Pandangan Kritikal Terhadap Masalah Pemikiran dan Budaya
آراء نقدية في مشكلات الفكر والثقافة
Genre-genre
في هذا الطريق الشاق الطويل الذي ينبغي سلوكه من أجل تحقيق الاشتراكية، لن يكون في وسع أحد أن يدعي أنه توصل وحده إلى كل الإجابات عما يعترضه من المشكلات ، ولكن حسب الفكر أن يثير التساؤلات وينبه إلى خطورة العقبات، أما الاهتداء إلى الإجابات الصحيحة، والسعي العملي من أجل تحقيقها، فتلك مهمة أجيال إنسانية كاملة.
الاشتراكية، والقيم الروحية1
في أذهان كثير من المثقفين تصور للعلاقة بين الاشتراكية والقيم الروحية أود أن أعلن - منذ بداية هذا المقال - أنني أرفضه من أساسه، بل إنني ما كتبت هذا المقال إلا لكي أفنده وأثبت أن الاعتقاد النظري به ينطوي على استحالات ومتناقضات عقلية، على حين أن التطبيق العملي له يجر وراءه من التشتت في السلوك، والتردد والتعثر في العزم والقصد، ما لا تملك أمة تسعى إلى الأخذ بأسباب النهوض أن تترك نفسها فريسة له.
هذا التصور الذي أعترض عليه يمكن التعبير عنه - في صيغة موجزة - بقولنا إن الاشتراكية والقيم الروحية تسيران جنبا إلى جنب حتى مرحلة معينة، ثم تفترقان بعد ذلك، وبعبارة أخرى فالاشتراكية تظل غير متعارضة مع القيم الروحية ما دامت معتدلة، أما إذا تطرفت، فإنها ترفض هذه القيم الروحية، ويفترق طريقاهما إلى الأبد.
وتجد هذه الدعوى تأييدا قويا من ذلك الميل الطبيعي في نفوسنا إلى قبول شكل من أشكال «نظرية الوسط» التي وضعها أرسطو في الأخلاق، والتي تعبر عن نفسها في أمثال شعبية مثل «خير الأمور الوسط»، هذه النظرية تذهب إلى أن الفضيلة وسط بين رذيلتين، كالشجاعة التي هي وسط بين الجبن والتهور، أي إن هناك خطا ممتدا يتميز بالاشتداد والتكثيف التدريجي لصفة ما، وهذا الخط يبدأ من رذيلة وينتهي إلى رذيلة، بينما تقع الفضيلة في موقع ما عند الوسط أو بالقرب منه، وعلى ذلك فإن الإفراط في الفضيلة شأنه شأن التفريط فيها ينقلب إلى رذيلة، وبهذا المعنى يكون الإفراط في الاشتراكية - تبعا لهذا الرأي الشائع - رذيلة تؤدي إلى ضياع القيم الروحية والتنكر لها.
ولعل أول ما ينبغي أن نشير إليه - ونحن في معرض مناقشة هذه الدعوى - أن مبدأ «خير الأمور الوسط» ليس مبدأ مطلق الصحة في كل الأحوال؛ ففي حالة فضائل معينة لا تكون الحالة المثلى على الإطلاق هي أن يكون لدينا من هذه الفضيلة قدر معقول فحسب، فهل الأفضل - مثلا - أن يكون المرء معتدلا في نزاهته أم مفرطا فيها؟ وهل المجتمع الأمثل هو ذلك الذي يسوده قدر معقول من العدالة، أم عدالة كاملة بلغت أقصى حدود «التطرف»؟ وهل يعد الغش صفة يستحسن أن يكون لدى الإنسان «قدر» منها مهما كان بسيطا، أم إن التفريط الكامل في هذه الصفة أمر مستحب؟ من الواضح أن «نظرية الوسط» لا تسري آليا على كل الفضائل، وأن هناك صفات معينة يكون المرء أكمل من غيره لو أنه تحلى بأكبر قدر أو بأقل قدر منها.
