Pandangan Falsafah dalam Krisis Zaman
آراء فلسفية في أزمة العصر
Genre-genre
وتدل على ذلك عناوين كثيرة من الكتب التي ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية، وأشفق رجال العلم على مصير العالم وقالوا: «إن العالم بين إحدى اثنتين؛ فإما أن يتحد، وإما أن يتلاشى.» إن مدنيتنا - كما قال أحد كبار المؤرخين المعاصرين - تمر بمحنة كبرى. وقد عالج الفلاسفة والمربون وعلماء الاجتماع في كتاباتهم انهيار الغرب وانقسام العالم، ويرى بعضهم أن العصر الحاضر سيكون عصر الحرب الشاملة التي لا تبقي ولا تذر. وفي هذا الصدد يقول سير ونستون تشرشل: «لم يدر بخلدنا قط أن القرن العشرين الذي كنا ننعته بقرن الرجل العادي يكون من بين معالمه الكبرى أن يقتتل هؤلاء الرجال العاديون في يسر لم تشهده القرون الخمسة الماضية في تاريخ العالم، ولكنا أقبلنا على هذا القرن الفظيع - القرن العشرين - بروح الثقة والاطمئنان.»
هذا القرن الفظيع! من ذا الذي يتدبر مسيره وتاريخه ولا يحكم عليه بالفظاعة؟! ومن ذا الذي ينكر أن الثقة التي كانت تملأ نفوسنا عند مطلعه قد زالت من النفوس؟! ليس من شك في أن الأزمة التي نعانيها في العصر الحاضر فريدة في تاريخ الإنسان؛ فهي أعمق وأوسع انتشارا من أية أزمة أخرى عرفه تاريخ الإنسان؛ لأنها أزمة الوجود البشري ذاته. وهذه هي البارقة الأولى من بوارق الخوف الناشئ عن الصور المتعددة لاحتمال الدمار الشامل لشخصية الإنسان؛ الخوف الناشئ عن القنبلة الهيدروجينية، والتعذيب الشديد في معسكرات الأعداء، وتجارب الفتك الشامل للبشرية، وهجرة الكتل البشرية إلى غير مواطنها بسبب الحروب والعداوات. إن هذه المخاوف التي تهدد الفرد، تهدد أيضا المجموعة البشرية كما تهدد الإيمان بالإنسان. إنها أزمة الفرد، وأزمة العلاقة بين الفرد والطبيعة، وبين الفرد وما يعمل، وبينه وبين غيره من الناس، وبين النظام الاجتماعي.
إن القنابل التي ألقيت على هيروشيما ونجازاكي وما تطورت إليه من أسلحة نووية ليست إلا رمزا للكارثة التي تحيق بالبشر، فهي تصور كيف يمكن أن تتجمع أسباب الحرج في تاريخنا على هيئة سلاح واحد مدمر. إن هذه الأسلحة الفتاكة التي يشغل الإنسان نفسه باختراعها تبعث على الخوف من حرب مدمرة تقضي على المدائن في لمحة، وتحطم الحياة البشرية في لحظة، وتلطخ وجه الأرض كله بالدماء. إن هذه الأسلحة الفتاكة قد جمعت مخاوف الناس في نقطة واحدة. وحتى لو استطعنا أن نتحاشى الحرب الشاملة، فهناك ما تثيره الحرب الباردة من قلق في النفوس لا ينفك عنها، هذه الحرب التي أطلقتها من عقالها المنافسة بين قوتين كبيرتين تستطيعان وحدهما أن تتحكما في أكبر عدد ممكن من الأسلحة الفتاكة التي لا يمكن أن تقاوم، حتى يخترع الإنسان أسلحة أخرى أشد منها فتكا. وقد أمكن لهذه الأسلحة الفتاكة أن تعمق هوة الخلاف بين شقي العالم الذي نعيش فيه . كما أن مشكلات انقسام العالم قد أدت بدورها إلى اشتداد الأزمات السياسية والاقتصادية التي يشكو منها عصرنا الحاضر، مثل مشكلة وحدة غرب أوروبا، والصيحة العالمية التي تنبعث من شعوب آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية مطالبة بنصيبها في القوة الصناعية والكرامة الوطنية. ثم إن المفارقة - التي أخذت هوتها تتسع - بين قدرة الإنسان الفنية العملية وسيطرته على الطبيعة وبين سيطرة الإنسان على نفسه وكلمته، قد بلغت قمة عالية مع اختراع هذه الأسلحة المميتة.
