Pandangan Falsafah dalam Krisis Zaman
آراء فلسفية في أزمة العصر
Genre-genre
وبالرغم من أن أينشتين كتب مرة في مقال له عن سيرة حياته: إن الأساس في كيان رجل من طرازه ينحصر كله فيما يفكر فيه وفي الطريقة التي فكر بها لا فيما يعمل أو يعاني، ثم استطرد في الحديث عن طبيعة نظريات الطبيعة حديثا فنيا حماسيا، بالرغم من هذا كان أينشتين رجلا ذا ضمير خلقي لا يتزعزع، متعصبا لمبادئه؛ ومن ثم فقد كان رجلا ذا عقيدة اجتماعية قاسية مستعدا في المناسبات الهامة لأن يعمل وأن يقود. ومن الأعمال الجليلة التي قام بها أينشتين في حياته ذلك الخطاب، في 2 من أغسطس عام 1939م، الذي قال فيه في عبارة سهلة: «تقدم إلي حديثا أ. فرمي ول. ز. لارد بمخطوط جديد يدفعني إلى التكهن بأن عنصر اليورانيوم قد يتحول إلى مصدر جديد هام من مصادر الطاقة في المستقبل القريب ... إن قنبلة واحدة من هذه المادة، إذا تفجرت في أحد المواني، فقد تدمره كله تدميرا، كما تقضي على الأرض التي تجاوره ...» وهكذا نرى أن أينشتين قد أصدر قراره الصارم، بعد سنوات متعددة في خدمة السلام والإيمان بالاشتراكية الديمقراطية، وهو قرار يقضي بأنه ليس من المصلحة أن يسمح للنازيين بسبق غيرهم في الحصول على مثل هذه القنبلة، ويتحتم أن تكون الولايات المتحدة أولى الدول التي تطور هذا السلاح الفاتك.
وقد اتخذت صورة أينشتين مكان الشرف إلى جوار صور غاندي وألبرت شفيتزر في الهيئات الأوروبية التي كانت تدعو إلى السلام في عام 1920م وما بعده. وبعد عشرين عاما أصبح يسمى أبا القنبلة الذرية. ولكن المبدأ الذي يفسر هذا التناقض - الذي يبدو شديدا - يستند إلى قاعدة خلقية بعيدة الغور، وتلك هي «حبه العارم للعدالة الاجتماعية»، الذي ترتبت عليه كراهيته الشديدة للفاشية العسكرية التي تسترق الرجال، وتستطيع أن تقضي على عنصر بشري بأسره بوسائلها في الفتك الذريع بالناس. وما إن انتهت الحرب بهزيمة الفاشية حتى نادى أينشتين بضرورة كسب السلام أيضا؛ إذ إن كسب الحرب وحده لا يكفي؛ ومن ثم فقد استنكر أينشتين في المرحلة الأخيرة من حياته خطة الاعتماد على التهديد بالحرب الذرية التي ظن أنه لمسها في سياسة الولايات المتحدة أكثر مما لمسها في سياسة الاتحاد السوفيتي. وفي غضون حماسته للسلام والوئام العالمي، أثنى على نوايا السوفيت، ووجه اللوم إلى البلاد الحرة التي يستطيع عظماء الرجال فيها أن يعبروا عن آرائهم، وأن تجد هذه الآراء من الناس من يأبه لها.
أما آراؤه الدينية فقد كانت موضع الاهتمام والبحث من جانب أولئك الذين كانوا يعدونه عالما قديسا متفلسفا. ولد في ألمانيا من أبوين يهوديين كانا شديدي العقيدة في الدين - كما قال عنهما ابنهما - أما هو فقد نبذ الدين وهو في صباه؛ لأنه اقتنع من قراءاته في الكتب العلمية الشائعة بأن قصص العهد القديم ليست صادقة؛ فلما نضج تبلور تقديره للطبيعة، وإحساسه بالعجب والرهبة إزاء لغز الدنيا والوجود الذي لا يمكن تفسيره أو حله، تبلور هذا كله في صورة عقيدة أسماها بحب «الاسبينوزية». لم يعتقد في إله له ذات مستقلة، وإنما الإله عنده كائن في الطبيعة، وهو «الانسجام المنظم لكل ما هو موجود». كانت عقيدته «إحساسا دينيا كونيا شاملا». وهذه العقيدة التي آمن بها في حياته، سواء في صورتها الدينية أو في غير هذه الصورة الدينية، كان معناها «تطوير الفرد تطويرا حرا بحيث يحمل تبعات نفسه حتى يستطيع أن يكرس جهوده في حرية وابتهاج لخدمة المجتمع الإنساني». (1) إيمان عالم
ألبرت أينشتين (1-1) دور العالم اليوم
إن علماء الطبيعة يجدون أنفسهم اليوم في موقف لا يختلف عن موقف ألفرد نوبل؛ فقد اخترع نوبل أقوى مادة متفجرة عرفت حتى الوقت الذي عاش فيه، وهي وسيلة من وسائل التخريب من الطراز الأول. ولكي يكفر عن هذا الصنيع، ولكي يريح ضميره الإنساني، قدم جوائزه لخدمة قضية السلام وللأعمال التي تؤدي إلى السلام. واليوم يحس علماء الطبيعة - الذين أسهموا في صنع أشد الأسلحة التي عرفها التاريخ فتكا وخطرا - بشعور مماثل من المسئولية، بل ومن ارتكاب الذنب. ولا نستطيع أن نكف عن التحذير وتكرار التحذير، ولا نستطيع - بل ولا ينبغي لنا - أن نتراخى في بذل الجهد لكي