Pandangan Falsafah dalam Krisis Zaman
آراء فلسفية في أزمة العصر
Genre-genre
هذه الانتصارات التي حققها الزمن جعلت الطبقة الوسطى في الغرب تتمخض عن ثلاث نتائج دون تدبير سابق - ليس لها في التاريخ نظير - وقد دفعت هذه النتائج مجتمعة عجلة التاريخ نحو روح الانتقام؛ ذلك أن الغرب قد عرف الوسائل التي يوحد بها العالم بأسره بالمعنى الحرفي، أي سطح الأرض المسكون الذي يمكن عبوره، كما شجع بهذا النوع من المعرفة نظام الحرب ونظام الطبقات، وهما مرضان وراثيان في المدنية، وجعل منهما مرضين فتاكين قتالين. وهذا الثالوث من النتائج غير المقصودة يتحدانا تحديا مريعا حقا.
لقد كابدنا من الحروب والطبقات منذ عليت المدنيات الأولى فوق مستوى الحياة البشرية البدائية لخمسة أو ستة آلاف عام خلت، وكانت دائما موضعا للشكوى. ولقد بادت أو اعتلت جميع الحضارات التي عرفها المؤرخون الغربيون المحدثون، ويبلغ عددها العشرين تقريبا، بادت جميعها فيما خلا حضارتنا. وإذا ما نحن بحثنا في سبب العلة في كل حالة من الحالات بعد موت الحضارة أو فنائها ألفينا أنه دائما وبغير استثناء الحرب أو نظام الطبقات، أو هما مجتمعين على صورة ما. هاتان العلتان كانتا معا حتى اليوم كافيتين لإبادة تسعة عشر نموذجا من عشرين من هذا النوع من المجتمع البشري الذي تطور في الفترة الأخيرة من التاريخ العام. غير أن قوة الفتك في هذه الأسلحة المبيدة كان لها حتى اليوم حد تقف عنده؛ فبينما استطاعت هذه الأسلحة أن تقضي على نماذج فردية، فشلت في إبادة الجنس البشري نفسه. لقد قامت المدنيات ثم ماتت، ولكن ظاهرة «المدنية» نفسها قد نجحت كل مرة في تجسدها مرة أخرى في مثال جديد من أمثلة الظاهرة نفسها؛ لأن الحروب والطبقات - برغم كونهما من عوامل التدمير الاجتماعي لخطيرة - لم تكن في يوم من الأيام عامة شاملة، فهي قد تحطم المراتب العليا في مجتمع من المجتمعات، ولكنها تفشل عادة في الحيلولة دون بقاء المراتب الدنيا سليمة إلى حد كبير، مدثرة بأزهار الربيع، ومعرضة للضوء والهواء. وحينما كان ينهار مجتمع من المجتمعات في ركن من أركان العالم فيما مضى، لم يجر غيره معه من المجتمعات حتما إلى هوة السقوط؛ فلما انهارت مدنية الصين القديمة في القرن السابع قبل الميلاد، لم يمنع هذا الانهيار المدنية الإغريقية المعاصرة في الطرف الآخر من العالم القديم من مواصلة الصعود نحو قمتها. ولما بادت المدنية الإغريقية الرومانية في النهاية من المرضين المتلازمين، مرض الحرب ومرض الطبقات، خلال القرن الخامس والسادس والسابع بعد الميلاد، لم يحل ذلك دون ميلاد مدنية جديدة نابضة بالحياة في الشرق الأقصى خلال هذه السنوات الثلاثمائة عينها.
