Aristokrasi: Pengenalan Ringkas
الأرستقراطية: مقدمة قصيرة جدا
Genre-genre
بالتأكيد لم يكن خطاب الحرية منفصلا عن النبالة؛ فقد كانت الامتيازات ذاتها التي تميز النبلاء عن غيرهم تمثل تحررهم من الأعباء العامة. هذه ليست الحرية الحديثة، التي تعني غياب الامتيازات ومشاركة الجميع بالتساوي في الحقوق. إلا أنه من الصعب أن ندرك كيف كان من الممكن للنمط الثاني أن يتشكل دون وجود النمط الأرستقراطي الأقدم واللغة المستخدمة في التعبير عنه. فعندما بدأ المعنى الأحدث في الظهور، في خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر، جاء في شكل مطالبات بتوسيع نطاق ما تمتعت به الأقلية حتى ذلك الوقت من امتيازات ليشمل الغالبية العظمى. وبدأ البريطانيون، الذين أعدموا ملكا وطردوا آخر بسبب تهديد حرياتهم، يدركون بعد قرن من الزمن أن المستفيد الأساسي كان الأقلية الأرستقراطية الحاكمة. وحرص الأمريكان، عند إعلانهم عدم ولائهم للتاج البريطاني باسم الحرية، في بناء جمهوريتهم الجديدة على منع تأسيس أي شكل من أشكال طبقة النبلاء، وفي خلال عقد من الزمن جعل الثوار الفرنسيون الحرية والأرستقراطية تبدوان مثل قطبين متناقضين.
بدأت الثورة الفرنسية في صورة صراع من أجل التخلص من السيطرة الأرستقراطية على إحدى الهيئات الوطنية النيابية المعروفة باسم «مجلس طبقات الأمة»، إلا أن المؤسسات البرلمانية والنيابية كانت في حد ذاتها إلى حد كبير من صنع الطبقات الأرستقراطية في العصور الوسطى؛ فقد نشأ البرلمان الإنجليزي في خضم الصراع المتواصل للبارونات الذين أهانوا الملك جون حتى يكبح جماح مزاعم ابنه. وقد أدرك النبلاء في جميع أنحاء القارة الأوروبية أن الهيئات النيابية - لا سيما إذا كانت تمثل أناسا من طبقتهم - ربما تكون أكثر فعالية في تقييد الملوك من فعاليتها في الثورات المتقطعة، وأدرك الحكام من جانبهم أن ضمان الموافقة على مطالب هؤلاء أفضل من مواجهة الثورات. وفي الفترة بين القرنين الثاني عشر والخامس عشر ظهرت «المجالس النيابية» أو البرلمانات في معظم النظم السياسية في غرب ووسط أوروبا. وتفاوتت كثيرا في تكوينها، لكن معظمها تكون من قاعة منفصلة أو «مجلس» للنبلاء، بجانب أعضاء الكنيسة وأهالي المدن - أو ما يعرف باسم «طبقة العوام» - وأحيانا الفلاحين، كما كان الحال في السويد. وكانت سيطرة النبلاء على هذه المؤسسات شبه حتمية. وفي البرلمان البولندي، لم يكن ثمة أي فرد لا ينتمي إلى طبقة النبلاء في أي من المجلسين؛ فقد كانت مجالس رجال الدين تشتمل عادة على العديد من الأساقفة ورؤساء الأديرة النبلاء. وحتى في إنجلترا، حيث حقق مجلس العموم شهرة مبكرة - باعتباره يمثل البلديات وليس عموم الناس - كانت كل بلدية يمثلها «فارسان»، وكانت العضوية والتصويت يتحددان إلى حد كبير - حتى منتصف القرن التاسع عشر - بتأثير النبلاء في مجلس اللوردات.
