Pandangan Kritikal Terhadap Masalah Pemikiran dan Budaya
آراء نقدية في مشكلات الفكر والثقافة
Genre-genre
وإذا كان جمال الأشياء المادية يرجع إلى انعكاس الفكرة الإلهية عليها، فإن هذه الصفة أوضح ظهورا في جمال الأشياء اللامادية؛ فللأفعال والخلال والفضائل جمالها وللنفوس جمالها، وإلا فبماذا نصف ذلك الطرب الذي نحس به كلما سمت نفوسنا، وذلك السعي إلى العلو بأرواحنا، وتجاوز حدود جسمنا؟ إن هذه كلها مظاهر للجمال، لا ترجع إلا إلى شعورنا بحضور الله في هذه الأفعال والخلال.
وعلى أساس هذا الفهم لطبيعة الجمال يعرف أفلوطين الفن بأنه التعبير عن مشاعر الفنان الذي يدرك مظاهر المبدأ الإلهي في شيء مادي موجود في الزمان والمكان، وهو إدراك يتوافر للفنان بفضل مشاركته بدوره في هذا المبدأ الإلهي؛ فالفنان إذن ينقل فكرته إلى المادة، ويعبر من خلال وسط مادي عن إدراكه لحضور المبدأ الإلهي في العالم الزماني والمكاني، ولنتأمل ذلك الحجر الذي يتحول على يد الفنان إلى تمثال ، ويكتسب بفضل هذا التحول جمالا، إن الجمال لا يكون في هذه الحالة كامنا في المادة، وإنما في الصورة التي يضفيها عليها الفنان، أي إنه مستمد من روحه، وبعبارة أخرى فالفنان ينطق الحجر انفعالاته ومشاعره، وهي انفعالات ومشاعر لم تنشأ في نفس الفنان إلا من تأمله لصورة المبدأ الإلهي مطبوعة على عالم المكان والزمان.
ولا شك أننا نستطيع أن نلمح هنا تلك الفكرة المشتركة بين أهم النظريات الجمالية عند فلاسفة اليونان، وأعني بها فكرة المحاكاة، غير أن المحاكاة ليست في هذه الحالة محاكاة لأشياء مادية، وإنما هي محاكاة للمثل الأفكار الإلهية، أي إنها محاكاة للروح اللامادية من خلال وسيط مادي أو شبه مادي، ولا جدال في أن آراء أفلوطين هذه في الفن تمثل تقدما كبيرا بالنسبة إلى آراء أستاذه الروحي أفلاطون؛ فقد رأينا هذا الأخير يقصر مهمة العمل الفني على محاكاة الأشياء المادية الجزئية، بينما يسمو أفلوطين بهذه المهمة إلى محاكاة المثل أو العنصر الإلهي في العالم، ومن هنا كان التفاوت النسبي في قيمة الفن عند كل من الفيلسوفين؛ فالأول يجعل منه نشاطا يحتل مرتبة أدنى من مرتبة الأشياء التي يحاكيها، على حين أن الثاني يجعل منه نشاطا روحيا رفيعا، يعلو على ما يحاكيه من الموضوعات.
وهكذا فإن فلسفة أفلوطين الجمالية - في إعلائها من شأن العمل الفني على هذا النحو - تمثل القمة العليا للتفكير الجمالي عند اليونانيين، ولكنها في الوقت ذاته تتضمن - كما قلنا - تلك العناصر التي قضت - بالتدريج - على الطريقة اليونانية في التفكير؛ ذلك لأن أفلوطين يرد كل شيء إلى المبدأ الإلهي، ويجعل من الفن تأملا لصورة الألوهية كما تنطبع على عالم الزمان والمكان، ولولا هذا الاتصال الدائم بالمبدأ الإلهي لما كان في وسعنا أن نرى الجمال في شيء، وهكذا كانت فلسفة أفلوطين في ميدان الجمال - كما كانت في سائر الميادين - تمثل الجسر الذي انتقلت عليه الحضارة من طريقة التفكير اليونانية إلى طريقة التفكير اللاهوتية في العصور الوسطى، وتمثل نقطة النهاية بالنسبة إلى منهج اليونانيين العقلي في حل مشكلات الفن والفكر والحياة.
