ماذا؟ أتقول إنه رمز عن صلات الشرق بالغرب، لعله كذلك، الشرق والغرب اللذان قال كبلنغ الإنكليزي في شعر مشهور إنهما لن يجتمعا، والحق أنها معضلة يتخبط في حلها كثيرون؛ غاندي وطاغور مثلا.
نعم، ولكن الهند من الشرق، أما هذا القطر السعيد فليس من الشرق، وليس من الغرب، ألم يقولوا: إنه بالأكثر طريق من إلى، وبالأقل باب مفتوح تلجه البضاعة الأوروبية بأنواعها مادية ومعنوية؟ ثم أليس عندنا الفئة القائلة: «هذه المعضلة هينة، نحفظ أخلاقنا وعاداتنا، ونأخذ علمهم وصناعاتهم»؟ فأنت ترى أن المعضلة ليست بمعضلة، نظريا.
وبعد، فلا أريد أن أرى في هذا الرمز إلا الصفة الإنسانية العامة التي لمؤلفات أناتول فرانس، أجل لقد حفظ اللغة الفرنسية والذوق والأسلوب والروح الفرنسي، وهو في هذه الروضة الغناء - الخاصة - أحسن أزهارها طيبا، وأرقها حاشية، بل يكاد فرانس وفرنسة يكونان في عالم الأدب واحدا ... كل ذلك! لكن مؤلفات أناتول فرانس من جهة ثانية أجلى المرائي للطبع البشري، الذي لا ينحصر في قطر ولا يختص بجيل، وهذه الصفة الإنسانية - العامة - التي يتقبلها كل فكر، ويأنس بها كل روح عامل كبير في أفضلية أناتول فرانس على معاصريه من أئمة الأدب الفرنسي: لوتي وبارس مثلا، وهي التي جعلت الملايين من الخلق في أنحاء المعمورة، يشعرون إذ أتاهم نعيه بأن هذا النبأ لامس منهم صلة نسب بنوي.
آراء أناتول فرانس
ليس بدعا أن نقول: إن سوء الاختيار ضروري لوجود الأكاديمية الفرنسية، فلو كانت لا تؤدي في انتخاباتها قسط الضعف والخطأ، ولا تتظاهر أحيانا بأنها تأخذ أعضاءها اتفاقا، لجعلت ذاتها بغيضة إلى حد أنها لا تستطيع أن تعيش، ولكانت في الآداب الفرنسية كالمحكمة وسط المجرمين، لو كانت معصومة لأصبحت ممقوتة، ما أشد الإهانة على الذين تردهم لو كان من يقع عليه اختيارها هو الأفضل دائما! يجب على ابنة ريشيليم أن تتظاهر بشيء من الخفة؛ لئلا تحسب وقحة، إن ما ينجيها هو أن لها خواطر وأهواء براءتها في أنها غير عادلة، ولأنا نعهدها متقلبة، فهي قادرة على أن تصدنا دون أن تجرحنا، إن في بعض انتخاباتها ما يجرد الحسد من سلاحه، ثم إذا بها - وقد أيأستك من أمرها - تثبت أنها ذات حيلة، وأنها حرة بصيرة، حقا، ينبغي أن نحسب في شئون البشر كلها حساب المصادفة. ***
إن الأوساط يسودون في الأكادمية، وأين لا يسود الأوساط؟ أتراهم أضعف سلطانا في البرلمانات ومجالس التاج، حيث هم في غير موضعهم بلا جدال؟ ولكن هل يجب أن تكون رجلا نادر المثال؛ لتشتغل في معجم يريد أن يعين الاستعمال، ولا يستطيع إلا اتباعه؟! ***
يتمسك الشيوخ بأفكارهم أكثر مما يجب؛ لهذا كان سكان جزر فيجي يقتلون آباءهم إذا شاخوا، إنهم يمهدون سبيل النشوء على حين أننا نعوق سيره بتأليف الأكادميات. ***
في أعمال البشر كلها أحد عاملين: الجوع والحب، لقد علم الجوع المتوحشين أن يقتلوا، وأن يخوضوا غمار الحروب والغارات، أما الشعوب المتمدنة فهي ككلاب الصيد، تهيجهم غريزة فاسدة إلى الهدم بلا سبب أو جدوى، ويدعى جنون الحروب الحديثة مصلحة ملكية أو مبدأ قوميات، أو توازنا أوروبيا أو شرفا، ولعل هذا العامل الأخير أبعدها عن المعقول؛ إذ ما من أمة إلا احتملت كل المهانات التي قدر لجماعة من الناس أن تنزل بساحتهم، وعلى كل إن كانت لا تزال عند الشعوب بقية شرف، فأعجب الوسائل إلى صيانتها إشعال نار الحرب؛ أي ارتكاب كل الجرائم التي تعري الفرد من شرفه؛ الحرق والنهب والقتل وهتك الأعراض. أما الأعمال التي يوحي بها الحب، فهي عنيفة جنونية، فظيعة بقدر الأعمال التي يوحي بها الجوع حتى يحق القول: إن الإنسان وحش شرير. ***
إذا سموت يوما فوق طبيعتك، وبلغت إلى معرفة ذاتك، ومعرفة الذين حولك، أيقنت أن الناس لا يأتون عملا إلا مراعاة لرأي الناس، وهم بذلك أشد المجانين جنونا، يخشون أن يلاموا ويودون أن يمدحوا. ***
الأرواح لن ينفذ بعضها إلى بعض. ***
Halaman tidak diketahui