فقالت له بعطف وحنان: ايش قلت يا روحي؟
فأجابها ميلاد بهزء وسخرية: ماش يا روح حالك، ما أحلى لسانك وأكثر مطالبك! - بلى، سمعتك تحكي. - لا بلى ولا ملا، بيت مثل جهنم، عيشة مقرفة مثل وجوهكم.
قال هذا ومشى وهو يطبطب،
2
ومشت أمه من على يمينه تداعبه وتراضيه، وظلت تطايبه حتى انفجرت ضحكته المعهودة، فهدأت قدره الفائرة.
ورجعت الأم وهي تقول في نفسها: الحق معه، حياة كلها تعب وشقاء، مسكين ميلاد، ما رأى يوما أبيض!
ومر في خاطرها فكر عنيف اسود له وجهها. وسرعان ما تكشفت تلك الغيمة السوداء حين لاحت جارتها على الطريق، فرشقتها بالحديث من بعيد: كل الأولاد صاروا مثل ابنك يا أم سعيد، البلية كلها من ابن أغناطيوس، قعد يومين في بيروت ورجع أمس، ومعه أخبار يا أم سعيد! أخباره أشكال وألوان، الأولاد عقلهم قليل، داري ابنك وإلا فالخسارة عليك يا أختي.
فأقبلت أم سعيد على جارتها تستفهم، فوقفتا على قارعة الطريق. في يد أم سعيد سل
3
فيه أشياء، وتلك جرتها ملآنة على كتفها. دار الحديث نصف ساعة وأكثر، ولو لم يمر «نقادة الضيعة» الناعي على نسائها هذه الخصلة، ما انزوت أم سعيد في بيتها، ولا ذهبت حاملة الجرة في طريقها.
Halaman tidak diketahui