Lebih Kuat Daripada Cinta
أقوى من الحب
Genre-genre
لكن بريق عينيك ألهاني عن تدبر الصدمة، قبلت المساومة لأعرف ذات العينين التي تجلس كل مساء سابحة في الأفق، ذات الروح التي هفت نفسي للقائها، أما «رفقة» «ربيكا» الغانية فلم أحسب لها حسابا!
كنت ألهث وأنا أتكلم، وأسمع صدى صوتي في أرجاء الحجرة يرتفع رويدا رويدا، أحسست أنني أمزق سكون الليل وحدي، وأنني قلت ما أريد، فسكت، وإن ظل لساني يزدحم بالكلمات، كنت قد نسيت أنها جالسة على حافة السرير فأدرت رأسي، كانت المرأة الجامدة قد زالت تماما، كانت ذات العينين السابحتين، تجلس على حافة السرير تبكي وتنشج في حزن وأسى، أسرعت نحوها ورفعت رأسها، أحسست بالراحة وأنا أتلقى قطرات دمعها على يدي، وأرضي أنانيتي أن تعود الروح إلى هذا الجسد ولو بسيل من الدموع.
وقلت وأنا أربت على خديها برفق: أرأيت أنك كنت تختزنين شيئا غاليا؟ - أكنت تريد دموعي؟ كنت تريدني أن أبكي؟ - بل كنت أريد أن تعود إليك الحياة، إنك يا صديقتي لست ذلك الثوب الأبيض والجسد اللدن، إنك روح وقلب، إن عينيك لا يحملهما تمثال لا روح فيه. - أنت واهم، إنني أعيش من ذلك التمثال، وله وحده. - وهذه الدموع؟ - قطرات ماء تخرج من صخرة! - لا أصدق ذلك، إن القلب ليستحيل صخرا إن خرج منه الحب، ألا تحبين؟
وتوقعت نظرة ساخرة، يعقبها تهكم مرير. توقعت إنكارا وإصرارا، لكن «ربيكا» كانت غير ذلك، كان غشاء الجمود والتحجر قد زال من عينيها وقلبها، أصبحت امرأة تحس وتذكر وتتألم، إني لا أزال أذكر عينيها، هاتان العينان اللتان طالما رأيتهما سابحتين في الأفق يشع منهما الحزن، العينان اللتان دفعتاني للتعرف عليها، غيرهما بالمرة هاتان العينان المحمومتان الملتهبتان، كأنما تحجرت الدموع أو بخرتها حرارة الأجفان، إني لأذكر أيضا هذا الحديث الدامي حين قصت علي «رفقة» قصتها، حين مضت تقص حياتها الأولى؛ البيت الهادئ الجميل في حيفا، صديقاتها فاطمة ومريم وآمنة، أصدقاءها الصغار أحمد وعامر ومنير، حين كان الجميع أسرة واحدة في بلد واحد، لقد أحبت أحمد في ذلك الحين، أحبته طفلا حين يكون الحب غذاء يمضي مع الدم، ويدخل إلى شغاف القلب، ولا يملك أداة إلا العين.
وأحبته يافعا تتعثر ألفاظ الحب على شفتيه، كما كانت تتعثر قدماها حين تراه قادما من بعيد، ثم مضت الأيام، ونما الحب، فأصبح كل الحياة. كان أهل أحمد أهلها، وكان أبوه لا يرى غضاضة في وجه رفقة، يطالعه في الصباح، يلتمس المعاذير من زيارة بناته، ويعلم في قرارة نفسه أنها تريد وجه أحمد، كان كل شيء جميلا نضيرا، حتى صخور الكرمل لم تكن قد صبغتها الكآبة بعد.
ومضت تسرد جمال الماضي، ومضى صوتها في سكون الليل كأنه همس حورية ناعم، كان جميلا حزينا كذكرياتها الجميلة الحزينة.
وفجأة سكتت كأنما انقطع حبل الذكريات.
وقلت وقد تفقدت أذني صوتها الهامس: وماذا بعد هذا الماضي الجميل؟ - حاضر تعس أعاصره منذ عشرة أعوام! - هل مات أحمد؟
ونهضت مرتاعة وصرخت: أيموت وأعيش؟ - إذن ماذا؟ - لم يمت أحمد وحده، وإنما ماتت الحياة كلها، مات العيش الجميل، في ليلة حالكة السواد أشفق منها القمر، وفي دارنا الجميلة، اجتمع ثلاثة رجال صنعوا نعشا لجمال الحياة!
وقلت مترددا: هل خطبك أحمد فرفض أبوك، أو رفض أبوه هذه الخطوبة؟ - لا شيء من هذا. - لا أكاد أفهم إلا أن عامل الدين قد حال بينكما؟
Halaman tidak diketahui