Pandangan Falsafah dalam Krisis Zaman
آراء فلسفية في أزمة العصر
Genre-genre
وأصبح سيلون أحد مؤسسي الحزب الإيطالي الشيوعي، ورئيسا لتحرير مجلة أفانجارديا الأسبوعية التي تصدر في روما. وفي عام 1921م قام بزيارة إلى روسيا. وعند عودته إلى إيطاليا أقام في تريست، وأخذ يحرر صحيفة العمال اليومية «آل لافوراتور». وكما ذكر في المقتطفات التي سوف نوردها فيما بعد، بقي في إيطاليا بعد إصدار القوانين الخاصة التي صدرت ضد المعارضين للفاشية، وبعد تنفيذها. وهكذا اجتاز سيلون الامتحان الخطير الذي تعرض له في عمله السري، وهو يطبع الصحف غير المشروعة، علما بأن أمرا بالقبض عليه قد صدر، واستولى الفاشست على آل لافوراتور، وقبض على أخيه الذي نجا من الزلزال الذي قضى على أكثر أفراد الأسرة، وأودع السجن، وضرب حتى مات، فعاد أدراجه إلى أبرزي، باحثا عن مأوى، حتى عثر عليه لدى أصدقائه الفلاحين، لفترة ما.
وفي عام 1930م اختلف سيلون مع الحزب الشيوعي، وفي العام التالي استطاع الهروب عبر الحدود إلى ألمانيا. ومن هناك رحل إلى جهات أخرى في أوروبا، متعرضا للحبس والنفي في مناسبات عديدة، في مختلف الأقطار. وفي عام 1931م أقام بسويسرا، ولبث بها حتى نهاية الحرب العالمية الثانية وهزيمة الفاشست. وفي هذه الفترة كتب سيلون رواياته؛ فنتامارا، والخبز والنبيذ، وغيرهما. كما دون تاريخا عن الفاشية في إيطاليا، وأخرج مجلدات من المقالات السياسية، والمحاورات، ونقدا سياسيا هاما للمجلات الاشتراكية في جميع أنحاء العالم. وفي عام 1944م عاد سيلون إلى إيطاليا ليواصل عمله زعيما فكريا للحزب الاشتراكي الإيطالي، ومديرا لصحيفة أفانتي!
وإن مجرد سرد هذه الوقائع في حياة سيلون لا يصور البتة القوى المعنوية الكبرى عند هذا الكاتب الذي نجح في الظفر بالشهرة خلال سنوات منفاه عن طريق كتبه المثيرة التي تدعو إلى العجب. وفي هذه الكتب رسم في صور بشرية حية محنة استخفاف الدول الدكتاتورية بالروح الإنساني. وقد أثارت هذه الصور أذهان المثقفين في غرب أوروبا وأمريكا، كما هزت قلوبهم. وعندما عاد بذاكرته إلى خبرته الشخصية في العقيدة الاشتراكية، التي ظن أول الأمر أن الحزب الشيوعي سيقوم ببثها، والتي عرف بعد سنوات أليمة تكشفت له فيها الحقيقة أنها سبب الفساد والاضطهاد، عندما عاد بذاكرته إلى ذلك كله قال: «إن الاشتراكية الحديثة بعد الحرب العالمية الأولى، سلكت مسلك الصائد الذي خرج ليصيد طائر السمان فوقع بين أنياب الذئاب.» ولم يستطع أن ينجو من هذه الذئاب إلا «الأصحاء من الرجال، الذين يتصفون بالصدق والكمال». وذلك عن طريق التساؤل، والعصيان، والبحث الشخصي، والآلام النفسية. فهل سيكون هؤلاء هم الرجال الذين سيحررون روح الإنسان التي تضطر الآن إلى «أن تنقذ نفسها بالاختفاء»؟ هذا لغز عويص ليس من العسير حله. غير أن سيلون يرى أن «إعادة الكشف عن التراث المسيحي في ثورة هذا العصر هي أهم كسب حققناه في السنوات الأخيرة لضمير هذا الجيل».