نظريات حديثة في فلسفة الفن1
تناولنا في مقالنا السابق أهم النظريات الجمالية عند اليونانيين، أما هذا المقال فيعالج بعضا من أهم النظريات الحديثة التي ظهرت في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، فهل يعني ذلك أن التفكير الجمالي قد توقف تماما فيما بين هذين العصرين؟ من المحال بالطبع أن تكون الفترة الفاصلة بين هذين العصرين فترة جدب تام في الفكر الجمالي، وإنما الأصح أن نقول إن التفكير الجمالي لم يزدهر - بعد بوادره القوية في العصر اليوناني - إلا في القرن الثامن عشر، بفضل حركة الإحياء الضخمة التي بدأها مفكرون مثل «باومجارتن» و«لسنج»، على أننا لم نجد ما يدعونا إلى التعرض لحركة الإحياء هذه - في بداياتها الأولى - نظرا إلى أن فلسفة «كانت» الجمالية، التي يبدأ بها مقالنا هذا قد جمعت في ذاتها أهم ما فيها، وتجاوزتها في نواح متعددة.
ولو بحثنا عن تعليل لهذه الهوة السحيقة التي تفصل بين فترتي التفكير هاتين - أعني العصر اليوناني والقرن التاسع عشر - لبدا ذلك عسيرا في مبدأ الأمر؛ ذلك لأن الحركة الفلسفية في عمومها، قد استؤنفت في العصر الحديث بقوة منذ القرنين السادس عشر والسابع عشر، فلم لم تقترن هذه النهضة الفلسفية الحديثة بنهضة متفرعة عنها في ميدان التفكير الجمالي؟ إن التفكير النظري في الفن مرتبط - دون شك - بالفن نفسه، وقد كانت أعظم حركة فنية - بعد العصر اليوناني - هي حركة الفن الكبرى في عصر النهضة ثم في القرن السابع عشر، ومع ذلك يبدو أن التفكير الجمالي يحتاج إلى فترة نضج طويلة، ولا يمكنه أن يعقب الحركات الفنية الكبرى أو يتلوها مباشرة، وبعبارة أخرى لا بد من مضي وقت غير قليل، تتأثر فيه أجيال متعددة بالأعمال الفنية الكبرى وتتذوقها وتهضمها، حتى يتسنى بعد ذلك ظهور فلسفة فنية تكون انعكاسا لهذه الأعمال، ومن هنا كان تأخر ظهور الفلسفات الفنية التي سنتناولها في هذا المقال، والتي تعد أهم معالم طريق التفكير الجمالي بعد العصر اليوناني.
النظرية العقلية عند «كانت»
هناك رأي شائع يقول إن الذوق أمر نسبي ، لا يصح أن يختلف عليه الناس؛ لأن ما يستهوي ذوقي قد لا يستهوي أذواق الآخرين، وليس لواحد أن يفرض على الغير آراءه الذوقية، أو حتى أن يعتقد بأنها مماثلة لآراء الآخرين، ومن المعروف أن كلمة «الذوق» تعني في الأصل تجربة مذاق الطعام أو الشراب، ثم امتدت الكلمة بحيث أصبحت تطلق على التقدير الفني، وأصبحنا نتحدث عن تذوق الموسيقى مثلما نتحدث عن تذوق لون معين من ألوان الطعام، ومع ذلك فقد ظل الرأي الشائع للناس يحتفظ لكلمة الذوق بنفس المعنى النسبي، بحيث يعد تقديري للوحة الفنية أمرا ذوقيا نسبيا ، شأنه شأن تقديري لمذاق مشروب أو صنف من أصناف الطعام.
ولكن هل صحيح أن للذوق - في مجال الفن - نفس النسبية والفردية التي يتصف بها في سائر المجالات؟ أم إن للحكم الذوقي الجمالي طبيعة مغايرة، أعني طبيعة ثابتة بمعنى من المعاني؟ من هذه المسألة اتخذ المفكر الألماني إيمانويل كانت - فيلسوف القرن الثامن عشر الأكبر - نقطة بداية أبحاثه الجمالية؛ فالحكم الذوقي ينبغي بالفعل أن يكون شيئا مغايرا للذوق بمعانيه الحسية الأخرى، بل إن فيه بالضرورة عنصرا ثابتا مشتركا بين الأفراد، ولو لم يكن الأمر كذلك لما حرص الفنان على أن يكتب أو يرسم للآخرين، ولما انتظر منهم استجابة فيها تقدير وتذوق لإنتاجه الفني، ولو كان الذوق شيئا فرديا تماما؛ لاكتفى الفنان بممارسة فنه لنفسه فقط، ما دام أن أحدا لن يفهمه ولن يتفق معه في الحكم على عمله، أما أن الفنان يتوقع مشاركة الآخرين له في رأيه، فهذا معناه أن في التجربة الجمالية شيئا يزيد على مجرد الذوق الفردي، وبالمثل فلو كانت الفردية هي الطابع المميز للفن لما كان للنقد الفني معنى، ولكانت كل مقاييس هذا النقد ومعاييره باطلة.
Halaman tidak diketahui