وعلى الرغم من أن هذه المناقشة لا تتصل اتصالا كاملا بالموضوع الذي نعرض له في هذا المقال، فإن بلوغها بنا إلى هذه النتيجة يمكن أن يكون مقدمة مفيدة غاية الفائدة، تساعد على تحقيق الهدف الذي نرمي إليه؛ ذلك لأن الكثيرين منا يعتقدون أن مبدأ «خير الأمور الوسط» هو مبدأ يصدق بصفة آلية على كل شيء، ولا يتصورون أن هناك «أمورا» معينة ينبغي على الإنسان ألا يكتفي فيها بالوسط، أو هم - بتعبير آخر - لا يدركون أن اتخاذ الموقف الوسط، أو التزام جانب الاعتدال في أمور معينة، يعني مهادنة الشر والرذيلة، والتخلي عن قدر كبير من الفضيلة، هو ذلك القدر الذي نتركه جانبا بحجة أنه يمثل حد «التطرف».
ولو نظرنا إلى الاشتراكية بمعنى أنها «العدالة الاجتماعية»؛ لظهر بوضوح أنها واحدة من تلك الأمور التي لا يكفي فيها اتخاذ الموقف الوسط؛ إذ إننا جميعا - دون شك - نود أن يتحقق من العدالة الاجتماعية أعظم قدر يمكن تحقيقه، ونحس بقصور سلوكنا لو أننا اكتفينا منها بحد «الاعتدال» وتعمدنا ألا نحققها كاملة حتى لا نصل إلى حد «التطرف»، فكيف إذن يقال إن هذا التحقيق الكامل لمطلب أساسي عزيز على الإنسان، يتعارض مع القيم الروحية؟ وكيف شاع - بين كثير من مفكرينا العرب على وجه الخصوص - ذلك الاعتقاد الذي تصبح فيه الاشتراكية أشبه ما تكون بالخمر، قليل منها يصلح «معدة» المجتمع، وكثير منها يفسد المجتمع ويصيبه بعلل، أولها فقدان الإحساس بأهمية القيم الروحية التي هي أسمى غاية يتطلع إليها البشر؟
إن المرء لا يحتاج إلى تفكير طويل لكي يدرك أن هناك فئة من القائلين بالتعارض بين الاشتراكية - إذا تطرفت - وبين القيم الروحية، لا تؤكد هذه الفكرة إلا لأنها كارهة - أصلا - للاشتراكية، هذه الفئة لا تستطيع أن تجهر بالعداء لمبدأ الاشتراكية حين يصبح هذا المبدأ سياسة رسمية للدولة، فيكون الحل الذكي الذي تلجأ إليه هو أن تحد من نطاق الاشتراكية ما استطاعت إلى ذلك سبيلا، وأبسط وسائل هذا الحد هو أن تؤكد أضرار «التطرف»، وتقيم تعارضا مزيفا بينه وبين القيم التي يعتز بها المجتمع، وبذلك تضمن أن المبدأ الذي هي في صميمها كارهة له كراهية شديدة - وإن كانت غير معلنة - قد ظل حبيس إطار محدود لا يخرج عنه، وتضمن في الوقت ذاته أنها بدعوتها هذه إلى تقييد المبدأ الذي تبغضه، قد اتخذت مظهر المدافع المخلص الغيور عن أسمى ما يملكه الإنسان من قيم.
ولكني لا أود أن أتريث طويلا لمناقشة موقف أمثال هؤلاء المفكرين؛ ذلك لأن المعارضة الصريحة للاشتراكية أشرف - في رأيي - من ذلك الالتفاف من حولها بغية طعنها من الخلف، والمعارض الصريح - وإن كان يرتكب خطأ عقليا أفدح - يتسم على الأقل بمستوى أخلاقي أرفع من مستوى هؤلاء الأعداء المتنكرين في ثياب الأصدقاء، فضلا عن أنه قابل للاقتناع إذا كان أمينا، وإذا لم تكن لعدائه أسباب خفية مرتبطة بالمصالح الشخصية، ومن هنا فإني أود أن أتوجه بحديثي إلى المعارضين الأمناء - لا المنافقين - وأن أناقش معهم ذلك المبدأ الذي يأخذونه قضية مسلما بصحتها، مبدأ التعارض بين القيم الروحية وبين الاشتراكية، إذا سارت حتى آخر مدى يمكن تصوره لها.
Halaman tidak diketahui