نبصر أمم العالم - وحكوماته خاصة - بالكارثة الكبرى التي لا مناص لهم من إيقاعها ما لم يغيروا من موقف كل منهم إزاء الآخر وإزاء واجبهم نحو تشكيل المستقبل. ولقد عاونا في ابتداع هذا السلاح الجديد لكي نسبق أعداء البشرية في التوصل إليه. ولو كان لمن بيدهم هذا السلاح عقلية النازي لانتهى الأمر حتما باستعباد بقية العالم وتدميره تدميرا لا يتصوره العقل. ولقد أسلمنا هذا السلاح لأيدي المناضلين في سبيل السلام والحرية، ولكنا لا نلمس حتى اليوم أي ضمان للسلام، ولا نرى أي ضمان للحريات التي وعد بها الشعوب ميثاق الأطلنطي. لقد كسبنا الحرب ولكنا لم نكسب السلام. والدول الكبرى التي اتحدت في القتال، تنقسم اليوم بشأن تسويات الصلح. لقد وعد العالم التحرر من الخوف، ولكن الخوف - في الواقع - قد ازداد كثيرا منذ انتهاء الحرب. وقد وعد العالم التحرر من العوز، غير أن المجاعة تهدد اليوم أجزاء كبيرة من العالم، في حين أن أجزاء أخرى تمرح في رغد من العيش. وعد الحرية والعدالة، بيد أنا شاهدنا، ولا زلنا نشاهد، المنظر الأليم، منظر جيوش «التحرير» تطلق النيران على شعوب تطالب باستقلالها وبالمساواة الاجتماعية، وتؤيد في تلك الشعوب ذاتها بقوة السلاح الأحزاب والأشخاص الذين يصلحون لخدمة أغراض أصحاب المنفعة. كما أن مشكلات الحدود، والتنازع على السلطان - وإن تكن من الأمور البائدة - لا تزال تغطي على المطالب الأساسية، مطالب الرفاهية والعدالة ...
إن صورة عالمنا بعد الحرب صورة قاتمة. ولسنا - نحن علماء الطبيعة - في حدود اختصاصنا، من رجال السياسة، ولم نرغب قط فيما مضى في المشاركة في شئون السياسية. بيد أنا نعرف بعض الأمور التي لا يعرفها رجال السياسة، ونحس أن من واجبنا أن نصارح المسئولين وأن نذكرهم بأن الوقت لا يسمح بالارتياح والدعة، وأن الشوط الذي ينبغي لنا أن نقطعه لا يسمح لنا بالتقدم رويدا رويدا، أو بتأجيل التغيرات الضرورية إلى المستقبل البعيد. إن الوقت لا يسمح لنا بالمساومة في توافه الأمور. إن الموقف يستدعي بذل الجهود بشجاعة، والتعديل الأساسي في نظرتنا كلها، وفي التصور السياسي بأسره؛ فلعل الروح التي دفعت ألفرد نوبل إلى تقديم الجوائز لمن يخدمون قضية السلام، روح الثقة والإيمان، روح السماحة والأخوة بين الناس، لعل هذه الروح أن تغلب في عقول أولئك النفر الذين تتوقف على قراراتهم مصائرنا، وإلا فالمدنية الإنسانية مصيرها الفناء.
1 (1-2) الأزمة بين الفرد والجماعة
لقد أخذت أصوات لا حصر لها تؤكد منذ مدة أن المجتمع الإنساني يجتاز الآن أزمة، وأن استقراره قد انهار انهيارا شديدا. ومن خصائص أمثال هذه الفترات ألا يكترث الأفراد بالجماعة التي ينتمون إليها، صغرت هذه الجماعة أو كبرت، بل لعلهم يعادونها. ولكي أوضح ما أرمي إليه دعني أسجل هنا خبرة شخصية مررت بها؛ كنت أبحث حديثا مع رجل ذكي متزن وعيد حرب أخرى، قد تعرض - في ظني - بقاء الجنس البشري إلى خطر شديد، وذكرت له أن الوقاية من هذا الخطر لا تتحقق إلا بإنشاء منظمة تتجاوز حدود القوميات. وعندئذ قال لي صاحبي في هدوء وبرود شديد: «ولماذا تعترض كل هذا الاعتراض على فناء الجنس البشري؟»
وأنا على يقين أن أحدا من الناس - منذ قرن واحد فقط - ما كان يخطر له أن يذكر مثل هذه العبارة؛ فهي لا تصدر إلا عن رجل حاول عبثا أن يحصل في نفسه على التوازن المنشود، وفقد الأمل في الظفر به إلى حد كبير. إنها تعبير عن عزلة أليمة ووحشة يعاني منها كثير من الناس في هذه الأيام. فما السبب في ذلك؟ وهل هناك مخرج ؟
إن الإنسان كائن انفرادي واجتماعي في آن واحد؛ فهو - ككائن انفرادي - يحاول أن يحمي بقاءه وبقاء أولئك المتصلين به، وأن يشبع رغباته، وينمي قدراته الطبيعية؛ وهو - ككائن اجتماعي - يسعى إلى الظفر بتقدير زملائه في الإنسانية ومجتمعهم، وإلى المشاركة في ملذاتهم، وإلى مواساتهم في أحزانهم، وإلى تحسين ظروف حياتهم. وإنما يعلل صفة الإنسان الخاصة التي يتميز بها وجود هذه النوازع المتنوعة التي كثيرا ما تصطرع في نفسه. وتآلفها على صورة من الصور يحدد للفرد المدى الذي يستطيع أن يبلغه لتحقيق اتزان شخصيته، وللإسهام في رفاهية المجتمع.
Halaman tidak diketahui