Arbain Hadithan
الاربعون حديثا
Genre-genre
وقاحته الحدود ، فيرى نفسه في مقام الولاية الكلية . وهذا ناشئ ايضا من صغر العقل وضيق القلب والصدر وقلة الاستعداد والاهلية .
وانت ايضا يا طالب علوم الفقه والحديث وسائر العلوم الشرعية ، لا تملك من علمك اكثر من حفنة من الاصطلاحات الخاصة بالاصول والحديث ، فاذا لم يضف اليك عملك هذا الذي كله عمل ، شيئا ولم يستطع اصلاحك ، بل انتج المفاسد الاخلاقية والعملية ، فان عملك احط من عمل علماء العلوم الاخرى واتفه بل اقل من عمل كل العوام . ان هذه المفاهيم العرضية والمعاني الحرفية والدخول في منازعات لا طائل وراءها ومعظمها لا علاقة له بدين الله ولا يحتسب من العلوم حتى تسميها بالثمرة العلمية ، لا تستوجب كل هذا الابتهاج والتكبر . والله يشهد ، وكفى بالله شهيدا انه لو كانت هذه هي نتيجة العلم ، دون ان تستطيع هدايتك ، ودون ان تبعد عنك المفاسد الاخلاقية والسلوكية ، فان احط الاعمال خير من عملك لان تلك نتائجها عاجلة ومفاسدها الدنيوية والاخروية اقل . وانت ايها المسكين لا تنال سوى الوزر والوبال ، ولا تحصد غير المفاسد الاخلاقية والاعمال القبيحة . وعليه ، فان علمك من حيث الاعتبار العلمي ليس فيه ما يدعو الى التكبر ، بل كل ما في الامر انك لضيق افقك العلمي ، ما ان تضع اصطلاحا فوق اصطلاح حتى تحسب نفسك عالما وسائر الناس جهلاء وتفترش اجنحة الملائكة تحت اقدامك وكانها تطير بك ، وتضيق على الناس في المجالس وفي الطرقات .
ولكن الاحط من هذا والاصغر مكانة هو ذلك الذي يتكبر ويتباهى بالامور الخارجية ، مثل المال ، والجاه ، والخدم ، والحشم والقبيلة . فهذا المسكين بعيد عن الخلق البشري والادب الانساني فارغ اليد من كل العلوم والمعارف . ولكن بما ان ملابسه من اجود الاصواف ، واباه فلان ابن فلان ، فهو يتكبر على الناس . فما اضيق عقله واشد ظلام قلبه ! انه يقتنع من كل الكمالات باللباس الجميل ، ومن كل جمال بالقبعة والرداء ! يرتضي المسكين مقام الحيوانية ويقبل بحظها ، ويقتنع من جميع المقامات السامية الانسانية بالصورة الخالية من كل شكل ومضمون ، والفارغة من الحقيقة ، ظانا نفسه بهذا انه ذو مقام . وفي الواقع انه على درجة من الضعة ومن عدم اللياقة ، بحيث انه اذا شاهد احدا اعلى منه مرتبة واحدة دنيوية تخضع له كما يتخضع العبد لسيده . لا شك ان من لا هم له سوى الدنيا ، لا يكون الا عبدا للدنيا ولاهلها . وان يغدو ذليلا لدى من يتزلف ويستذل لديهم .
وعلى كل حال ، يعتبر ضيق افق الفكر وانحطاط القابلية من اهم عوامل الكبر ، لذلك فمن يتصف بهذا يتاثر بالامور التي ليست من الكمال ، او ليست من الكمال اللائق ، تاثرا شديدا يدفع به الى العجب والكبر . وكلما كثر حبه للنفس وللدنيا ، ازداد تاثرا بهذه الامور .
Halaman 97