لماذا لا تسير المدنية متعثرة، متنقلة من فشل إلى فشل بالطريقة الأليمة الشائنة - وإن لم تؤد إلى الفناء المطلق - التي سارت عليها في بعضة ألوف السنين الأولى من وجودها؟ إن الإجابة عن هذا السؤال تحددها الاختراعات الحديثة التكنولوجية التي تخص الطبقة الوسطى الحديثة في الغرب. هذه الحيل الآلية التي تستخدم في استغلال القوى الطبيعية غير البشرية قد تركت الطبيعة البشرية ذاتها بغير تغيير. إن طريقة الحرب ونظام الطبقات ليست إلا انعكاسا للجانب الآخر من الطبيعة البشرية - أو ما يسميه رجال الدين الخطيئة الأولى - وذلك في نوع المجتمع الذي نسميه الحضارة. وهذه الآثار الاجتماعية لطبيعة الإنسان الفردية الآثمة لم تتلاش بسبب التقدم المشئوم الحديث في معرفتنا التكنولوجية، بل إنها لم تسلم من براثنها. ولما كانت باقية بغير تلاش، فقد تعهدها الإنسان بدرجة قصوى كبقية نواحي الحياة البشرية - نظرا لقدرتها المادية - فأصبح نظام الطبقات اليوم قادرا على تفكيك روابط المجتمع بشكل قاطع. كما باتت الحرب قادرة على إبادة الجنس البشري قاطبة. إن الشرور التي كانت حتى اليوم شائنة بكرامة الإنسان داعية للأسى وحسب، قد أمست اليوم فتاكة لا يمكن احتمالها؛ ومن ثم فقد بات أمامنا نحن أبناء العرب في هذا الجبل أن نواجه الاختيار بين أمرين - استطاعت العناصر الحاكمة دائما في المجتمعات الأخرى في الماضي أن تتغاضى عنهما - مع ما ترتب على ذلك من نتائج سيئة، في جميع الأحيان، وإن لم يؤد ذلك إلى التضحية الكبرى بتاريخ الإنسان على هذا الكوكب والبلوغ به إلى نهايته. علينا أن نواجه تحديا لم يتحتم على أسلافنا قط أن يجابهوه؛ فإما أن نقضي على نظام الحرب والطبقات - وأن يكون ذلك منذ هذه اللحظة - وإما أن نشهر انتصارهما - إذا نحن تراخينا أو فشلنا - على الإنسان، نصرا يكون هذه المرة حاسما ونهائيا.
إن الصورة الجديدة للحرب قد باتت مألوفة لأهل الغرب؛ فنحن على علم بأن القنبلة الذرية وأسلحتنا الكثيرة الأخرى الجديدة الفتاكة قادرة في حرب أخرى، لا على محو الأمم المحاربة وحدها، بل كذلك على محو الجنس البشري بأسره. ولكن كيف عززت التكنولوجيا شرور النظام الطبقي؟ ألم ترفع التكنولوجيا بالفعل إلى درجة ملحوظة الحد الأدنى لمستوى المعيشة، على الأقل في البلدان ذات الكفاية الخاصة أو المحظوظة فيما وهبته من الثروات الطبيعية وفي نجاتها من دمار الحروب؟ ألا يحق لنا أن نتطلع إلى اطراد الزيادة في ارتفاع هذا المستوى الأدنى إلى درجة عالية، وأن نأمل في أن تستمع نسبة كبيرة من الجنس البشري بهذه الزيادة، بحيث لا تثير بعد ذلك الثروات الضخمة التي تمتلكها الأقليات ذات الحظ الأوفر الأحقاد في القلوب؟ إن نقطة الضعف في هذا الاتجاه في التفكير هي أنها لا تضع في الاعتبار حقيقة حيوية، وهي أن الإنسان لا يعيش بالخبز وحده؛ فإنه مهما ارتفع الحد الأدنى لمعيشته المادية، فإن ذلك لا يغنيه عن المطالبة بالعدالة الاجتماعية. وقد تحول عدم المساواة في توزيع السلع في العالم بين الأقلية صاحبة الامتياز والأغلبية المحرومة منه من شر لا مفر منه إلى ظلم لا يحتمل، وذلك بفعل أحدث المخترعات التكنولوجية التي ابتدعها الرجل الغربي.
4 (1-4) توحيد العالم
والآن نتحدث عن الثورة الكبرى، وهي ثورة تكنولوجية، كون بها الغرب ثروته، واستغل بها جميع المدنيات الحية، ووحدها بالقوة في مجتمع وحيد يشمل العالم بأسره بغير مبالغة. هذا الاختراع الغربي الثوري هو استبدال المحيط بالمروج كوسيلة رئيسية في وصل أطراف العالم. إن استخدام المحيط لهذا الغرض - أولا بالسفن الشراعية، ثم بالسفن البخارية - مكن الغرب من توحيد جميع العالم المسكون والقابل للسكنى، بما في ذلك الأمريكتان.
