دون ان يعد الاسباب ، ومثل الفلاح الذي ينتظر الزرع من دون ان يبذر الارض او يهتم بها وبإروائها او يقضي على موانع الزرع . ان مثل هذا الانتظار لا يسمى بالرجاء ، بل هو بله وحماقة . وان مثل من لم يصلح اخلاقه او لم يبتعد عن المعاصي فينهض باعمال راجيا تزكية نفسه ، مثل من يودع البذر في اراضي سبخة ، ومن الواضح ان هذا الزرع لا يثمر النتيجة المتوخاة .
فالرجاء المستحسن والمحبوب هو تهيأة كافة الاسباب التي يمتلكها الانسان كما امر الله بها واستغلالها حسب القدرة التي زوده بها الحق المتعال بعنايته الكاملة ، وحسب هدايته عز وجل اياه الى طرق الصلاح والفساد ، ثم ينتظر ويرجو الحق المتعال ان يتم عنايته السابقة تجاه الاسباب التي وفرها من قبل ، ويحقق الاسباب التي لا تدخل تحت ارادته واختياره من بعد ، ويزيل الموانع والمفاسد .
فاذا نظف العبد ارض قلبه من اشواك الاخلاق الفاسدة واحجار الموبقات وسباختها ، وبذر فيها بذور الاعمال ، وسقاها بماء العلم الصافي النافع والايمان الخالص ، وخلصها من المفسدات والموانع مثل العجب والرياء وامثالها التي تعد بمثابة الاعشاب الضارة العائقة لنمو الزرع ، ثم انتظر ربه المتعالى ورجاه ان يثبته على الحق ، ويجعل عاقبة امره الى خير ، كان هذا الرجاء مستحسنا . كما يقول الحق المتعالي :
«ان الذين آمنوا والذين هاجروا في سبيل الله اولئك يرجون رحمة الله» (1) .
فصل: في سبب تعادل الخوف والرجاء
ورد في نهاية هذا الحديث الشريف الحديث الرابع عشر انه لا بد من تعادل الخوف والرجاء وعدم تفوق احدهما على الآخر ، كما ورد هذا المضمون في مرسلة ابن ابي عمير عن الامام الصادق عليه السلام ايضا .
ان الانسان عندما يدرك منتهى قصوره في النهوض بالعبودية ، ويرى صعوبة وضيق طريق الآخرة ، يتولد فيه الخوف بأعلى درجة ، وعندما يجد ذنوبه ويفكر في أناس كانت عاقبة امرهم الموت من دون ايمان وعمل صالح ، رغم حسن احوالهم في بدء الامر ولكنهم انتهوا الى سوء العاقبة ، يشتد فيه الخوف . ففي الحديث الشريف في الكافي عن الامام الصادق عليه السلام :
قال : «المؤمن بين مخافتين ذنب قد مضى لا يدري ما صنع الله فيه وعمر قد بقي لا يدري ما يكتسب فيه من المهالك فهو لا يصبح الا خائفا ولا يصلحه الا الخوف» (2) .
Halaman 221