Pandangan Falsafah dalam Krisis Zaman
آراء فلسفية في أزمة العصر
Genre-genre
فأين يتحقق؟ لا أقول في المجال الفلكي، حيث جلس على عرشه سنوات عدة؛ فلقد أمست السموات شديدة الشبه بالأرض منذ أينشتين، ولم يعد بوسعنا أن نلتمس الطرف المناقض للفوضى في سماء الليل، ونتطلع، مع جورج مرديث، إلى النجوم، ونحسبها محشودة وفقا لقانون ثابت لا يتغير، أو نستمع إلى موسيقى الكواكب؛ فليس النظام هناك. ويبدو أن هناك مجالين اثنين في الكون بأسره يمكن أن نلتمس فيهما النظام. أما أولهما، وهو لا يقع في حدود موضوعي، فهو النظام الإلهي المقدس، أو الانسجام الصوفي، وهو ميسور، طبقا لجميع الديانات، لأولئك الذين يستطيعون أن يتدبروه. ولا محيص لنا عن الاعتراف بإمكان وجود هذا النظام، طبقا لما رواه البارعون فيه، ولا بد لنا من تصديقهم حينما يقولون إنه يتحقق، إذا كان ممكن التحقيق، بالصلاة. ولقد قال أحد شعراء هذه الطائفة: «إني أدعوك يا من لا يتغير أن تحل بي.» وقال آخر: «اللهم يا من تحبني أودع في الحب نظاما.» إن وجود النظام الإلهي المقدس لم يثبت قط بطلانه، وإن يكن من العسير اختباره.
أما المجال الآخر الذي يمكن أن يتحقق فيه النظام فهو مجال الجمال، وهو موضوعي هنا؛ إنه النظام الذي يستطيع الفنان أن يبدعه في فنه. وأعود الآن إلى هذا الموضوع فأقول إن العمل الفني، في عرفنا جميعا، إنتاج فذ، ولكن لماذا؟ إنه ليس فذا لما فيه من مهارة، أو نبل، أو جمال، أو استنارة، أو ابتكار، أو صدق، أو مثالية، أو نفع، أو تربية - وقد ينطوي على أية صفة من هذه الصفات - إنما هو فذ لأنه الشيء المادي الوحيد في هذا الكون الذي يمكن أن ينطوي على انسجام داخلي. وكل ما عدا الفن قد تشكل بضغط من الخارج، وإذا أنت أزلت عنه القالب الذي صب فيه تدهور وانهار. أما العمل الفني فيقف من تلقاء نفسه، وهو وحده الذي يستطيع ذلك. إنه يحقق شيئا كثيرا ما لوح به المجتمع ووعد به، ولكنه كان مخادعا في كل ما وعد. لقد تدهورت أثينا القديمة، ولكن «أنتيجون» يقف على قدميه. وتدهورت روما في عهد النهضة، ولكن سقف سستين لا يزال مصورا. وقد عبث جيمز الأول، وبقيت «ماكبث». وعبث لويس الرابع عشر، وبقيت «فيدر»؛ فهل الفن للفن؟ أعتقد ذلك، وأنا في الوقت الحاضر أشد اعتقادا مني في أي عهد سبق. إنه الإنتاج المنظم الوحيد الذي أخرجه الجنس البشري المتخبط، إنه نداء آلاف الحراس، والصدى العائد من آلاف المتاهات، إنه مصدر النور الذي لا يمكن إخفاؤه (إنه خير شاهد نستطيع أن نقدمه دليلا على كرامة الإنسان).
5 (1-4) التسامح
إن كل إنسان يتحدث عن إعادة البناء، ولخصومنا مشروعاتهم لإيجاد نظام جديد في أوروبا يكفلونه بشرطتهم السرية. ونحن من جانبنا نتحدث عن إعادة بناء لندن أو إنجلترا أو المدنية الغربية، ونرسم الخطط للتنفيذ. كل هذا حسن، ولكني عندما أستمع إلى مثل هذا الكلام وأشهد المهندسين المعماريين وهم يرهفون أقلامهم للرسم، والمتعهدين وهم يحسبون تقديراتهم، ورجال الدولة وهم يحددون مجال نفوذهم، وعندما أرى كل إنسان مقبلا على العمل، أذكر نصا مشهورا يقول: «عبثا ما يعمل كل أولئك الذين يشيدون البيت، ما عدا السيد الذي يبنيه لنفسه.» ووراء الصورة الخيالية التي ترسمها هذه الكلمات تكمن حقيقة علمية صارمة، وهي أنه ما لم يكن لديه اتجاه عقلي سليم، ونفسية صحيحة، لا تستطيع أن تبني أو تعيد بناء أي شيء يتصف بالدوام. والنص صادق لا لرجال الدين فحسب، ولكن للعاملين مهما تكن نظرتهم. ومما له دلالة أن أحد مؤرخينا، وهو الدكتور أرنولد توينبي، قد اختار هذا النص عينه ليقدم به دراسته العظيمة عن نمو الحضارات وانهيارها؛ فمما لا شك فيه أن الأساس السليم الوحيد لأية حضارة من الحضارات هو توافر حالة عقلية سليمة.