لقد بلغنا نهاية المطاف، وآن لنا أن نرسو على الشاطئ؛ لأنا لا نستطيع الرؤية بوضوح إلى مسافة أبعد، ولقد دخلنا في مرحلة تاريخية تنتقل فيها الآن القوى المادية من موطنها الأول قبل داجاما؛ فهي تنتقل من جزيرة بريطانيا الصغيرة التي تقع على مرمى الحجر من الساحل الأطلنطي لقارة آسيا، إلى جزيرة أمريكا الشمالية، وهي أكبر حجما وأبعد منها بمرمى القوس. بيد أن الانتقال للقوى المادية من لندن إلى نيويورك قد يشير إلى نهاية آثار التفكك التي يتميز بها تبادل الصلات في عهدنا الحاضر - عهد الاتصال عن طريق المحيط - لأننا اليوم على أعتاب عصر جديد سوف لا يكون فيه الوسيط المادي لتبادل الصلات الإنسانية المحيطات أو المروج، بل الهواء، وقد يفلح الإنسان في عصر الهواء في التحرير من الارتباط بتضاريس السطوح - أرضية أو مائية - التي لا تخضع لنظام أو قانون.
إن مركز الجاذبية في الشئون البشرية، في عصر الهواء، قد لا تحدده الجغرافيا الطبيعية، وإنما تحدده الجغرافية البشرية، لا تحدده أوضاع المحيطات والبحار والمروج الصحاري، والأنهار وسلاسل الجبال، والممرات والمضايق، وإنما يحدده توزيع كثافة السكان، وطاقات البشر، وقدراتهم، ومهاراتهم، وصفاتهم. وقد يكون لعدد السكان - من بين هذه العوامل البشرية - أثر أقوى في النهاية مما كان عليه في الماضي. إن المدنيات المنفصلة التي كانت قائمة قبل عصر داجاما قد خلقتها واستمتعت بها أقلية حاكمة متحضرة تعتلي ظهر طبقة من الفلاحين الذين عاشوا في العصر الحجري الأخير عيشة ساذجة، كما امتطى السندباد البحري رجل البحر العجوز. هؤلاء الفلاحون السذج هم آخر قوم نيام أقوياء أيقظهم الغرب أمامه.
إن يقظة هذه الكتلة الصناعية البشرية السلبية كان عملا بطيئا، فقد أشعلت كل من أثينا وفلورنسة شمعة صغيرة وسلطتها على العينين الناعستين لهذا النائم المستلقي، ولكنه كان يكتفي في كل مرة بأن ينقلب على الجانب الآخر ثم يغط في نومه مرة أخرى. وكان على إنجلترا الحديثة أن تمدن هذا الفلاح، وأن تمده بقدر من النشاط الجم يكفي لأن يدفع الحركة للسير حول محيط الأرض. غير أن هذا الفلاح لم يتلق هذه اليقظة برفق؛ فقد حاول حتى في الأمريكتين أن يبقى على مثل ما كان عليه في المكسيك والجمهوريات التي تمر فيها سلسلة جبال الإنديز، ومد لنفسه جذورا جديدة في أرض عذراء في إقليم كوبك. بيد أن عمليات إيقاظه كانت - برغم هذا - تستجمع قواها. وحملتها الثورة الفرنسية إلى القارة الأوروبية، كما نشرتها الروسية من ساحل إلى ساحل. وبالرغم من وجود ما يقرب من ألف وخمسمائة مليون من الفلاحين لا يزالون حتى اليوم بحاجة إلى الإيقاظ - وهم نحو ثلاثة أرباع الجيل البشري الحي - في الهند، والصين، والهند الصينية، وإندونيسيا، ودار السلام، وشرقي أوروبا، بالرغم من هذا فإن إيقاظهم لا بد آت بعد حين، وبعدما يتم هذا تصبح للأعداد قيمتها.
5
Halaman tidak diketahui