والقطعة المختارة التي نوردها فيما يلي مقتطفة من فصل في كتاب غير عادي نشر في عام 1941م تحت عنوان «المعبود الذي أخفق»، وهو يحتوي على مقالات دبجها أصحابها عن سيرة حياتهم، وهم جميعا من «أعضاء الحزب». وهؤلاء هم آرثر كسلر، وأجنازيو سيلون، ورتشارد رايت، الذين يعرضون في أمانة فذة ولاءهم للشيوعية في الماضي، ثم إدراكهم فيما بعد أن الشيوعية أكبر خدعة للأمل في حرية الإنسان. وهنا يفلح سيلون في إثارة الشعور - في مقال موجز - الذي يصوره بطريقة فنية دقيقة في رواياته الخيالية، وهو الشعور بأن الفرد في أعلى مستوياته يسمو على كل النظم الاقتصادية والاجتماعية المصطنعة التي تتعسف به وتحاول أن تحرمه استقلاله الروحي. وقد بينا أن سيلون - حتى حينما يتزعم العمال المظلومين - إنما يفعل ذلك بروح الاستقلال الفردي بالرأي التي جعلته لا يؤمن بأمثال هذا الشعار - «الوعي الطبقي» - لأن الأشخاص الذين صورهم سيلون كانوا من الفلاحين، ولم يكونوا من العمال الأجراء. وغاية ما آمن به سيلون في الاشتراكية، هو أقرب ما يكون إلى إثارة العطف نحو الجائعين، والمعوزين، والعاجزين، وأولئك العظماء - مهما يكونوا من المغمورين - الذين هم على استعداد للاستشهاد في سبيل الاعتقاد في الإنسانية والإيمان بها. أما ما تبقى من رحلة سيلون الدينية التي قام بها ليحقق العدالة الاجتماعية والحرية، فينحصر في إيمان ثابت لا يتزعزع بإمكان تخطيط نظام اقتصادي على الأسس الاشتراكية يقوم على قاعدة احترام الفرد بصورة ديمقراطية صحيحة. وفي إحدى قصص سيلون التي نشرها تحت عنوان «السيد أرسطو» يمسك سمبلسيو - وهو على شفا الموت - بيد راع عجوز آواه، ويقول: «اعلم أن الإنسان يستطيع أن يفعل الخير!» وهي عبارة على بساطتها معقدة، تنم عن الماضي وتنبئ بالمستقبل. (1) المعبود الذي أخفق
أجنازيو سيلون (1-1) لماذا صرت شيوعيا؟
في ذلك المساء من شهر نوفمبر بميلان، حينما أردت أن أشرح لأصدقائي لماذا تمسكت - وأنا في السابعة عشرة من عمري وما زلت في سنوات الدراسة - باشتراكية زمروالد، اضطررت إلى أن أعود بذاكرتي، خطوة خطوة، إلى السنوات الأولى من حياة المراهقة، بل لقد وجدتني مرغما على أن أذكر حكايات عن صباي؛ لكي أكتشف أول المصادر التي أمدتني بنظرة إلى المجتمع - اتخذت فيما بعد صيغة سياسية - وكان لا بد أن يظهر فيما بعد أنها نظرة ثائرة. إن المرء في السابعة عشرة من سنه، وفي وقت الحرب، لا يلتحق بحركة ثورية تضطهدها الحكومة، إلا إذا كانت الدوافع إلى ذلك جدية خطيرة.
نشأت في إقليم جبلي في جنوبي إيطاليا. والظاهرة التي تركت في نفسي أقوى الآثار، حينما بلغت سن الرشد، هي ذلك التباين الشديد، التباين الشنيع السخيف الذي لا مبرر له، بين الحياة العائلية والحياة الفردية من ناحية، وهي حياة كريمة نزيهة تقوم على أسس سليمة في جملتها، وبين العلاقات الاجتماعية، التي كانت في كثير من الأحيان جافة ومليئة بالحقد والخداع من ناحية أخرى.