وللأزمة - أخيرا - وجه خلقي: هل يمكننا أن نسوغ قيمة المعرفة لمجموعة البشر، أو هل يبقى كل فرد حرا فيما يؤمن به؟ إذا كنا لا نستطيع أن نجد مسوغات معقولة لإيماننا بالإنسان، فلا بد أن تبقى القيمة الكبرى للعقيدة التي تسندها القوة الجنونية.
متى بدأت أزمة العصر الحاضر؟ من النقاد من يرى أنها بدأت مع ظهور الحكم الدكتاتوري في أوروبا، ومنهم من يرى جذورها في المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي جاءت في أعقاب صلح فرساي، ومنهم من يرد أسبابها إلى القومية المعتدية والصراع الاستعماري بين الدول الحديثة، ومنهم من يرى أن هذه الأسباب جميعا إنما تنم عن ضيق الأفق، وأن السبب الرئيسي مؤامرة شيوعية دولية، كانت فترة انقلاب أساسي عنيف في أكثر من مجال حيوي. ولكن الواقع أن الدرس الذي تلقيناه عن الحرب العالمية الثانية المشئومة هو الذي أفسح المجال للأزمة التي نعانيها.
إن نهاية الحرب العالمية الثانية تحدد بداية عصر من عصور التاريخ، وهي نقطة بداية لمرحلة من مراحل تاريخ الإنسان التي تتجمع فيها مشكلات كبرى تواجه الحضارة الغربية، بل تواجه العالم بأسره، وتبرز من بين هذه المشكلات - غير الأسلحة النووية - ثلاثة أمور كبرى: الأول خطة الشيوعية السوفيتية والصينية، والثاني حل مشكلة الدول النامية في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، والثالث مصير الحرية في الغرب. وكل واحد من هذه الأمور كفيل وحده بأن يخلق أزمة للحضارة الغربية الحديثة؛ فما بالك إذا تجمعت ثلاثتها، واشتد أزرها بتقدم فنون الحرب؟ إنها حينئذ تهدد حياة الإنسان كلها، وتجعل أزمة العصر الحاضر من أحد الأزمات؛ ومن ثم فإني أرى أنه لكي نحسن إدراك طبيعة الأزمة الحاضرة ومداها، لا بد من أن ننظر في كل أمر من هذه الأمور على حدة. (2) خطر الشيوعية «إن طيفا جديدا يلمح في أوروبا - هو طيف الشيوعية.» بهذه العبارة الافتتاحية الشهيرة أعلن «البيان الشيوعي» الذي صدر في عام 1848م قرب انتهاء النظام الرأسمالي عن طريق ثورة فريدة تحرر المعذبين في الأرض وتقيم مجتمعا عالميا لا طبقيا. أما اليوم - وقد انقضى بعد صدور هذا البيان ما ينيف على مائة عام - فإن الشيوعية لم تعد طيفا من الأطياف، إنما هي إحدى قوتين عظيمتين في العالم، إنها تتحكم في القوى البشرية والموارد الطبيعية في جزء كبير من العالم، وهي تؤلف قوى حربية لم يعرف التاريخ لها نظيرا من قبل، قوى لا تهدد أوروبا وحدها، بل تهدد أيضا العالم غير الشيوعي برمته. وفي التاريخ وثبات ثلاث يرجع إليها السبب في هذا التحول؛ فالحرب العالمية الأولى عملت على تصفية الإمبراطورية النمساوية المجرية القديمة، وأضعفت ألمانيا، ومكنت للحزب البلشفي أن يستولي على السلطة في روسيا، فأنشأ في فترة وجيزة من الزمان مجتمعا جديدا يخضع للحكم الدكتاتوري. والحرب العالمية الثانية عملت على تصفية النعرة العسكرية في ألمانيا واليابان، والمستعمرات البريطانية والفرنسية والهولندية، ومكنت للأحزاب الشيوعية في روسيا والصين من الاستيلاء على النفوذ في شرقي أوروبا وفي بلاد الصين. والظاهرة القائمة في الوقت الحاضر، ظاهرة صعود الشيوعية إلى قمة القوى العالمية، إنما نشأت عن اندماج النظرية الماركسية بحزب لينين والخطط الخمسية الاستالينية للتصنيع الإجباري الذي يسير اليوم في ظروف التكنولوجيا النووية الآلية الصاروخية. ولما كان الشعور السائد في الغرب هو أن الخطر الشيوعي يمكن أن يزول إذا طبقت روسيا فعلا سياسة التعايش السلمي التي تنادي بها، ولكي ندرك إمكان تحقيق ذلك، أرى أن نحلل الشيوعية إلى عناصرها الأساسية.
