Aram Dimashq dan Israel
آرام دمشق وإسرائيل: في التاريخ والتاريخ التوراتي
Genre-genre
كما نجد تسمية كنعان في بعض النصوص السورية من الألف الثاني قبل الميلاد، مثل نص إدريمي ملك آلالاخ، وهي المملكة التي ازدهرت خلال النصف الأول من الألف الثاني قبل الميلاد في الشمال الغربي من سوريا (في منطقة أنطاكية). يتحدث إدريمي في هذا النص عن هروبه من آلالاخ عقب انقلاب سياسي في القصر، ولجوئه إلى مدينة أميا في أرض كنعان، وهذه المدينة تقع على الساحل السوري الأوسط قرب طرابلس الحالية.
12
وقد بقيت التسمية مستخدمة في العصر الهيلينستي، حيث نجدها على العملة المسكوكة في بعض مدن الساحل الفينيقي، إضافة إلى استخدامها من قبل المصادر الكتابية الكلاسيكية. وفي بلدان شمال أفريقيا التي كانت مستعمرات فينيقية سابقة بقيت شريحة لا بأس بها تتباهى بأصلها الذي تدعوه كنعانيا، خلال العصر الروماني.
13
وفي إنجيل متى يطلق المؤلف تسمية كنعاني للدلالة على ساكن مناطق فينيقيا التقليدية في لبنان، نقرأ في الإصحاح 15: 21-22: «ثم خرج يسوع من هناك وانصرف إلى نواحي صور وصيدا. وإذا امرأة كنعانية خارجة من تلك التخوم صرخت إليه قائلة ... إلخ.» اعتمادا على هذه الشواهد وأمثالها، من المرجح أن التسمية «كنعان» هي تسمية لمنطقة جغرافية بالدرجة الأولى لا تسمية لشعب معين، وهذه المنطقة هي الأراضي الممتدة على طول الساحل السوري ابتداء من أوغاريت، أو مما يليها على الأغلب، مع بعض الامتدادات نحو الداخل كما هو الحال في منطقة فلسطين، ولا يوجد لدينا في النصوص القديمة ما يشير إلى أن التسمية قد شملت المناطق الداخلية السورية. ومع ذلك فإننا لا نرى مانعا من تعميم التسمية لتشمل أرض الساميين الأوائل الذين تواجدوا في مناطق غربي الفرات منذ العصر الحجري الحديث، وذلك من قبيل إطلاق اسم الجزء على الكل، خصوصا وأن المؤرخين والآثاريين المحدثين ما زالوا مصرين على استخدام هذا المصطلح. فبعد اكتشاف إيبلا وأرشيفها المسماري الضخم - الذي أطلعنا على أول لغة سامية مكتوبة - أطلق عالم اللغات السامية ألفونسو آركي الذي قرأ هذه الرقم على اللغة الإيبلائية صفة «الكنعانية المبكرة»
، ورأى في مملكة إيبلا نموذجا عن الحضارة الكنعانية في الألف الثالث قبل الميلاد،
14
الأمر الذي يدل على أن الحلقات الأكاديمية العالمية تميل إلى زيادة الاعتماد على المصطلح بدلا من استبداله.
انتهت الحضارة المزدهرة للألف الثالث قبل الميلاد على نحو فاجع في جميع أرجاء الشرق القديم، ولأسباب بدت غير واضحة للمؤرخين لفترة طويلة من الزمن . ففي مصر سقطت الأسرة السادسة مع حلول الربع الأخير للألف الثالث قبل الميلاد، وبسقوطها انتهت الفترة المعروفة في تاريخ مصر بفترة المملكة القديمة، وأعقبتها فترة من الفتن والاضطرابات والغزوات الخارجية، يطلق عليها المؤرخون اسم الفترة المعترضة الأولى، دامت حتى مطلع الألف الثاني قبل الميلاد، وانتهت مع قيام الأسرة الثانية عشرة عام 1990ق.م. وهي الأسرة التي ابتدأت فترة المملكة المتوسطة في تاريخ مصر القديمة. وقد تزامن انهيار المملكة القديمة في مصر مع انهيار المملكة الأكادية في بلاد الرافدين، حيث سقطت العاصمة أكاد بيد الغوتيان الجبليين الوافدين من الجبال الشرقية حوالي عام 2230ق.م.، وأعقب ذلك فترة فراغ سياسي واضطرابات عامة، دامت حوالي قرن من الزمان حتى قيام أسرة أور الثالثة عام 2120ق.م. وفي سوريا هناك دليل على وجود فترة فراغ مشابهة، أدت إلى التسلسل التدريجي للقبائل الآمورية التي كانت تتجول في البادية السورية، وإلى تأسيسهم لأسر حاكمة قوية في المدن السورية الكبرى، مثل ماري وحلب وقطنة. وتظهر في فلسطين بشكل خاص آثار أركيولوجية واضحة على الدمار التام لعدد كبير من المدن، تلته فترة فراغ سكاني دامت أكثر من قرنين في بعض المواقع. وقد عثر المنقبون في مواقع المدن المدمرة في فلسطين على آثار حياة بدوية لجماعات آمورية، لم تكن مهتمة ببناء أو سكن الحواضر، واعتقدوا أن هذه الجماعات البدوية هي المسئولة عن تدمير ثقافة البرونز المبكر في فلسطين.