إن البرلمانات والمجالس، التي أنشئت في الأساس من أجل تقوية الحكومة بالموافقة الظاهرية على نظام ضريبي جديد، سرعان ما حاولت إعاقة هذه الموافقة أو الحد منها أو جعلها مشروطة؛ فقد أصبحت معاقل «للسلطة الدستورية الأرستقراطية»، فتعرض المظالم وتقاوم السلطة الملكية باسم قوانين وامتيازات لم يستفد منها في الغالب إلا الطبقات الحاكمة. بدأ الملوك الذين تعرضوا لهجوم شديد في القرن السادس عشر بالانقلاب عليها. قلت مرات انعقادها أكثر فأكثر. وطالما كانت تنجو المجالس المحلية من هذا، لكن في أوائل القرن الثامن عشر كانت الهيئات النيابية الوحيدة التي تشمل المملكة بأكملها، والتي تجتمع بانتظام وتتمتع بسلطة حقيقية - وإن تغيرت بوضوح بمرور الوقت - موجودة في بريطانيا العظمى وبولندا والسويد ومنطقة فورتمبيرج. أدار النبلاء جميع هذه الهيئات - لخدمة مصالحهم إلى حد كبير - رغم أنهم غلفوا سلطتهم بسوابق وإجراءات ستقدم - خاصة في حالة بريطانيا - أمثلة ونماذج لكثير من الهيئات التشريعية القادمة في جميع أنحاء العالم. حتى في فرنسا، التي لم يجتمع فيها قط أي مجلس لطبقات الأمة في الفترة بين عامي 1614 و1789م، ظلت تجرى عمليات مراقبة دستورية معتادة على السلطة الملكية على يد المجالس النيابية، وهي محاكم استئناف لها الحق في الاعتراض على القوانين الجديدة. واقتصر منصب القضاة في هذه المحاكم على النبلاء، ولم يكونوا يمثلون إلا قوة المال التي اشترت لهم هذه المناصب بالرشا . إلا أنه في فرنسا - كما في جميع الأماكن الأخرى - قطعت السلطة الملكية ارتباط النبلاء بالتمثيل النيابي عن طريق ضمان امتيازاتهم الأخرى. وبحلول عام 1789م كان النبلاء حريصين على التمثيل النيابي مرة أخرى عندما أعاد الملك بعد إضعافه إحياء مجلس طبقات الأمة. لكن عندما بدا في الوقت نفسه أنهم عازمون على الاحتفاظ بامتيازاتهم الأخرى، أصبحوا عرضة للهجمات التي أدت في خلال شهور إلى تدمير طبقة النبلاء ومعها نظام مجالس الطبقات الأقدم عمرا. قوبلت جميع محاولات منح الجمعية الوطنية - التي زعمت السيادة في الوقت الحالي - سمات تعيد إلى الأذهان مجالس طبقات الأمة السابقة - أو البرلمانات في الأماكن الأخرى - بالتصويت عليها بالرفض. هذا وقد صممت الدساتير المكتوبة، مثل المستخدمة في إنجلترا أو في أمريكا، كترياق مضاد للأرستقراطية. وعندما أعلن مجلس اللوردات، في بريطانيا العظمى، في أوائل القرن العشرين رسميا أنه أصبح «الرقيب على الدستور» في الوقت الذي يدافع فيه عن مصالح ملاك الأراضي، سخر ديفيد لويد جورج من هذا قائلا إنه لم يكن أكثر من مجرد خادم لرئيس الوزراء الحاكم. وبعد تسع سنوات، وبعدما أصبح ديفيد لويد جورج نفسه رئيسا للوزراء، سره أن ساهم في حرمان اللوردات من القدر القليل المتبقي من السلطة السياسية الفعلية. (5) الدين
طالما كان الأرستقراطيون أحد سبل الدعم الرئيسية للكنائس المعترف بها؛ فقد أدركوا أنه على الرغم من أن الجميع متساوون أمام الرب، فإن القديس بولس أمر المسيحيين بطاعة الأعلى منهم مكانة؛ فقد أقرت المنظومة الدينية وشرعت التسلسل الهرمي والتبعية، ووعدت بمكافآت في الحياة الآخرة على المظالم والآلام التي يتحملها الإنسان بصبر في الحياة. أو كما وصف نابليون بصراحته المعهودة قائلا إن دور الدين هو الحفاظ على النظام الاجتماعي. ظهر الطابع الديني في كافة جوانب حياة النبلاء والفرسان في العصور الوسطى؛ فقد وهب المحاربون مجهوداتهم للرب، وكان شن الحملات الصليبية، من أجل استرداد الأرض المقدسة من أيدي العرب، أو فيما بعد من أجل طردهم من حدود العالم المسيحي، أسمى قضية يمكن أن يكرس الفرسان الحقيقيون أنفسهم لها. وكانت الغالبية العظمى الذين لا يخرجون في هذه الحملات يظهرون تقواهم عن طريق إعطاء منح للأديرة أو أماكن الترتيل على أرواح الأموات داخل الكنائس، وإعطاء أو توريث قطعة من الأرض تظل إلى الأبد وقفا للكنيسة، وعن طريق الالتزام الدقيق والتفاخر بالطقوس الدينية. وأكثر من ذلك، أنهم ملئوا الكنائس بنصب عائلاتهم التذكارية، وشغلوا أعلى المناصب الكنسية دخلا بأفراد عائلاتهم أو أتباعهم. كانت الثروة الهائلة التي جمعتها الكنيسة في العصور الوسطى في أوائل القرن السادس عشر في الأغلب نتيجة لارتباطها الوثيق على جميع الأصعدة بالسلطة الأرستقراطية.