ويقودنا ذلك إلى مجموعة المعتقدات والآراء التي يوجه الشيوعيون بها أعمالهم. وما أكثر المؤلفات التي صدرت في موضوع النظرية الشيوعية، وما يترتب على تطبيقها من شرور عن طريق العمل السياسي. ولا نستطيع في هذه المقدمة أن نشير إلا إلى الظواهر الأساسية في هذه المعتقدات. إن جزءا من النظرية من التراث الماركسي، وجزءا آخر هو التطور الذي نشأ عن الحكم القيصري؛ وما اقتضاه من ضرورة القيام بعمل ثوري للاستيلاء على السلطة باسم البروليتاريا، والجانب الأكبر من هذا العمل من صنع لينين. وبعد الثورة البلشفية، أخذ المذهب الشيوعي يتخذ صورة محددة، تصلح للإبقاء على الحكومة السوفيتية وانتشار نفوذها. وكان الجانب الأكبر من هذا العمل من فعل استالين. ثم أخذ المذهب يتطور ويتشكل على صور جديدة متأثرا بالتجربة الشيوعية الصينية. وبالرغم من التعديل الشديد الذي طرأ على التعبير الماركسي الأصلي، فإن لب النظرية لا يزال قائما يؤثر في الوسائل الشيوعية ويمد حكام المجتمع الشيوعي بالرأي الذي يسترشدون به. ولا تزال النظرية الماركسية عاملا قويا لدفع التاريخ نحو انتصار العقيدة الشيوعية؛ ومن ثم كان للنظرية أهميتها في التربية الشيوعية، وهي تؤخذ مأخذ الجد عند مناقشة أي برنامج جديد أو اتجاه في السياسة.
ومن أساسيات النظرية الماركسية نظرية المادية التاريخية، وهي محاولة ماركس أن يوفق بين النظرية من ناحية وبين التاريخ والعمل من ناحية أخرى. إن المادية التاريخية تزعم أنها تفسير مجرى التاريخ كله ببضعة قوانين من قوانين الحركة. التاريخ كله - طبقا لهذه النظرية - ليس إلا تاريخ الصراع بين الطبقات، والطبقة تحدد بالدور الذي تلعبه فيما يتعلق بوسائل الإنتاج السائدة؛ ومن ثم فلكي يفهم المرء التغير الاجتماعي لا ينبغي له أن يتأثر بالعاطفة وينظر إلى الإطار الخارجي - إن المثل الخلقية، أو القوانين، أو المعتقدات مثلا - وإنما ينبغي له أن ينظر إلى العلاقات الأساسية في الاقتصاد والملكية، وهي العلاقات التي تحدد الدور الجديد من تطور الحوادث. وحتى الواقع السياسي السائد - كالدولة مثلا - يجب أن يفهم على أنه ليس إلا السلاح التنفيذي (القانون والجيش) الذي يدفع عن حقوق الملكية للطبقة المالكة. وإن أبسط علاقات الملكية التي تتميز بها هي العلاقة بين أولئك الذين يملكون وأولئك الذين لا يملكون وسائل الإنتاج - بين من عندهم ومن ليس عندهم. وكلما تغيرت الوسائل التكنولوجية نشأت الصعوبات الاقتصادية في حدود تقسيم العمل. وهذه هي الحوافز التي تبعث على النضال بين الطبقات. غير أن علاقات الملكية المشروعة القائمة تصبح إلى جانب ذلك قيودا على التقدم التكنولوجي، ثم تحطم هذه القيود ثورة الطبقة المظلومة فيما سبق، وهي الطبقة التي تلقى تأييدا تاريخيا من جانب التقدم الملموس في التكنولوجيا. وحيث إن الطبقة لا يمكن أن تقتل نفسها، فإن الوسيلة الوحيدة التي تستطيع بها الطبقة المظلومة أن تجتذب وسائل الإنتاج من بين براثن الطبقة المالكة هي الوسيلة السياسية العنيفة؛ وسيلة الثورة. وترى الماركسية أن آخر ما بلغته الرأسمالية من تطور هو السبب في الحروب العالمية وثورة المستعمرات. إن الرأسمالية المتقدمة تحاول أن تتحاشى تناقضها الداخلي بالبحث عن المستعمرات واستغلالها كمصادر للمواد الخام، والعمل الرخيص، وكأسواق للسلع المصنوعة، وذلك مما يحول صراع الطبقات الوطني إلى صراع طبقي عالمي. ولما كانت مساحة الأرض محدودة، وجشع الرأسمالية غير محدود، فلا مناص من أن تنتهي المنافسة الرأسمالية إلى حرب عالمية استعمارية. والاستغلال الرأسمالي للبلدان المتخلفة لا بد - في نفس الوقت - أن يحرك نفس النزاع الطبقي الذي يتولد في داخل الدول الرأسمالية؛ مما ينجم عنه أن تنضم المقاومة الوطنية إلى الوعي الطبقي في الجماهير المستعمرة وتثور في وجه رأس المال الأجنبي المستغل. وهذا الموقف يعجل بثورة البروليتاريا، ويقوي التناقض الموجود في الرأسمالية؛ لأن وجود الدولة الشيوعية يمحو الأسواق ومصادر الاستيراد، ويكون رمزا لإمكان حدوث الانقلاب الثوري؛ ومن ثم فإن النظرية الماركسية تزعم أن الدول الرأسمالية تسعى إلى تدمير الدول الشيوعية وإلا دمرتها الشيوعية. ويحمل لينين هذا الرأي في عبارته الشهيرة التي قال فيها: «ما دامت الرأسمالية والشيوعية موجودتين، فنحن لا نستطيع أن نعيش في سلام.»