لقد فسر المؤرخون والأركيولوجيون هذه النهاية الشاملة لثقافة البرونز المبكر في جميع أنحاء الشرق القديم تفسيرات جزئية؛ فالغوتيان هم المسئولون عن نهاية المملكة الأكادية، والغزوات البدوية الآمورية هي المسئولة عن نهاية ممالك المدن الكنعانية في سوريا وفلسطين، وثورات الطبقات المحرومة في مصر، وما تبعها من فوضى واضطرابات هي المسئولة عن انهيار المملكة القديمة. إلا أن الأبحاث العلمية الجديدة بخصوص التغيرات المناخية للعصور القديمة - والتي صارت اليوم ركنا أساسيا من أركان البحث التاريخي والتفسير الأركيولوجي - تقدم لنا مفتاحا مهما لفهم حقيقة ما جرى خلال الفترة الانتقالية من البرونز المبكر إلى البرونز الوسيط . فمع الربع الأخير للألف الثالث قبل الميلاد انتهى المناخ البارد المطير الذي ساد المنطقة خلال الألف الرابع قبل الميلاد، وقد تميز هذا المناخ بصيف حار وطويل، وشتاء جاف وقصير، وبهبوط المعدل السنوي للأمطار، مما أدى إلى انخفاض منسوب المياه الجوفية، وشح الينابيع. وفي مصر انخفض منسوب فيضان النيل بشكل حاد تسبب في الانهيار التام للحياة الزراعية. وقد تعاملت المناطق المصابة مع هذه الأوضاع وفق استراتيجيات مختلفة؛ ففي سوريا استطاعت المدن الكبيرة عبور الأزمة بصعوبة بالغة، مع المحافظة على استقرار نسبي خصوصا في المناطق ذات المعدلات المطرية المرتفعة سابقا، أما المناطق الحساسة للجفاف، وذات المعدلات المطرية المنخفضة عادة، فقد أخذ المزارعون فيها بالتحول إلى الحياة الرعوية تدريجيا. وتشير النصوص المسمارية في وادي الرافدين إلى تحركات بشرية مستمرة من المناطق السورية باتجاه الشرق. أما في فلسطين، فقد استمرت المدن الواقعة في مناطق الوديان الخصبة وفي المناطق السهلية، ولكن تحت شروط قاسية، ومع تقلص واضح في حجمها، ونقص كبير في عدد سكانها، بينما هجرت معظم مواقع المناطق الهضبية الحساسة للجفاف وأفرغت من سكانها، وذلك فيما عدا تلك التي تتمتع بمصدر مائي غزير وثابت. وكذلك الأمر في المناطق الجنوبية، مثل عراد وبئر السبع، والتي تحولت إلى بواد قاحلة بعد فترة ازدهار زراعي طويلة. وفي مناطق شرقي الأردن تحول السكان من الزراعات المتوسطية التقليدية إلى الرعي وزراعة الحبوب. وخلال هذه الفترة بالذات تم نزوح أعداد كبيرة من سكان المناطق الواقعة على حدود البوادي - ممن تحولوا إلى حياة الرعي المتنقل - نحو الجزيرة العربية حاملين إليها اللغة السامية.
Halaman tidak diketahui