هذا ولم يضعف فصل الكنيسة في عصر الإصلاح الديني هذه العلاقة؛ فقد كان النبلاء أقصى المستفيدين الرئيسيين من السلب الواسع النطاق للثروات الكنسية وتدمير الأديرة اللذين حدثا في الممالك التي تحولت إلى البروتستانتية؛ فقد بدا الأمر كما لو أنهم يستردون الثروة المملوكة لكنيسة لم يعودوا يعترفون بها. وبمجرد انتهائهم من فعل هذا، أصبحت لديهم مصلحة مادية قوية في ترسيخ النظام الديني الجديد. وفي النهاية، لم يتصد إلا عدد قليل من النبلاء للعقيدة التي ظهرت في الممالك التي عاشوا فيها أيا كان شكلها، والغالبية العظمى التي أذعنت لم تتسم بأي قدر من التسامح، حتى مع إخوانهم من النبلاء المنشقين، وسيطروا حتى على المزيد من نظم الرعاية الكنسية، وعندما عزز ارتفاع أسعار المنتجات الزراعية عائد ضريبة العشر التي دعمت رجال الدين في الأبرشية لمستويات رفعتهم من الفقر المدقع، أدخلوا إخوانهم وأتباعهم في حياة الثراء. وقد أحبوا الأساقفة؛ فهم يمثلون مثلهم مصدرا للسلطة التي لا جدال فيها؛ ففي بريطانيا العظمى جلس الأساقفة جوار النبلاء في مجلس اللوردات. وعندما أجبروا في النهاية على إظهار التسامح للطوائف خارج مؤسستهم، ظلوا بعيدين كل البعد عن هذه العقائد الديمقراطية. ولا عجب إذن أنه أصبح يقال إن كنيسة إنجلترا ما هي إلا حزب المحافظين وقت الصلاة.
في الوقت نفسه، في الدول التي ظلت كاثوليكية، ظلت السيطرة الأرستقراطية على الكنيسة بنفس صرامتها المعهودة؛ فقد كانت الإمارات الكنسية في ألمانيا، مثل كولونيا أو ماينتس أو ترير أو زالتسبورج ، يديرها أساقفة ينتخبهم كهان كانت متطلبات أنسابهم من أجل الالتحاق بالكنيسة الأكثر تزمتا في أوروبا. وفي كل مكان آخر كان الطلاب العسكريون النبلاء يستعمرون أفضل الكنائس الصغيرة والأديرة، في حين كان رؤساء ورئيسات الأديرة مرشحين للحصول على رعاية البلاط. كل هذا كان يعني أن النبلاء الكاثوليك كان يروق لهم ازدراء الجهد المضني الذي يبذله كهنة الأبرشية. هذا وقد أنفقت مبالغ طائلة من المال على مباني الأديرة؛ مما يعكس الذوق الأرستقراطي لسكانها. كذلك ظل تعليم الأرستقراطيين إلى حد كبير في أيدي رجال الدين؛ ففي الفترة بين أربعينيات القرن السادس عشر وسبعينيات القرن الثامن عشر، احتكر الجزويت على نحو شبه تام تعليم النخبة في العالم الكاثوليكي. وعند استرجاع أحداث الماضي، أصبح حل هذه الجماعة في عام 1773م يبدو كما لو كان الخطوة الأولى نحو شن الهجوم على جميع القيم المعترف بها التي اتسمت بها المرحلة الأكثر تطرفا في الثورة الفرنسية. وبالطبع، بالنسبة إلى ثوار عام 1789م كانت «الطبقات الغنية» من رجال الدين والنبلاء أهدافا مماثلة لتوجيه الهجوم؛ فقد أطيح بهم في وقت واحد، وخرجوا من الاضطراب الثوري وهم أكثر قناعة من أي وقت مضى بمصالحهم المشتركة. وقد فضل الأرستقراطيون الكاثوليك في القرن التاسع عشر الحصول على تعليم خاص على يد رجال الدين بدلا مما كانوا يعتبرونه مدارس حكومية ملحدة.
