Pandangan Falsafah dalam Krisis Zaman
آراء فلسفية في أزمة العصر
Genre-genre
ومهما يكن من أمر فإن هناك فارقا هاما بين هؤلاء الفلاسفة جميعا، هو الفارق بين أولئك الفلاسفة الذين يقبلون الدين في إحدى صوره القائمة باعتباره أمرا أساسيا في حياة الإنسان، وأولئك الذين لا يقبلون الديانات المنظمة على أسس فلسفية. وبالرغم من أن أولئك وهؤلاء يضعون الفرد في الاعتبار الأول باعتباره حاملا للقيم، ويدركون أن العقل هو علامة البشرية المميزة، إلا أنهم يختلفون في الدور الذي يلعبه العقل وفي الأسس التي تقوم عليها القيم. وفي عبارة أبسط نستطيع أن نقول إن المجموعة الأولى تزعم أن «الوحي» يعطينا حقا أسمى مما يعطينا العقل، وأن القيم تستمد في نهاية الأمر ثبوتها من العلاقة بين الله والناس. أما المجموعة الثانية فترى أنه لا ينبغي لنا أن نضع حدا يقف عنده العقل البشري، وأن القيم لا تثبت إلا على أساس من العقل. ومع هذا الفارق ينشأ خلاف أساسي في تعليل مصدر الأزمة وطبيعتها؛ فالطائفة الأولى تعتقد أن الأزمة قد نشأت عن عدم الإيمان عند الإنسان وعن ادعاء العقل الذي يضع نفسه موضع الآلة، في حين أن الطائفة الثانية ترى أن الأزمة إنما ترجع إلى فشل الإنسان في استخدام عقله في علاقاته الشخصية والاجتماعية.
ترى الطائفة الأولى أن القيم لا يمكن أن تستند إلى العقل؛ لأن العقل يتعلق بخبرة الوقائع والأشياء، في حين أن القيم تتعلق بالشخصية البشرية؛ ومن ثم فهي لا تتصل بالأشياء والوسائل، إنما تتصل بالغايات الإنسانية. ويرى أصحاب هذا الرأي أن الغايات الإنسانية ذات أهمية قصوى بالنسبة إلى الإنسان، كما يرون أن هناك نوعا «أسمى» من المعرفة مجاله العلاقة بين الإنسان والله أو الحقيقة. وهذه العلاقة وحدها هي التي تكسب قيمنا الشخصية ووسائلنا في تحقيق الحرية الصدق والثبات. وإذا أخذنا بهذا الرأي حكمنا بأن ما يدعيه العلم من أنه النوع الوحيد من المعرفة الذي يركن إليه هو الذي أدى إلى دنيوية الحياة الحديثة، وإلى فقدان شخصية الإنسان باستخدامه الوسائل الفنية، وإلى آلية الدولة في العصر الحاضر؛ مما أثقل التاريخ بمعسكرات التعذيب، والشرطة السرية، والتطهير السياسي. فإذا نحن أردنا أن نتخلص من النظر إلى الإنسان كجمهور ومن دولة الجماهير، فلا مناص لنا من العودة إلى الديانات القديمة لنجد السند القوي في سياسة الحرية في الإله المطلق.
ومن الخطأ أن نحسب هذه الآراء عتيقة أو مجرد رد فعل للأزمة الحاضرة ليس له سند من العقل؛ فهي لا تكتسب قوتها من رجال الدين وحدهم، بل كذلك من بعض أولئك الذين ضعف إيمانهم أو لم يكن لهم من قبل إيمان أو عقيدة؛ وذلك نتيجة لذلك الموقف الذي يقفه المؤمنون بالعلم الذي ينبذون القيم على اعتبار أنها لا تستند إلى العقل. ولا أظن ذلك يرضي أولئك الذين يرون في الحرية ميزة على الخضوع. إن أصحاب النظرة الدينية يبدون اهتماما بكثير من القيم البدائية، التي تدفع الناس، بنزاهة الفرد وكرامته، وبأن كل فرد غاية لها قيمتها وليس مجرد رقم من الأرقام في كشوف الإحصاء. وفي عالم يتأثر بالآلة، نراهم يضمدون الجراح ويواسون المصابين في مجتمع بات من غير جذور. إنهم يدركون سيادة الشر في العالم، وينذرون بأن التقدم الإنساني لا يمكن أن يتعامل مع مضاعفة الأشياء المادية. إنهم يرون أن الديانات السماوية تتضمن الاعتراف بالقيم الخلقية التي ترتبط بمبادئ الإنسانية والتحرير في هذا العالم الذي نعيش فيه. إنهم يشفقون على إهمالنا الجانب الروحي في الإنسان؛ ومن ثم فهم يعتقدون أن من واجب الفلسفة في العصر الحديث أن تعيد الاهتمام بهذا الجانب الذي لا غنى عنه للإنسان.