ومهما كانت قوة المذهب المادي بالنسبة إلى الماضي وبالنسبة إلى بعض النبوءات التي ثبتت في الحاضر، فإن القوة المعنوية والتبشيرية الكامنة في هذا المذهب تبلغ ذروتها عند تطبيقها على المستقبل، فإن الوعود البراقة التي تقدمها الشيوعية للبشرية تبرر كل تضحية وكل تعذيب في سبيل تحقيق الغاية المنشودة التي تبشر بالسعادة للجميع ؛ لأن الماركسي يرى في تضخم رأس المال سببا في اختراع أدوات تكنولوجية يمكن أن تدر اليوم ما «يكفي» لكل فرد، بشرط تحطيم الأغلال الرأسمالية. والمفتاح السحري لتحقيق ذلك هو بتحويل وسائل الإنتاج الكبرى إلى النظام الشيوعي، وتحويل نظام الإنتاج من أجل الكسب إلى نظام الإنتاج من أجل المنفعة. هذا هو حلم النظرية الشيوعية، وهو حلم ما برحت النظرية الشيوعية السوفيتية تستوحيه، غير أن لهذا الحلم ثمنه الغالي - وهو الثورة - فبهذه الوسيلة وحدها تستطيع الطبقة العاملة أن تستولي على القوة من أصحاب رأس المال، وبها تنشأ دكتاتورية البروليتاريا. ولهذا الحلم أيضا قيمة عند أولئك الذين استولوا على الحكم باسم السوفيت؛ لأن الاتحاد السوفيتي يزعم أنه أرض السعادة الموعودة، والثمرة الحقيقية للشيوعية العلمية. وهناك أخيرا ذلك الأمل المنشود في قيام مجتمع لا طبقي في نهاية الأمر، مجتمع تتوافر فيه الحرية للجميع، وتحل فيه السيطرة على الأشياء وحسن إدارتها محل السيطرة المستغلة للأفراد. وحتى ينزل العدو عن مكانته - من الداخل أو من الخارج - فلا مناص من اتخاذ وسائل الإرهاب التي لا ترحم مع كل من تحدثه نفسه بالتآمر ضد موطن الشيوعية الأول.
إذا تدبرنا نظرية المادية التاريخية في ضوء نفوذ الشيوعيين وأعمالهم، تحققنا من أن الخطر الشيوعي عامل أساسي في الأزمة التي نعانيها في العصر الحاضر. إنها عنصر فعال في الأزمة؛ لأنها نظرية تدعو إلى إثارة الأزمة وتعميمها ومد أجلها، ويؤمن بها حزب عسكري ويثق بصحتها صحة مطلقة، ويرى أنها نظرية النظريات التي يجب أن نسترشد بها في كل ما نعمل. إنها نظرية عامة تشمل الزمان كله، والمكان كله، وجميع أوجه نشاط الإنسان. وهي نظرية ثابتة ثبوت غيرها من النظريات العلمية. وكثير ممن يدرسون التاريخ تجذبهم فيها بساطتها وتعميمها عند تطبيقها في الماضي، وكثيرون آخرون يجذبهم فيها صدق نبوءاتها في تطور العمل ونمو الاحتكار الرأسمالي، والحروب العالمية وثورات المستعمرات. وأخيرا هناك من الناس من يجذبهم فيها أنها نظرية تفسر الماضي وتتنبأ بالحاضر؛ ومن ثم يمكن استخدامها في توجيه مسير المستقبل .
Halaman tidak diketahui