Pandangan Falsafah dalam Krisis Zaman
آراء فلسفية في أزمة العصر
Genre-genre
وهذه العقيدة وما أحرزته الصين الشيوعية من مركز مرموق ووقوفها رمزا شامخا يشير إلى الثورة ضد الاستعمار، تستخدم في استغلال القلق الذي أخذ يسري في البلدان المتخلفة في العالم طرا. والعامل الآخر الذي دعا إلى المرونة في السياسة الخارجية هو تلك القوة العظيمة التي أصبحت بين يدي روسيا بعد التقدم الذي أحرزته في تطوير الأسلحة الصاروخية والنووية، فأضعفت بذلك قوة التحالف الدفاعي بين الولايات المتحدة وحلفائها؛ لأنها تستطيع أن تقابل القوة بالقوة، والإرهاب بالإرهاب.
ويتضح مما سبق أن البرنامج الرئيسي الذي رسمه الشيوعيون في روسيا لم يطرأ عليه سوى تعديل طفيف برغم كل ما أدخله الزعماء هناك من وسائل جديدة في طريقة التنفيذ. ونسوق في هذا المجال ما ذكره خروشوف في إحدى حفلات الكرملين التي أقيمت تكريما لزعماء ألمانيا الشرقية الشيوعيين حيث قال: «إذا دخل في روع أي إنسان أن بسماتنا تدل على التحول عن تعاليم ماركس وإنجلز ولينين، فلقد خدع نفسه أيما خداع. إن أولئك الذين ينتظرون هذا التحول عليهم أن ينتظروا حتى يتعلم برغوث البحر الصغير.»
ويمكننا أن ندرك المغزى الكامل لهذه العبارة، إذا نحن قرأنا بإمعان ذلك التقرير الرسمي الطويل الذي ألقاه خروشوف باعتباره سكرتير الحزب الشيوعي في المؤتمر العشرين للحزب الذي انعقد في فبراير من عام 1956. ويجدر بنا أن نركن إلى نص الخطاب؛ لأنه غير شائع أو معروف في بلاد الغرب، ولأنه يرتبط في الأذهان ب «التعايش السلمي». بدأ خروشوف خطابه بتحليل العوامل الرئيسية التي يتصف بها الموقف الدولي في العصر الحاضر. وقد أشار إلى الخطوات الواسعة التي خطاها الاقتصاد السوفيتي، وقارن بين هذه الخطوات و«تعزيز الاحتكارات، وزيادة الاستغلال ... وخفض مستويات المعيشة ... وحدة المنافسة بين الدول الرأسمالية، وبلوغ الأزمات الاقتصادية الجديدة والانقلابات الحديثة ذروتها.» ولكي تتغلب الدول الرأسمالية على الأزمات المطردة، لجأت إلى الوسيلة القديمة، وسيلة عقد المحالفات العسكرية العدائية؛ لكي تسترد نفوذها بالقوة الحربية. وقد علمنا التاريخ أن الدول الاستعمارية - حينما تفكر في إعادة تقسيم العالم - كانت دائما تؤلف التكتلات العسكرية. وهي اليوم تضع الشعارات «المناهضة للشيوعية» ... «لكي تتستر على رغبتها في السيطرة على العالم عن طريق القوة». ولكن يقف في طريقها وجود روسيا الشيوعية والصين الشيوعية وما لديهما من قوة عامل جديد فعال في التاريخ يعمل على توقف الدول الرأسمالية عند حد. إن سير العلاقات الدولية في السنوات الأخيرة يدل على قيام قوى شعبية أكبر لكي تقاتل في سبيل الاحتفاظ بالسلام. والدوائر الاستعمارية الحاكمة لا تستطيع نكران هذه الظاهرة. وقد بدأ ممثلوهم من ذوي البصائر النافذة يعترفون بأن «سياسة القوة ... قد فشلت ... غير أن هؤلاء الممثلين المعروفين لدى الجمهور لا يجرءون حتى اليوم على القول بأن الرأسمالية سوف تلاقي حتفها في عالم آخر ... في حين أنهم يعترفون صراحة بأن المعسكر الاشتراكي لا يقهر.» هذا هو الموقف الذي يهيئ الظروف للتعايش السلمي. «إن أعداءنا يصوروننا نحن أتباع لينين قوما يحبذون العنف دائما وفي كل مكان. حقا إننا نعترف بالحاجة إلى التحول الثوري للمجتمع الرأسمالي إلى مجتمع اشتراكي، وهو ما يميز الماركسيين الثوريين عن المصلحين. وليس من شك في أن قلب دكتاتورية البرجوازية بالعنف في عدد من البلدان الرأسمالية ضرورة لا مناص منها. ولكن أشكال الثورة الاجتماعية متنوعة ... فإن شدة النضال واستخدام العنف أو عدم استخدامه في التحول إلى الاشتراكية يتوقف على مقاومة المستغلين ... والمقاومة الجدية - بطبيعة الحال - من جانب القوى الرجعية أمر لا مفر منه في تلك البلدان التي ما زالت الرأسمالية فيها قوية، حيث تملك أداة حربية وشرطية ضخمة؛ فهناك يتم التحول الاشتراكي تحت ظل نضال طبقي ثوري حاد.»