والمغزى الفلسفي لذلك هو أن العلم لا يعالج إلا العلاقات التي تقوم بين الوسائل والغايات، وأن العقل يتعامل مع العلم. وإن صدق ذلك فإن الغايات البشرية لا يمكن أن تقوم بالعقل، ولكن هناك من يرى غير ذلك، ويعتقد أن العقل يمكنه أن يقدر الغايات البشرية حق قدرها، متأثرين في ذلك بالمادية التاريخية والتجربة المنطقية. ولما كان هذان الاتجاهان لا يتمثلان في هذا الكتاب، فإني أود أن أقول كلمة في كل منهما. (3) الفلسفة والعلم - المادية التاريخية
المادية التاريخية كما رأينا هي فلسفة التاريخ الماركسية؛ إذ إن ماركس يزعم أنه عثر على القوانين التاريخية للحركة التي تساوي في قيمتها النظرية قوانين نيوتن عن الحركة. واكتشاف هذه القوانين يجعل التنبؤ ممكنا، والتاريخ علما في ظنه. إنه يرى أن السبب الخفي في جميع حوادث التاريخ ينشأ عن نمو التكنولوجيا وصراع الطبقات في جميع أرجاء العالم. وليس عمل الإنسان في حقيقته اختيارا يسترشد فيه بمثله الشخصية، وإنما هو نتيجة حتمية لأسباب خفية.
وعند تقديرنا لهذا الرأي الماركسي يجب أن نميز بين عنصرين؛ أولهما أن ماركس كان ينظر إلى القيم الخلقية باعتبارها أهواء طبقية مذهبية، فالخير هو ما يساعد على حماية طبقة من الطبقات أو يرفع من مكانتها، ولكن ماركس نفسه قد تأثر أول الأمر بسخطه على قسوة الرأسمالية الإنجليزية، وتصوره قيام مجتمع حر نتيجة لاشتراكية الوسائل التكنولوجية الكبرى. ومعنى هذا الموقف الذي وقفه ماركس الحكم بأن الحرية لها قيمة بشرية من نوع ما، وأن كل ما يعزز حرية الإنسان هو أداة من أدوات الخير، وأن الأداة النهائية هي نمو التكنولوجيا بغير عائق. ويبدو أن ماركس كان يفترض أن زيادة الإنتاج تخفف من العبء الذي يتحمله الإنسان وتصلح من ظروف الناس؛ لأنها تسمح بزيادة المساواة في استهلاك السلع، وبفرص أفضل للحياة والحرية ومتابعة السعادة. وبديهي أن الحكم بأن الحرية لها قيمة إنسانية، وأنه لولا هذه القيمة لفقد مجهود ماركس دافعه الأساسي، بديهي أن هذا الحكم ليس في حد ذاته تحيزا طبقيا، وإنما هو زعم خلقي؛ وإنه لذلك يثبت على أسس تخالف قوانين الحركة المزعومة.
والعنصر الثاني هو أن ماركس يرى أن نمو التكنولوجيا له أهميته القصوى في التطور التاريخي، ولكنه يفشل في تعليل هذا النمو خلال التاريخ. إن نمو التكنولوجيا كان دائما نتيجة لنمو المعرفة، سواء أكانت نظرية أم عملية. كان أكثر ما حدث من تطور في التاريخ - قبل نشوء العلم الحديث - مرتبطا بالاختراعات التكنولوجية التي كانت ترجع إلى أسباب عشوائية؛ ومن ثم لم يكن من المستطاع التنبؤ بها. وكذلك ارتبط تطور التكنولوجيا منذ نشوء العلم الحديث بالنمو في النظريات الأساسية، وليس بوسع أحد أن يتنبأ متى تحدث مثل هذه التطورات في النظريات الأساسية؛ ومن ثم فإن ماركس يستند في دعواه عن إمكان التنبؤ على عوامل لا يمكن التنبؤ بها؛ وبذلك يظهر بطلان الحتمية التاريخية كما يظهر بطلان الدعوى بأن الدور الإنساني في تطور التاريخ لا قيمة له؛ لأن نمو المعرفة - سواء كانت نظرية أم عملية - يترتب دائما على مجهود فردي صمم لسبب من الأسباب ألا يقبل المعتقدات والوسائل القائمة، كما صمم على البحث في إمكان إحداث تغيير فيها. ويجعل ذلك تطور المعرفة التي لا يمكن التنبؤ بها مترتبة على نواحي النشاط عند الأفراد التي يمكن بدورنا أن نتنبأ بها. فهؤلاء الأفراد بمخترعاتهم يستحدثون تطورات هامة في التاريخ، وبذلك يكونون عملاء خارقين مبدعين في خضم الحياة الذي لولاهم لتطور لأسباب لا دخل للإنسان فيها.
ومما يبعث على السخرية في نظرية ماركس أن منطقها قد استخدم ضد الحرية البشرية التي كانت المثل الأعلى أول الأمر عند ماركس؛ فإننا نرى روسيا والصين الشيوعية اليوم قد سارتا طبقا لهذا المنطق حتى غايته، وذلك بالبرامج التي وضعها المسئولون هناك للنهوض بالصناعات الثقيلة على حساب حرية الإنسان وحياة البشر. ثم إن الزعم بأن آراء ماركس يمكن أن يكون لها كل هذا التأثير في التاريخ الحديث يناقض القول بأن الفرد الإنساني ليس له دور خلاق في مجرى التاريخ. إن نبذ هذا الدور الخلاق ونبذ المثل الشخصية التي يمكن أن تدفع البشر إلى العمل ينتهي بالهبوط بالإنسان إلى مستوى المخلوق الذي لا إرادة له.
وأهم من هذا كله أن إخضاع الغايات الإنسانية للوسائل التكنولوجية معناه خلق جو معنوي تكون فيه القوة هي الخير الأسمى.
ثانيا: نحو إيمان مشترك (1) نحو الحضارة
Halaman tidak diketahui