Pandangan Kritikal Terhadap Masalah Pemikiran dan Budaya
آراء نقدية في مشكلات الفكر والثقافة
Genre-genre
قد يكون أول ما يتبادر إلى الذهن - إجابة عن هذا السؤال - هو أن القانون التاريخي لا تعود له في هذه الحالة فائدة، ولكن الواقع أن فكرة وجود قانون تاريخي يحتم انتصار الاشتراكية على الرأسمالية لها فائدة عملية كبرى؛ إذ إنها قوة دافعة تحفز الجماهير على الكفاح وتشجعها عن طريق إقناعها بأن حركة التاريخ تساعدها في كفاحها، أو بأن كفاحها مساير لحركة التاريخ، وهي في هذا الصدد تؤدي وظيفة مشابهة لوظيفة فكرة المشيئة والقدرة الإلهية بالنسبة إلى المؤمنين المجاهدين؛ فالقدرة الإلهية تفعل من خلال كفاح المجاهدين أنفسهم، ومن المستحيل أن تساعد هذه القدرة على انتصار مؤمن متخاذل، أي إن مصير المجاهدين يتقرر - في نهاية الأمر - بالجهد الذي يبذلونه في كفاحهم، ومع ذلك فإن شعور المجاهد بأن القدرة الإلهية في صفه، يقدم إليه قوة دافعة كبرى في كفاحه، كما يشل حركة خصومه إذا اقتنعوا بأن الإرادة الإلهية ليست في صفهم؛ فالمبدأ في الحالتين واحد، وهو في أساسه مبدأ ذو هدف «عملي» قبل كل شيء، وبالاختصار فإن فكرة «القانون التاريخي» فكرة تشجيعية قد لا يكون لها في الواقع نفسه كيان، ولكن تأثيرها يتحقق كما لو كانت ذات وجود وتأثير واقعي؛ بفضل قدرتها الحافزة وحدها. (4)
فإذا صح هذا التحليل كان معناه أن فكرة القانون التاريخي يتداخل فيها ما هو كائن مع ما ينبغي أن يكون، وأنها ليست وصفا لما هو واقع بقدر ما هي إشارة إلى ما هو واجب، أي إنها فكرة غائية أكثر مما هي وصفية؛ فالقانون في هذه الحالة تعبير عما نريده أن يكون، أي إنه نوع من التفكير المبني على الرغبة والتمني
Wishful Thinking ، وكل هذه - في صميمها - معان غير علمية لا صلة لها بالمعاني المألوفة التي تتضمنها فكرة القانون في العلم البحت. وهكذا فإن فكرة القانون التاريخي - التي أملتها الرغبة في تحقيق الموضوعية في مجال الظواهر البشرية، وإخضاعها للمنهج العلمي الدقيق - تتضمن بالضرورة عوامل خارجية عن مجال العلم البحت، وتخدم أغراضا وغايات عملية في صميمها.
هذا التحليل لا يعني على الإطلاق أننا نرفض الأهداف التي يسعى إلى تحقيقها القائلون بحتمية انتصار الاشتراكية بناء على قانون علمي موضوعي، بل يعني أن الألفاظ المستخدمة في أمثال هذه العبارة - كلفظ الحتمية، أو لفظ القانون - ينبغي أن تفهم على أن لها - في هذا المجال الإنساني - معنى يختلف اختلافا كبيرا عن معناها في العلوم الطبيعية، ومن الواجب أن تستقر في أذهاننا هذه الاختلافات الأساسية حتى لا نحاول اقتباس مفاهيم العلم الطبيعي وتطبيقها آليا على مجال الإنسان، ولو لم تبادر العلوم الإنسانية إلى إدراك هذه الحقيقة عن وعي لظلت إلى الأبد أسيرة «تطلعاتها» إلى العلوم الطبيعية ومحاكاتها لها.