وأية حالة عقلية نعدها سليمة؟ إننا في هذا قد نختلف؛ فإن أكثر الناس إذا سئلوا: أية صفة روحانية نحن بحاجة إليها لإعادة بناء المدنية؟ أجابوا بأنها «المحبة». لا بد للناس من تبادل الحب كما يقولون، وكذلك لا بد للأمم من أن تتحاب؛ وعندئذ نقف عند حد سلسلة الكوارث التي تهدد بتدميرنا.
ولكني أعارض هذا الرأي بشدة، رغم احترامي له. الحب قوة عظمى في الحياة الخاصة، بل هو أعظم من كل شيء آخر. غير أن الحب في الشئون العامة لا يجدي، ولقد جرب المرة تلو المرة، في مدنيات العصور الوسطى المسيحية، وكذلك في الثورة الفرنسية، وهي حركة دنيوية أكدت مرة أخرى ضرورة الإخاء بين البشر. وكانت هذه التجارب تئول إلى الفشل دائما. إن فكرة تبادل الحب بين الأمم، أو بين الهيئات التجارية أو لجان التسويق، أو أن يحب الرجل في البرتغال زميله في بيرو الذي لم يسمع به من قبل، هذه فكرة باطلة، غير واقعية، خطرة. وهي تؤدي بنا إلى شعور عاطفي غامض غير مأمون الجوانب. إننا نتغنى ب «حاجتنا إلى المحبة»، ثم نتقاعد وتسير الدنيا سيرتها الأولى. والحقيقة أننا لا نستطيع أن نحب إلا ما نعرفه معرفة شخصية، ولا نستطيع أن نعرف كثيرا. إن ما نحتاج إليه في الشئون العامة، وفي إعادة بناء الحضارة، شيء أقل من ذلك مسرحية وعاطفية، وذلك هو التسامح. وهو فضيلة مقبضة، تدعو إلى الملل والسأم. وكثيرا ما يكون ثقيلا على النفس، على نقيض الحب في هذا. وهو سلبي يعني احتمال الناس فحسب، أو يعني القدرة على تحمل الأمور. ولا أعرف شاعرا تغنى بالتسامح، أو أقام له تمثالا. غير أن هذه هي الصفة التي نحن أشد ما نكون حاجة إليها بعد الحرب، وتلك هي الحالة العقلية السليمة التي نبحث عنها، وهذه هي القوة الوحيدة التي تمكن العناصر المختلفة والطبقات والمصالح المتعارضة من الانضمام بعضها إلى بعض في عملية إعادة البناء.
6 (1-5) تحيتان للديمقراطية
ويؤدي بي هذا إلى الحديث عن الديمقراطية، «بل إلى المحبة، والجمهورية المحببة، التي تعيش على الحرية وحياة الناس». وليست الديمقراطية جمهورية محببة في الواقع، ولن تكون، ولكنها أقل تنفيرا من صور الحكومة المعاصرة الأخرى، ومن أجل هذا فهي تستحق منا التأييد؛ فهي تبدأ من افتراض أهمية الفرد، وأن كل صنوف الناس مطلوبة لإنشاء الحضارة. وهي لا تقسم المواطنين إلى رؤساء ومرءوسين، كما تفعل النظم التي تستهدف الكفاية. إنني أشد ما أكون إعجابا بقوم حساسين يحبون أن يبدعوا شيئا ويكشفوا شيئا، ولا يقيسوا الحياة بمقياس القوة. ومثل هؤلاء القوم يجدون فرصة في ظل الديمقراطية أكثر مما يجدونها تحت أي نظام آخر. إنهم يؤسسون الديانات، الكبرى والصغرى، أو ينتجون الأدب والفن، أو يقومون ببحوث علمية غير مغرضة، أو قد يكونون من نسميهم «عامة الناس» الذين يبدعون في حياتهم الخاصة، فيحسنون تربية أبنائهم، مثلا، أو يساعدون جيرانهم. كل هؤلاء الناس يحتاجون إلى التعبير عن أنفسهم، وهم لا يستطيعون ذلك إلا إذا منحهم المجتمع الحرية لأداء هذا التعبير، والمجتمع الذي يسمح لهم بأكبر قدر من الحرية هو المجتمع الديمقراطي.
وللديمقراطية ميزة أخرى؛ فهي تسمح بالنقد، وبغير النقد العام لا بد أن تقع الفضائح التي يكتم سرها. ومن أجل هذا أومن بالصحافة، بالرغم من كل أكاذيبها وابتذالها، وأومن بالحياة النيابية، بالرغم من السخرية التي تتعرض لها أحيانا ووصف ما يجري في مجالسها بالحديث العابر، ولكني أعتقد في هذه المجالس لأنها مجال للحديث العابر.
ومن ثم فإني أحيي الديمقراطية تحيتين؛ أولاهما لأنها تسمح بالتنوع، وثانيتهما لأنها تبيح النقد. وتكفيها تحيتان، وليس هناك مجال للتحية الثالثة، التي لا تستحقها إلا المحبة، أو الجمهورية المحببة.
Halaman tidak diketahui