كنت طفلا في الخامسة من عمري حينما كنت - ذات يوم أحد - أعبر الميدان الصغير في قريتي، في صحبة أمي، وهي تقودني من يدي، فشهدت منظرا ينم عن كثير من القسوة والغباء، وهو منظر أحد أعيان البلدة وقد أطلق كلبه الضخم على امرأة فقيرة، وهي خائطة ملابس، كانت خارجة من إحدى الكنائس. فانكفأت المرأة المسكينة فوق الأرض، وقد أصيبت بجراح بالغة، وتمزق رداؤها إربا إربا. وعم الاستنكار في القرية، ولكنه استنكار في صمت. ولم أدر قط كيف عن لهذه المرأة المسكينة أن تقاضي هذا العمدة! ويا لها من فكرة غير موفقة فكرت فيها! فقد كانت النتيجة الوحيدة لهذا الإجراء هي سخرية القضاء، بالإضافة إلى ما أصابها من قبل من أذى. وأقول مرة أخرى إنه بالرغم من أن كل من رآها أشفق عليها، وبالرغم من أن كثيرا من الناس قد عاونها سرا، فإن المرأة التعسة لم تستطع أن تجد شاهدا واحدا على أهبة لأن يدلي بشهادته أمام القاضي، ولم تجد محاميا يتولى الدفاع؛ في حين أن محامي «الجناح الأيسر» الذي تولى قضية العمدة قد حضر في الميعاد، كما حضر عدد من الشهود المرتشين الذين حنثوا في أيمانهم حينما زوروا رواية ما حدث، واتهموا المرأة بإثارة الكلب، فبرأ القاضي العمدة، وحكم على المرأة المسكينة بدفع النفقات - وكان رجلا فاضلا نزيها في حياته الخاصة.
وبعد بضعة أيام سمعت القاضي في بيتنا يسوغ حكمه قائلا: «لقد سارت الأمور بما لا يرضى ضميري، وأؤكد لكم بشرفي أنني كنت في غاية الأسف. ولكن حتى لو شهدت بنفسي هذا الحادث الأليم باعتباري مواطنا عاديا، ولم يكن بوسعي إلا أن أوسع الرجل لوما، فإني - برغم ذلك - كقاض لا بد لي من الأخذ بالشهود، ولقد كانت الشهادة لسوء الحظ في مصلحة الكلب.»
وكنت في السابعة من عمري حينما حدثت أول حملة انتخابية أستطيع أن أذكرها من ناحيتي. ولم يكن لدينا في ذلك الحين أحزاب سياسية؛ ولذا فقد استقبل الناس إعلان هذه الحملة بقليل جدا من الاهتمام. غير أن الشعور العام قد التهب حينما أذيع أن أحد المرشحين هو «الأمير»، ولم تكن ثمة حاجة إلى أن يذكر اسمه أو اسم أبيه لكي يعلم الناس أي أمير كان معنيا؛ فقد كان يملك الضيعة الكبرى التي استحوذ عليها باحتلاله عنوة لمساحات الأراضي الشاسعة التي استصلحت في القرن الماضي بتجفيف بحيرة فوسينو. ولا يزال ما يقرب من ثمانية آلاف أسرة (أي أغلبية سكان الجهة) يشتغلون اليوم بفلاحة هذه الضيعة التي تبلغ مساحتها أربعة عشر ألف هكتار. وكان الأمير يفكر في استعطاف هذه الأسرات التي تتبعه لكي يعطوه أصواتهم حتى يكون نائبا عنهم في البرلمان. وأخذ وكلاء الضيعة، الذين كانوا في خدمة الأمير، يتفوهون بعبارات تنم عن الحرية المنزهة عن كل موطن من مواطن الزلل، فيقولون: «من الطبيعي أن أحدا منكم لن يرغم على إعطاء صوته للأمير. هذا أمر مفهوم. ومن الطبيعي أيضا أن أحدا منكم لا يستطيع أن يرغم الأمير على أن يسمح لأولئك الذين لا يعطونه أصواتهم على أن يعملوا في أرضه. إننا في عصر الحرية الحقيقية لكل إنسان. أنتم أحرار، وكذلك الأمير حر.» وقد أحدث إعلان هذه المبادئ (الحرة) ذعرا عاما مفهوما بين الفلاحين؛ لأنك تستطيع أن تدرك في يسر أن الأمير كان أشد من يمقت الناس في هذا الجزء من البلاد. وما دام في برجه العالي باعتباره مالكا كبيرا إقطاعيا لا يراه أحد (فإلى ذلك الحين لم يره - حتى من بعد - أحد من المستأجرين الذين يبلغ عددهم ثمانية آلاف)، فإن كره الجمهور له كان جائزا، وهو يشبه تلك اللعنات التي يصبها على الآلهة المعادية. وهذه اللعنات ترضي النفوس بالرغم من أنها لا تعود عليها بنفع. ولكن السماء اليوم تنفطر، والأمير يهبط حتى يصبح على مرأى من سكان هذه الدنيا الفانية، وعليهم منذ الآن - بناء على ذلك - أن يعبروا عن سخطهم في حدود دائرة حياتهم الخاصة الضيقة، وأن يستعدوا للترحيب به في طرقات القرية بما يستحق من تكريم.
Halaman tidak diketahui