ومجمل القول أنني حاولت في هذا المقال أن أسير - على طريقتي الخاصة - في نفس الاتجاه الذي يبدو أن العلوم الإنسانية كلها تتجه إليه في الفترة الحالية من تاريخها، اتجاه البحث عن مفاهيم خاصة لهذه العلوم، أو تحديد معان جديدة للمفاهيم التي تستعيرها من مجالات العلوم الأخرى، بعد أن اقتربت نهاية ذلك العهد الذي كانت فيه العلوم الإنسانية تنبهر بالعلوم الطبيعية وتقتبس فيه مفاهيمها ومناهجها دون تمييز.
الباب الرابع
أفكار معاصرة
هيجل في ميزان النقد1
ليس النقد الذي أعنيه ها هنا نقدا أود أن أوجهه إلى فلسفة هيجل، أو محاولة لإصدار حكم على هذه الفلسفة من خلال وجهة نظر خاصة بكاتب المقال؛ إذ إن مثل هذا النقد يقتضي من التفرغ والانقطاع لدراسة هذه الفلسفة ما أعترف أنه لم يتوافر لي بعد، بل إن كثيرا من المفكرين قد كرسوا الشطر الأكبر من حياتهم في محاولة للتعمق في فكر هذا الفيلسوف الكبير ولم يصلوا - بعد كل ما بذلوه من جهد - إلى المرحلة التي يستطيعون فيها أن يضعوا فكر هيجل في ميزان النقد، وإنما كنت أعني نقد العصر - عصرنا الذي نعيش فيه - لتلك الفلسفة التي استطاعت أن تواجه تحديات عصور متباينة كل التباين، وأن تجدد نفسها - طوال ما يقرب من قرن ونصف القرن - في أشد الظروف الحضارية والسياسية والاجتماعية اختلافا.
وإذا كان المفكر الفرد يشعر بالحرج من التصدي لفكر فيلسوف ضخم مثل هيجل، ومن وضعه في ميزان النقد، إن لم يكن قد هيأ نفسه لهذه المهمة عن طريق الدراسة الشاقة المضنية التي تستغرق من العمر وقتا ليس بالقصير، فإن العصر حين ينقد فيلسوفا، لا يمكن أن يشعر بحرج كهذا، بل إنه يمارس - في واقع الأمر - حقا مشروعا؛ ذلك لأن من حق أي عصر أن يتمثل الفكر الفلسفي من جديد، وأن يعيد اختباره في ضوء مقوماته ومتطلباته الخاصة، وحين يضع العصر مفكرا في ميزان النقد، فهو لا يفعل ذلك على سبيل الادعاء والغرور، بل إنه إنما يتخذ عندئذ الموقف الذي يتعين اتخاذه إزاء كل فلسفة، وأعني به إعادة تفسيرها - وربما إعادة خلقها - على أساس تلك الخصائص التي يتميز بها كل عصر عن غيره، وحتى لو أدى ذلك إلى ألا تعود للفيلسوف الواحد صورة واحدة تتخذ مقياسا لغيرها من الصور، وإلى أن تكتسب الفكرة الواحدة ألوانا وسمات متباينة تفقد معها «هويتها» الأصلية، فلن يكون في ذلك ضير؛ إذ إن الفكر الفلسفي - على خلاف الفكر العلمي - لم يظهر أصلا لكي يكشف للناس عن حقائق ثابتة، بل لكي يثير أذهانهم ويدفعها إلى إعادة اختبار مشكلاتها من جديد، ولن يكون ذلك الفكر قد أدى الوظيفة المتوقعة منه، ولا الرسالة التي كرس الفلاسفة أنفسهم حياتهم لها، لو أنه فرض نفسه علينا في صورة واحدة جامدة لا يطرأ عليها تطور، أو طالبنا بأن نحتفظ بطابعه «الأصلي»، ونصونه من تأويلات العصور المتباينة وتحريفاتها.
Halaman tidak diketahui