Pandangan Kritikal Terhadap Masalah Pemikiran dan Budaya
آراء نقدية في مشكلات الفكر والثقافة
Genre-genre
أي إن تدرج القيم على أساس وضع البحث النظري الصرف في القمة واحتقار كل ما له صلة بالتطبيق - وهو التدرج الذي نشأ عن نظام الرق - قد ساعد من جانبه على دعم نظام الرق؛ إذ إن انصراف العلماء عن ميدان الاختراع التطبيقي كان يعني عدم تحقيق الشرط الوحيد الذي كان كفيلا بالقضاء على نظام الرق، أعني حلول قوة الآلة محل قوة الإنسان، ومن المؤسف أن البشرية قد اضطرت إلى أن تنتظر أكثر من ألفي عام حتى يتحقق هذا الشرط؛ ففي القرن التاسع عشر وحده بدأت الآلة تحل محل الإنسان على نطاق واسع، فإذا أدركنا أن إلغاء الرق لم يتخذ صبغة قانونية دولية لأول مرة في التاريخ إلا في النصف الثاني من ذلك القرن؛ لاتضح لنا أن هناك ترابطا عكسيا لا شك فيه بين التقدم التكنولوجي الآلي وبين نظام الرق.
إن الإنسان الحديث يرفع لنفسه شعار «العمل شرف»، وينسب بذلك إلى العمل قيمة أخلاقية رفيعة ترتبط بمعاني الفضيلة والمسئولية وأداء الواجب، أما الإنسان في العصر اليوناني فكان يرفع شعار: العمل (المتصل بالمادة) عار ... والشرف في نظره هو الفراغ مع التأمل العقلي، وهو أن يعفيك غيرك من ممارسة أي جهد جسمي لتتفرغ أنت للمناقشة والجدل والحوار و«الديالكتيك»، وأرفع موضوع لهذا الجدل والنقاش هو الفلسفة الإلهية أو الفلسفة الأولى التي لا تبحث في أية مسألة تتصل بالعالم الأرضي المتغير .
ولقد كان الفيلسوف اليوناني - باتباعه هذا الأسلوب في الحياة - يظن نفسه حرا بحق، ونسي أن الطبيعة ظلت تقهره وتغلبه؛ لأنه لم يحاول أن يسيطر عليها بالاختراع التكنولوجي، فحريته كانت إذن سلبية، تنحصر في الانعزال عن العالم الأرضي وتأمل الأمور عن بعد ... وبدلا من أن يمارس هذا الفيلسوف فاعليته ونشاطه في التغلب على مشكلات العالم المحيط به، نراه يظن أنه قد بلغ أقصى درجات الحرية إذ انعزل عن المجال العملي وتفرغ للتفكير النظري البحت، ثم يبرر هذا كله بأنه زاهد في المتع الأرضية وبأنه متعلق بما هو أرفع من ذلك، ولو كان قد خفض بصره قليلا من السماء إلى الأرض، وأزال الهوة الشاسعة التي وضعها بين النظر والعمل؛ لاستطاع بالفعل أن يمارس الحرية الحقيقية - حرية قهر الطبيعة - بدلا من تركيز الجهد على قهر النفس حتى تتحرر من رغباتها وتترفع عن مطالبها الطبيعية.
ولكن هذا كله كان يقتضي جوا فكريا مختلفا كل الاختلاف، ومجموعة من القيم متباينة تماما عما كان سائدا في العصر اليوناني الكلاسيكي، وكان لا بد من عقلية جديدة تدرك أن الاندماج في الطبيعة من أجل كشف أسرارها وإخضاعها لإرادة الإنسان واستغلالها في رفع مستوى حياته هو أرفع مظاهر الحرية الحقيقية، ولكن سيطرة الفكر التجريدي على الأذهان كانت تحول دون تهيئة الظروف التي تساعد على التقدم التكنولوجي، وظل الارتباط واضحا بين ضعف النزوع إلى الاختراع الآلي وبين النظر إلى التفكير المجرد على أنه أسمى غايات الإنسان، ولقد رأينا من قبل أن اليونان قد شهدت في أول عهد حضارتها الفكرية فترة ظهرت فيها بوادر لحركة التقدم التكنولوجي، وكانت في الوقت ذاته فترة تضافر - لا عداوة - بين النظر والعمل، وذلك حين لم يكن الاتجاه التجريدي قد أحرز بعد انتصاره الحاسم على أيدي سقراط وأفلاطون وأرسطو. وبالمثل انتهت الحضارة القديمة بفترة أخرى من الازدهار النسبي للتكنولوجيا، شهدتها مدرسة الإسكندرية على وجه الخصوص، وظهرت فيها مجموعة من المخترعات المفيدة، وفي هذه الفترة بدورها كانت سطوة التفكير التجريدي قد خفت بعد انهيار المدارس الكبرى الموروثة عن أفلاطون وأرسطو.
ولكن هذه كلها لم تكن إلا فترات انحراف عن الطريق الرئيسي للعصر الكلاسيكي؛ طريق الانفصال بين النظر والعمل. وظلت عقلية أفلاطون وأرسطو هي المسيطرة، وظل الإنسان قرونا طويلة يترفع عن العالم المادي ويتصور الآلة قوة معادية لحياته الروحية، إلى أن حتمت العوامل الموضوعية ذاتها تغيير هذه العقلية في ظروف مختلفة كل الاختلاف.
بين الفكر والآلة (2)
فكرة الآلية في الفلسفة الحديثة
1
لم تكن العصور الوسطى الأوروبية فترة مجدبة عقيمة في اتجاهاتها الفكرية إلى الحد الذي تبدو عليه لأول وهلة، بل إن كثيرا من العناصر التي أصبحت فيما بعد مميزة للحضارة الغربية الحديثة قد ظهرت بوادرها في تلك الفترة التي تتميز بامتدادها الزمني الهائل، والتي نضجت فيها - ولكن ببطء شديد - اتجاهات حضارية لم تجد التعبير الكامل عنها إلا في العصر الحديث.
ولقد ورثت العصور الوسطى عن العصرين: اليوناني والروماني ازدراء العمل اليدوي، والفصل بين مجال الفكر ومجال التطبيق، وظهر في تلك العصور عامل جديد كان خليقا بأن يزيد هذه الهوة اتساعا، هو العامل اللاهوتي الذي أصبحت له المكانة الأولى في حياة الناس في تلك العصور، والذي كان يتضمن دعوة صريحة إلى الزهد وازدراء كل نشاط متعلق بالعالم الأرضي المادي الزائل، ومع ذلك فإن العصور الوسطى قد شهدت تحولا تدريجيا بطيئا غاية البطء - في النظرة إلى قيمة النشاط العملي التطبيقي - بالقياس إلى سائر أوجه النشاط البشري؛ ذلك لأن النصوص الدينية المسيحية لم تكن واضحة تماما في هذا المجال؛ ففي الإنجيل نصوص تحمل على العمل، كما أن المسيح لم يكن يعبأ بالخيرات المادية التي ينتجها العمل، ومع ذلك فإن المسيح ذاته وكذلك الكثير من حوارييه كانوا صناعا، وهو أمر له دلالته الكبرى في هذا الصدد؛ إذ إنه يؤدي إلى الربط بين العمل اليدوي وبين المثل الأعلى لذلك العصر، وهو شخصية القديس.
Halaman tidak diketahui