نظر الأرستقراطيون الكاثوليك - أكثر حتى من نظرائهم البروتستانت - إلى التسامح مع العقائد المنافسة على أنه تهديد لسيطرتهم. فعمل اتحاد تابع للشلاختا على تسريع التقسيم الأول لبولندا على يد قوى أجنبية في عام 1772م، في محاولة لمنع منح الأراضي للمسيحيين الأرثوذكس على طول الحدود الروسية. وكان رد فعل عائلة هابسبورج على تحدي طبقة النبلاء البوهيمية البروتستانتية لها، الذي بدأ حرب الأعوام الثلاثين في القرن الماضي، هو الاستعاضة عنهم بطبقة حاكمة كاثوليكية جديدة. والنظير البروتستانتي الوحيد لهذا هو مصادرة الإنجليز الممنهجة لممتلكات الأعيان الكاثوليك في أيرلندا طوال القرنين السابع عشر والثامن عشر لصالح «السطوة البروتستانتية»، التي تشكلت على غرار المؤسسة الإنجيلية على الشاطئ الآخر في إنجلترا. ومع هذا لم تظهر محاولات جادة لتحويل الكاثوليك الذين أصبحوا دون قائد وقتذاك إلى المذهب الإنجيلي، وعندما سحب الدعم القادم من لندن تدريجيا على مدار القرن التاسع عشر، وجدت السطوة نفسها منعزلة حتميا بين سكان يكنون لها العداء. (6) نمط الحياة والذوق
لقد عملت أساليب الحياة والعادات الأرستقراطية على «إضفاء طابعها» على باقي المجتمع، وحتى القرن التاسع عشر ظلت هي التي تحدد القواعد والمعايير الثقافية السائدة في العالم الأوروبي. وكما ظهر في ملاحم العصور القديمة، كان أبطال الروايات الرومانسية في العصور الوسطى دوما ينتمون لعائلات مرموقة، مليئة بالأسلاف الشجعان. وعلى الرغم من الازدراء والسخرية اللذين انصبا على شخصية الفارس الباحث عن أعمال بطولية، المصور في رواية «دون كيشوت» لثيربانتس في أوائل القرن السابع عشر؛ ظل النبلاء يقرءون بشغف حكايات الفرسان في القرن الثامن عشر، وبحماس إيجابي متجدد في القرن التاسع عشر. وفي المسرح، وكذلك في الأوبرا التي تمثل نوع الترفيه السامي المصمم لإدخال البهجة على رجال البلاط، كانت جميع الشخصيات الرئيسية تقريبا من النبلاء. ولم يكن ممكنا جعلهم جميعا أبطالا، لكن لم يبدأ النبلاء في الظهور إلا بالقرب من نهاية القرن الثامن عشر في أدوار الأشرار الذين تحبط مخططاتهم شجاعة ودهاء عامة الشعب. وحتى هذا الوقت أيضا كان الرعاة الرئيسيون للموسيقى الجادة من النبلاء، سواء من رجال البلاط أو الممارسين الهواة أو رجال الدين أصحاب المكانة العالية. لقد ذهل هايدن - أشهر أجير موسيقي - عندما وجد في زيارته الأولى للندن في عام 1790م أن جمهور موسيقاه فيها قد فاقوا بكثير طبقة النبلاء والأعيان. أما في فيينا، فلم تنجح محاولات موتسارت في البقاء في السوق المفتوحة دون رعاية الأرستقراطيين إلا لفترات متقطعة.
