Pandangan Kritikal Terhadap Masalah Pemikiran dan Budaya
آراء نقدية في مشكلات الفكر والثقافة
Genre-genre
وهكذا توجه الفلسفة في كل عصر أسئلتها وتحدد مشكلاتها على النحو الملائم لذلك العصر ذاته، أما ردودها على هذه الأسئلة أو حلولها لهذه المشكلات؛ فليست في واقع الأمر «لب» فلسفة العصر.
إن طريقة وضع المشكلة وصياغتها - أعني طريقة النظر إلى الحقائق المعروفة من قبل - هي التي تحدد روح الفلسفة، وتعبر عن عبقرية العصر، وقد تظل المشكلة الفلسفية واحدة على مر عصور متعاقبة، ولكن طريقة التساؤل واتجاه الذهن الباحث عن حل لها تختلف من عصر إلى آخر، ويعبر اختلافها عما هو أصيل في روح كل عصر.
فلكل فترة رئيسية من فترات التفكير الفلسفي أفكارها الخصبة القادرة على التوليد، وهذه الأفكار ليست حلولا للمشكلات، وإنما هي الإطار الذي تصاغ فيه المشكلات وتحدد خلاله معالم تفكير الفيلسوف؛ ففي العهد اليوناني منذ سقراط كانت فكرة «الغائية » و«الخير الأقصى» هي المحور الذي يدور حوله التفكير، ولم تكن هذه الفكرة تمثل إجابة محددة على الأسئلة التي تطرأ على ذهن الفيلسوف، وإنما كانت هي القالب الذي يشكل طريقة الفيلسوف في خوض المشكلات ويوجه حلولها. وفي العصر المسيحي كانت معاني الخطيئة والخلاص واللطف الإلهي - مثلما كانت معاني العقل والنقل والحكمة والشريعة في العصر الإسلامي - هي التي تلهب في الفلاسفة حماسة التفكير، وعن طريقها صيغت المشكلات صياغة جديدة، واكتسبت الحقائق المعروفة لونا لم يكن معهودا من قبل، وكان من الضروري أن تتأثر الحلول بهذه الوجهة الجديدة التي سار فيها العقل بفضل هذه الأفكار السائدة، وفي العصر الديكارتي أصبحت المشكلات تصاغ من خلال فكرة الذات والموضوع، وثنائية الفكر والامتداد، والتجربة الباطنة والظاهرة، وصارت الفلسفة تنويعا لهذه النغمة السائدة، أو عزفا على هذا الوتر الرئيسي. •••
فما هي الأفكار التوجيهية السائدة في العصر الحالي، وما هي القوالب الجديدة التي يشكل بها الإنسان تجاربه المألوفة في هذا العصر، لكي يمارسها على نحو يتلاءم مع طبيعة حياته الجديدة؟ حول هذا الموضوع يدور كتاب المؤلفة الألمانية الأصل الأمريكية الجنسية، سوزان لانجر بعنوان «الفلسفة من منظور جديد».
2
وقد ظهر الكتاب لأول مرة خلال الحرب العالمية الثانية، وكانت الشهرة التي اكتسبها منذ ذلك الحين دليلا على أنه أشار بالفعل إلى منظور جديد للفلسفة أو إلى زاوية جديدة إذا تأملنا من خلالها مشكلاتنا المألوفة أصبحت تبشر بعهد جديد من التفكير الخصب الخلاق.
ولكي ندرك طبيعة هذا المنظور الجديد، ينبغي أن نتأمل أولا طبيعة الاتجاه الفكري السائد في عصرنا هذا. إن حضارتنا في هذا العصر حضارة علمية قبل كل شيء، وفي هذه الحضارة العلمية أصبحت الفكرة التوجيهية المسيطرة على الأذهان هي فكرة «الواقعة»، وأصبحت ملاحظات الحواس التي كان الأقدمون ينبذونها ويعدونها أساسا خداعا للمعرفة هي أداتنا الرئيسية للاتصال بالعالم. إنه عصر تسيطر عليه النزعة التجريبية، وتعبر عن روحه تلك الفلسفات التي ترد كل شيء إلى ما يمكن ملاحظته أو تحقيقه بالتجربة.
ومن هنا كانت الوضعية المنطقية معبرة عن كل شيء أساسي في حياة الإنسان الحديث: هو رفضه الاعتراف بأي شيء سوى ما يتمثل للملاحظة بوضوح، أو ما يمكن تحقيقه بالتجربة على نحو حاسم؛ فكل ما لا يمكن تحقيقه أو تفنيده، هو - في رأيها - كلام لا معنى له، أو «قضايا مزعومة» لا يصح أن نصفها بأنها خطأ أو صواب؛ لأنها كلام يستحيل التفكير فيه.
على أن صفة التجريبية أو الوضعية المتطرفة هذه - في العصر الذي نعيش فيه - إنما هي انعكاس لنوع من الهزال الروحي للإنسان الحديث؛ فمن نتائجها أن يصبح الفن والشعر والميتافيزيقا مجرد تعبيرات عن انفعالات ومشاعر رغبات خارجة عن عالم المعنى ولا تدل على أفكار، وإنما هي أغراض معينة للحياة الباطنة، شأنها شأن الضحك والبكاء، إنها صيحات انفعالية، تعبر عن مشاعر معينة لدى صاحبها، وتثير فينا مشاعر مماثلة، ولكنها لا تمدنا بأية معرفة، ولا تفتح أمامنا أفقا جديدا في فهم العالم أو الإنسان، ولا تقرر في واقع الأمر شيئا له مدلول.
وهكذا تبلغ عقيدة «الوقائع» وعبادة التحقيق والملاحظة حدا يؤدي إلى استبعاد أوجه للنشاط الروحي كانت لها في حياة الإنسان - وما تزال - أهمية قصوى.
Halaman tidak diketahui