ويؤيد هذه السياسة الشيوعية الأساسية زعماء الحزب الصيني الشيوعي. وربما كان أحسن تعبير عنها ما ورد في كتاب ماوتسي تنج عن «الحرب الطويلة». وأهمية ما ورد هنا لا تصدر عن مكانة ماوتسي المرموقة كزعيم الثورة الشيوعية في آسيا فحسب، بل تصدر أيضا عن الدور الذي يقوم به كرمز سياسي للثورة الأعم ضد ثلاثة قرون من سيادة الغرب، وهي ثورة تستمد حافزا جديدا من نجاح الثورة الصينية (وليست هذه الحرب رائدا لتحرير الصين فحسب، ولكنها تدل دلالة قوية على الثورة العالمية. وسوف نقود الحرب الصينية حتى نهايتها، وسوف نترك أثرا بعيدا كذلك في ثورة الشرق، وفي العالم كله). ولبث ماوتسي نحو عشرين عاما في ريف الصين وفي جبال ينان دون أن يحيد عن هدفه الذي يرمي إلى تجميع السلطة في الصين. والاحتمال والصبر والجلد ، على سند من سياسة ثورية بوسعها أن تستغل تقلبات الحظوظ والظروف، من الشروط اللازمة للنصر. وتتلخص هذه السياسة في ثلاث قواعد صاغها ماوتسي؛ أولها أن المذهب الماركسي يقوم بالنسبة إلى التأثر الشيوعي بعمل المنظار المقرب أو المكبر الذي يميز به بين الضروري وغير الضروري في تقدير العوامل. وثانيها أن من واجبنا أن نبذل قصارى الجهد في صم آذان العدو وإغماض عينيه، فنجعله كفيفا أصم؛ وذلك لكي نحقق النصر لأنفسنا. وثالثها «أن نتقهقر إذا تقدم العدو، وأن ننقض إذا توقف، ونهجم إذا تريث، وأن نتابع السير إذا تقهقر.» إن ما نبه إليه سقراط عندما قال «اعرف نفسك» يتحول عند الشيوعيين إلى هذا التحذير: «اعرف عدوك واعرف نفسك؛ فإن فعلت كسبت مائة معركة دون أن تنهزم في واحدة.»
ويترتب على مواصلة النضال أن يكون السلام ضربا من ضروب النضال، واستمرارا للنزاع، ولكن بوسيلة أخرى، وأنه لا يمكن تحقيق السلام الدائم إلا بالقضاء على النزاع الطبقي الذي يأتي نتيجة لإقرار النظام الشيوعي في العالم، وأن أية حركة شيوعية، مهما تكن عسكرية، هي حركة عادلة تخدم قضية السلام، في حين أن كل حركة رأسمالية، مهما تكن مسالمة، هي حركة سخيفة ظالمة لأنها تؤدي إلى اشتعال الحرب. «إننا نهدف إلى السلام، لا في بلد واحد فحسب، ولكن في أنحاء العالم طرا. ونحن لا نهدف إلى السلام المؤقت، وإنما نهدف إلى السلام الدائم. ولكي نحقق هذا الهدف يجب أن نشن حربا لا هوادة فيها، وأن نكون مستعدين للتضحية بأي شيء؛ لأن الحرب ذاتها، ذلك الخطر الذي يفتك بالطرفين على السواء، سوف تختفي بذلك نهائيا من المجتمع البشري. ولكن هناك وسيلة واحدة نستبعد بها شبح الحرب، وهي أن ننفي الحرب بالحرب، وأن نقضي بالحرب النووية على الحرب الرجعية.»
وتمشيا مع هذا المذهب السياسي، ومع الدروس التي تعلمها من حزب لينين ومن الخطط الخمسية الاستالينية، شرع ماوتسي وغيره من زعماء الصين في إخضاع القطاعات شبه الإقطاعية وشبه الاستعمارية تحت الرقابة المطلقة لسلطات التحقيق. وقد نفذ هذا البرنامج على مستوى من التقدم ينخفض عن المستوى الروسي في عام 1900م، وبسرعة تفوق ما رسم استالين في عام 1928م؛ ومن ثم بات من المحتمل أن يزيد عدد الضحايا البشرية عما حدث في روسيا ذاتها، وهي المثال المحتذى. وقد اتخذت كل وسائل الضغط السياسي لإنشاء الصناعات الثقيلة على حساب الزراعة الجماعية، فنجم عن ذلك، وعن بطء التنمية الزراعية، أن بات ما ينيف عن ستمائة وخمسين مليونا من البشر يعيشون على الكفاف. وقد أعلن ماوتسي في عام 1953 بداية التحول إلى الشيوعية و«التحول السلمي» لطبقة البرجوازي. وهذا المذهب، الذي لم يظهر حتى الآن في العقيدة الشيوعية، إنما نشأ من تخلف الاقتصاد في آسيا، وكثرة الفلاحين وقلة العمال، وتحديد عناصر الطبقة البرجوازية وضعفها، بل ومعارضتها للرأسماليين الأجانب الذين يسيطرون على خاماتهم؛ فكان من الميسور أن تلقن الطبقة البرجوازية مبدأ التعاون مع الحزب في بناء الاشتراكية.
