنهدت في حرقة تصاعدت من كبدة قلبها، واهتزت أعمدة السرير وهي تستدير لتكمل آهتها، حتى أصبح وجهها يتدفأ بكثير من الحرارة والخشونة المنبعثة من رمضان.
وكان الرجل ساعتها يلهث، ولفح أنفاسه يحملها بعيدا إلى حيث لا يراهما أحد، ثم يلوكها في نشوة ويدغدغ ضلوعها في حنان، ومدت يدها وملست على جبهته اللزجة بالعرق، ثم أرسلت أصابعها تتحسس رقبته الغليظة النافرة العروق، وقالت في صوت خنفته، وأطالت فيه حتى غدا كمواء قطة جائعة: اسم الله عليك يا خويا، اسم النبي حارسك يا ضنايا، وكح رمضان، وكان لا يريد أن يكح، وزام من خلال فمه المطبق، ثم اهتز السرير وهو يستدير ليعطيها ظهره.
Halaman tidak diketahui