الاربعون حديثا :200
فصل: في بيان التقوى
اعلم ان القوى من «الوقاية» بمعنى المحافظة . وهي في العرف وفي الإصطلاح الاخبار والاحاديث تعني : «وقاية النفس من عصيان اوامر الله ونواهيه وما يمنع رضاه» وكثيرا ما عرفت بانها «حفظ النفس حفظا تاما عن الوقوع في المحظورات بترك الشبهات» فقد قيل : «ومن اخذ بالشبهات وقع في المحرمات وهلك من حيث لا يعلم» (1) ، «فمن رتع حول الحمى اوشك ان يقع فيه» (2) .
لا بد ان نعرف ان التقوى ، وان لم تكن من مدارج الكمال والمقامات ، ولكنه لا يمكن بدونها بلوغ اي مقام ، وذلك لان النفس ما دامت ملوثة بالمحرمات ، فلا تكون داخلة في الانسانية ، ولا سالكة طريقها ، وما دامت تميل الى المشتهيات واللذائذ النفسية وتستطيب حلاوتها ، فلن تصل الى اول مقامات الكمال الانساني ، وما دام حب الدنيا والتعلق بها في القلب ، فلا يمكن ان يصل الى مقام المتوسطين والزاهدين ، وما دام حب الدنيا باقيا في دخيلة ذاته ، فلن ينال مقام المخلصين والمحبين ، وما دامت الكثرة الملكية والملكوتية ظاهرة في قلبه ، فلن ينال مقام المنجذبين ، وما دامت كثرة الاسماء متجلية في باطنه ، فلن يصل الى الفناء الكلي ، وما دام القلب يلتفت الى المقامات ، فلن يبلغ مقام كمال الفناء ، وما دام هناك تلوين ، فلن يصل الى مقام التمكين ولن تتجلى في سره الذات في مقام الاسم الذاتي تجليا ازليا وابديا . فتقوى العامة اذا تكون من المحرمات ، وتقوى الخاصة تكون من المشتهيات ، وتقوى الزاهيدن من حب الدنيا ، والمخلصين من حب الذات ، والمنجذبين من كثرة ظهور الافعال ، والفانين من كثرة الاسماء ، والواصلين من التوجه الى الفناء ، والمتمكنين من التلوينات «فاستقم كما امرت» (3) .
ولكل من هذه المراتب شرح وتفصيل لا يحصل لامثالنا منه سوى الحيرة والضياع في المصطلحات ، والتلفع في حجب المفاهيم ، اذ لكل معركة رجال .
والآن نعود الى بيان نبذة من التقوى المذكورة في بدأ الامر ، لاهميتها للناس بصورة عامة :
Halaman 200