سيطرت أذواق الأرستقراطيين بالمثل على الفنون المرئية. وإذا كانت الرسومات الدينية تصنف عادة بأنها الأعلى في الأهمية، فإن أفضل الأعمال كانت دوما تأتي بتفويض من الكنائس الصغيرة أو الأديرة الغنية والمرموقة المليئة بالنبلاء، في حين أن الرعاة المدنيين (على الأقل قبل تواضع الكبرياء البشري نتيجة لحركة الإصلاح الديني) كانوا يطالبون دوما بالظهور في المشاهد المرسومة. وجاءت في المكانة التالية «الرسومات التاريخية»، التي كانت مخصصة في الأغلب لأحداث تشتمل على أبطال نبلاء من العصور القديمة أو الأساطير يتوحد معهم الأرستقراطيون بغريزتهم. ثم ظهرت الصور الشخصية، وهي عنصر أساسي في الديكور الداخلي لدى النبلاء، وبدأت بالأقنعة القديمة للأسلاف الرومانيين القدماء من النبلاء حتى وصلت إلى «الصور الشخصية بهدف التفاخر» لأسلاف متراصين، وكانت هذه الصور تزين القاعات وصالات عرض الأعمال الفنية بداية من القصور وحتى المنازل الريفية المتواضعة. ولا يمكن لصفة في أهمية سلالة النسب أن تمر دون تسجيلها بصريا، ووجد الفنانون أن فن رسم الأشخاص هو أفضل أشكال الرسم أجرا وأكثرها أمانا دون منازع. وعندما يكلف أحد من غير النبلاء رساما برسم صورة شخصية له، فإن هذه تكون إشارة أكيدة على طموحه الاجتماعي. ومن الإشارات الأخرى أيضا تزيين البيئة المحيطة بآثار وزخارف كلاسيكية؛ إذ يعكس هذا تقديرا للغات والتاريخ الموجودين في مؤسسات تعليم الصفوة. وقد عاد السائحون في الجولات الملكية من إيطاليا محملين بأعداد هائلة من التماثيل النصفية وتماثيل لجذع الإنسان، وقطع أثرية منقوشة، بالإضافة إلى صور مرسومة على قماش القنب؛ مثل البطاقات البريدية العملاقة التي تصور روما ونابولي والبندقية وغيرها من وجهات الحج الثقافي.
كان الأرستقراطيون أيضا هم الحكام على الصيحات السريعة الزوال، في الزخرفة والأثاث والملابس وسبل الترفيه، بل وحتى في أسلوب الكلام في بعض الأحيان. فحتى القرن الثامن عشر كان من أطلق عليهم تشسترفيلد «أصحاب أحدث صيحات الموضة» بلا شك رجال البلاط. فما كان يحدث في البلاط اليوم، كان العالم - أو على الأقل العالم المتاح لديه فائض للإنفاق - يفعله غدا. وربما يكون أكثر مثال لافت للنظر هو ارتداء الشعر المستعار؛ فقد ظهر لأول مرة في بلاط لويس الرابع عشر، ثم انتشر فيما بعد سريعا لباقي أنحاء أوروبا، ودام - مع تطور أنماط الأناقة رويدا رويدا - حتى تقلص حجم البلاط نفسه وأهميته في عصر الثورة الفرنسية. إلا أن إيقاع الابتكار في الموضة في هذا الوقت كان في تسارع؛ فقد بدأ النشاط التجاري المتزايد الذي اتسم به القرن الثامن عشر يوجه واضعي الصيحات الأرستقراطيين تماما كما كانوا هم أنفسهم يوجهون غيرهم، وقد بدأت صيحات البلاط تبدو رثة وغير جذابة مقارنة بالأشياء الجديدة التي لا حصر لها، التي تباع حاليا خارج نطاق هذا العالم الضيق. وقد ظلت جيوب اللوردات والسيدات المفترض أنها عامرة بالمال بمنزلة السوق المستهدفة لموفري السلع الكمالية، لكن الموردين كانوا يشكلون أذواق المستهلكين على نحو متزايد . وفي السنوات الأولى من القرن التالي، تقلصت عروض الأزياء، على الأقل تلك الخاصة بالرجال، لتقتصر على الأزياء العسكرية الرسمية، ولم يعد إلا أسلوب تفصيل القماش ونوعيته هما ما يميزان من يرتدون السترات الطويلة ذات الذيل المشقوق من النبلاء عن أي شخص آخر رتبته متواضعة؛ فقد انتهت تقريبا أيام الهيمنة الأرستقراطية الثقافية.
Halaman tidak diketahui