وهذه السياسة الداخلية تؤيد وتعزز السياسة الخارجية للنظام الشيوعي. والهدف الأول للزعيم الشيوعي الصيني في هذه الآونة هو قيام الصين الموحدة القوية، ولا يرمي إلى تثبيت أركان السيطرة الشيوعية على بلاده الشاسعة فحسب، وإنما يرمي أيضا إلى بسط النفوذ الشيوعي في جنوب شرقي آسيا؛ ومن ثم فإن الولايات المتحدة تصبح هدفا لهجوم بكين؛ لأنها تبدو للشيوعيين الدولة الإمبريالية العظمى، وأكبر عقبة في سبيل تحقيق أهداف الدولية العالمية. ولا يمكن للصين الشيوعية أن تنسى أن الولايات المتحدة قد أيدت اليابان الحديثة وجنوبي كوريا، وعاونت تلك البلاد التي تقع في جنوب شرقي آسيا من بورما إلى الفلين، حيث ترى الصين الشيوعية نفوذها هناك معرضا للخطر. ولكن زعماء الصين الشيوعية - طبقا لنظرية ماوتسي التي تقول بمواصلة الحرب والنضال - ليسوا على عجل، وبوسعهم أن يتريثوا حتى تتاح لهم الفرصة التي تمكنهم من بسط نفوذهم على تلك المساحة الشاسعة من الأرض التي تهمهم، وهي مساحة تموج بأسباب القلق، غنية في مواردها، مأهولة بقوم فقراء ساخطين، يمكن توجيه ما في نفوسهم من مرارة في يسر نحو القرون الثلاثة التي خضعوا فيها لنفوذ الغرب، ذلك النفوذ الذي تعد الولايات المتحدة رمزا له في الوقت الحاضر. وزعماء الصين الشيعية باعتبارهم آسيويين خالصين وبوصفهم شيوعيين، يتحكمون في قوة آسيوية لها مكانتها في المجال الدولي، وفي منتصف القرن العشرين يكونون بوضعهم هذا أساسا مكينا لتحالف صيني سوفيتي في الأزمة العالمية الراهنة.
وإذا بقي الموقف الدولي على هذه الحال دون تحول في سياسة الدول الكبرى، فلا بد أن يدخل العالم في حرب ضروس قد لا يبقى فيها شرق ولا غرب. (3) تحدي البلدان المتخلفة
إن الثورة الشيوعية تتخلل ثورة أخرى يشب اليوم أوارها في البلدان المتخلفة في العالم وتقويها وتؤازرها، وتشمل هذه البلدان أكثر شعوب آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، وهم يبلغون على وجه التقريب ثلثي سكان العالم أجمع، وهم يتحدون الغرب بسبب ما يعانون من فقر مدقع، وما يتأجج في صدورهم من وطنية عارمة، وبسبب اطراد الزيادة في السكان، ورغبتهم في اللحاق بالتقدم الصناعي الذي يتميز به القرن التاسع عشر. والطريقة التي تعالج بها هذه الشعوب مثل هذه المشكلات فتنجح في حلها أو تفشل سوف تؤثر في مستقبل الحرية في العالم تأثيرا كبيرا.
وأول وجه من وجوه هذا التحول في المجتمعات غير الغربية هو قيام ثورة تتسم بالطموح والأمل. إنها مجتمعات فقيرة جدا، ولم تعد شعوبها تحس بضرورة الخضوع للفقر الشديد الذي كان يكابده أسلافهم. ويدل على هذا الفقر انخفاض مستوى دخل الفرد، وبخاصة في قطرين عظيمين كالهند والصين. وليس هذا الفقر على هذه البلدان بجديد، وهو فقر تسوده نظم الاقتصاد الزراعي، ويشكو فيه السكان الجوع وسوء التغذية، وتنتشر فيه الأمراض، ويقل مجهود الفرد. وقد أدرك سكان هذه البلاد مقدار انحطاط المستوى في طريقة عيشهم باحتكاكهم بأهل الغرب، كما أدركوا الإمكانيات الفنية التي يمكن أن تستخدم في رفع مستوى العيش عندهم.
Halaman tidak diketahui